أيقونة القرى الفلسطينية المقاومة

تبعد قرية كوبر نحو 10 كم شمال غرب مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة ، من فوق رؤوس جبالها يرى سكانها مدينة القدس المحتلة، فهي لا تبعد عنها سوى 20 كلم، يبلغ مجموع سكان القرية حوالي 4000 نسمة يعمل سكانها في الزراعة والصناعة، وغالبيتهم من شريحة العمال وتحيط بكوبر قرى وبلدات؛ (أم صفا وبيرزيت من الجهة الشرقية، فيما قرية النبي صالح ودير نظام تحدها من الجهة الشمالية، وبيتللو ودير عمار من الجهة الغربية، وأبو شخيدم والمزرعة القبلية من الجهة الجنوبية) ،قد يكون العالم تعرف عليها حديثا، لكن الاحتلال يعرفها جيدا، فسجل القرية حافل بالتضحيات ، لبلدة كوبر قصة طويلة مع الاستيطان؛ ففي نظرة سريعة على الخارطة، بالكاد ترى القرية، فقد قضمت مستوطنة “عطروت” أراضيها من الجهة الشرقية، فيما سرقتها مستوطنة “حلميش” من الجهة الشمالية التي (أقامها الاحتلال في العام 1977م)، تجثم فوق أراضي عدد من قرى وبلدات شمال رام الله، ومنها قرية كوبر، في مسعى لتوسعة بنايات المستوطنة ومصانعها، (لكونها مستوطنة صناعية وسكانية وزراعية في نفس الوقت) فيما يجابهها أهالي القرية بمسيرات احتجاجية أسبوعية.

كوبر من أوائل القرى الفلسطينية التي شاركت في العمل النضالي الوطني الفلسطنيي ضد الاحتلال وقدمت نحو 15 شهيداً، وعشرات الأسرى الذين ما زال كثير منهم في سجون الاحتلال، يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد مدى الحياة، أبرزهم عميد الأسرى الفلسطنييين نائل البرغوثي (قضى حتى الآن 37 سنة)، ،الذي تحرر في صفقة وفاء الاحرار عام 2011 ثم أعاد الاحتلال اعتقاله عام 2014،والأسير مروان البرغوثي أحد قادة ورموزالمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية،وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح المحكوم بخمس مؤبدات ، وكذلك فهد أبو الحج ورائد زيبار وربيع البرغوثي، وهلال يوسف وفخري البرغوثي وعمر البرغوثي، وآخرين ما زالوا أسرى في سجون الاحتلال ، اول عملية خرجت من كوبر بطابع الاستشهاد نفذها الشاب عمر العبد (19عاما) الذي ينحدر من عائلة بسيطة الحال، لا علاقة لها بأي تنظيم سياسي فلسطيني ، اذ توجه عمر قاصداً بعمليته الشهادة، مجندلاً ثلاثة من مغتصبيها في مستوطنة “حلميش” إلا أنه أصيب خلال عمليته وجرى اعتقاله وحكم بأربع مؤبدات، وأضحى عمر جريحاً أسيراً مكبلاً في زنازين التحقيق الاسرائيلية، كوبر خرّجت أجيالاً لها بصماتها في العمل العسكري ضد الاحتلال، فمنها برز قادة التنظيمات الفلسطينية، وبعض أبنائها عملوا في خلية عسكرية مشتركة مع أبطال قرية سلواد خلال الانتفاضة الثانية، ونفذوا عمليات عديدة منها قتل 7 جنود من جيش الاحتلال على إحدى حواجز الاحتلال في الضفة، عدا عن مشاركة بعض أبنائها في اغتيال الوزير الاسرائيلي زئيفي على يد مجموعة من أبطال كتائب الشهيد أبو علي مصطفى الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كوبر خرجت من الشعراء والمفكرين والأدباء والإعلاميين منهم الدكتورة الإعلامية المتميزة الشاعرة وداد البرغوثي، والأديب والمفكر الشاعر حسين جميل البرغوثي الذي عمل أستاذا للفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة القدس وفي جامعة بيرزيت وأستاذا للنقد الأدبي والمسرح وصدر له ما يزيد عن ستة عشر عمل توزعت بين الشعر والرواية والسيرة والنقد والكتابة الفلكلورية والعشرات من الأبحاث والدراسات الفكرية بعدة لغات وفي العديد من الكتب والمجلات، وكان عضوا مؤسسا لبيت الشعر الفلسطيني وعضوا للهيئة الإدارية لاتحاد الكتاب الفلسطينيين ورئيسا لتحرير مجلة اوغاريت ومديرا لتحرير مجلة الشعراء حتى رحيله في عام 2002 مريضًا بالسرطان ، ولفد نلت شرف معرفته وكان صديقي الوفي المخلص النقي البسيط، وتعرفت على أخلاق وفضائل أهلنا الأحباء في كوبر من خلاله ، وكان يُقرن القول بالفعل وحين كان في سكن الطلبة في جامعة بيرزيت داهمت قوات الإحتلال الصهيوني السكن الطلابي وخلع ثيابه ليترجم قول شاعرنا العملاق توفيق زيّاد..

وقفت بوجه ظلامي يتيماً عارياً حافي

وما يميز الشعب الفلسطيني عامة وأهالي قرية كوبر، التعاون الشعبي والتضامن الوحدوي والتكافل بين أبناء القرية، فما أن وصلهم نبأ تنفيذ العملية، وما أن اقتحم الاحتلال منزل عائلة عمر وأبلغهم نيتهم هدم المنزل كعقاب جماعي على ما فعله نجلهم، حتى جرى الاعلان عن تبرع بقطعة أرض لبناء منزل لعائلة عمر في حال منعها الاحتلال من اعادة بناء بيتها المنوي هدمه على ذات مساحته، كما وجرى الاتفاق بين أبناء القرية على تشكيل لجنة لجمع التبرعات من داخل القرية لعائلة عمر.

عام وخمسة أيام، هي المدة الفاصلة بين تنفيذ الشاب الأسير عمر عبد الجليل العبد عملية الطعن في 21-7-2017، وبين تنفيذ الشهيد الفتى محمد طارق يوسف (17 عاماً)، عملية طعن في 26-7-2018، أسفرت عن مقتل مستوطن وإصابة اثنين آخرين ، ويربط بين الأسير ” عمر عبد” والشهيد “محمد طارق” عدة قواسم مشتركة لا تقتصر على مسقط الرأس وتوقيت تنفيذ العمليتين بذات الوسيلة( الطعن بالسلاح الأبيض “السكين”) ، بل تشمل كذلك دوافع العمليتين والتداعيات التي ترتبت على ذلك، فـ”اعمر” أقدم على تنفيذ عمليته انتقامًا لمدينة القدس والمسجد الأقصى بعد “تدنيسه من قوات الاحتلال الصهبوني المغتتصب” كما جاء في وصيته التي نشرها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، وبذات الدوافع تسلّح الشهيد “محمد طارق يوسف”، فقد نشر قبل تنفيذه العملية عند مدخل مستوطنة “آدم” المقامة عُنوة على أراضي مواطني” بلدة جبع” شمال القدس المحتلة، رسالته على صفحته في “فيسبوك” أكد فيها ضرورة الانتقام من جرائم الاحتلال من اقتحامات متتالية مكثفة للأقصى وحصار خانق مستمر على قطاع غزة، بعد عملية “محمد طارق يوسف” اقتحمت قوات الاحتلال بلدة كوبر، وداهمت منزل الشهيد الفتى وأخذت قياساته ووضعت عليه علامات وأبلغت عائلته بأنها ستعود لهدمه قريبًا، كما اعتقلت ثلاثة مواطنين وأغلقت كلّ مداخل البلدة بالسواتر الترابية وفق سياسة العقاب الجماعي، وذات الأمر فعلته سابقًا مع عائلة “عمر عبد” ،وكان الاحتلال قد هدم منزل عائلة العبد، وفرض حصارًا مطبقًا على البلدة مقيدًا حركة الدخول والخروج، واعتقل والديه وبعض أقربائه بتهمة “العلم السابق بتنفيذ العملية وعدم منعها”، وذلك في الوقت الذي طالب به وزير جيش الاحتلال الصهيوني “أفيغدور ليبرمان” بإيقاع حكم الإعدام عليه ، هاهو شعبنا بشبابه يتصدى للإحتلال ليقول نعم الكبار يموتون ولكن الصغار لن ينسون، هم أصغر من عمر اوسلو الكارثة المأساة ليؤكدّوا أن شعبنا مصمم على نيل حقوقه وعلى مواصلة الطريق .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى