“صفقة القرن” .. هل تفجّر المقاومة في الضفة الغربية المحتلة ؟

تتجه الأمور في فلسطين المحتلة إلى مزيد من التوتر والاختناق على جميع الأصعدة في ظل الضغوط الاقتصادية الصعبة التي يتعرّض لها أبناء فلسطين وممارسات الاحتلال الهمجية بحق الفلسطينيين في الضفة وغزة، أضف إلى ذلك القوانين الأخيرة التي أقرّها الرئيس الأمريكي مؤخراً فيما يخصّ القدس وتحويلها إلى عاصمة لـ”اسرائيل”، ناهيك عن غياب دور فاعل للسلطة الفلسطينية في ظل ما يجري من أحداث هناك، فما هو الحل للخروج من هذا الاختناق العبثي؟!.

أعادت مسيرات العودة التي خرجت مؤخراً في ذكرى “يوم الأرض” والتي انطلقت من غزة، روح المقاومة إلى الفلسطينيين، وأثبت شبان فلسطين أنه لا شيء مستحيل مع المقاومة، فقد تمكّن هؤلاء الشباب من بثّ الأمل من جديد في صفوف المقاومين مبتكرين طرقاً جديدة لمقارعة الاحتلال، نجحت إلى حدّ كبير، وعلى ما يبدو أن أبناء الضفة الغربية لم يستطيعوا تحمّل كمّ الظلم الذي يتعرض له أهاليهم في غزة، فقد خرجوا مؤخراً ضمن حراك شعبي ضم جميع شرائح أبناء الضفة المحتلة تحت شعار “ارفعوا العقوبات”، هدفه إسقاط العقوبات التي تفرضها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة منذ شهور، والمنضوية ضمن منظومة الحصار القاسي الذي يتعرّض له القطاع منذ 12 سنة، في محاولةٍ من العدو وحلفائه في المنطقة لخنق الغزاويين هناك أو “تأديبهم”، طبعاً التهمة هي “المقاومة” والسعي للعدالة والتحرر.

عندما تتحول “المقاومة” إلى تهمة ستجد “وحدة” منقطعة النظير بين جميع الشرائح الفلسطينية، لأن الاقتراب من “المقاومة” ومحاولة طمس هويتها عبر القضاء عليها أو تفريغها من مضمونها هو بمثابة القضاء على “القضية الفلسطينية” وتصفيتها، فمن سيسمح بذلك من الداخل الفلسطيني، ومن هنا لا نستبعد أن تعود فعالية “الذئاب المنفردة” إلى الضفة الغربية، وعليه قد نشهد في الأيام المقبلة عمليات طعن ودهس، لكونها الحل الوحيد الذي يجبر الاحتلال الإسرائيلي على التوقف عن الاستيطان وبلع المدينة وقضمها يومياً، ويجبر السلطة على تحسين الأوضاع المعيشة المتردية جراء الحصار الإسرائيلي المفروض على أبناء المدينة، ومن مخاطر عودة عمليات “الذئاب المنفردة” إلى الواجهة بالنسبة للصهاينة أنها لا تملك بنية تنظيمية يمكن محاربتها من خلالها، فهي عبارة عن عمليات فردية لا يمكن توقع حدوثها ولا حتى نتائجها، وهو ما يضع جهاز الأمن الإسرائيلي في وضع فاقد للسيطرة، بما يزيد من مخاوف المستوطنين.

المقاومة في الضفة لم تتوقف لحظة واحدة وإن غاب الحديث عنها في الإعلام إلا أنها حاضرة وبقوة، فالضفة ومنذ انطلاق مسيرات العودة تشهد يومياً مواجهات شديدة فضلاً عن عمليات ينفذها المقاومون في ظروف أمنية معقدة ويتمكنون من الانسحاب بسلام، وهنا يجب ألّا ننسى بأنه لا يمكن مقارنة الظروف والمحيط والجغرافيا بين غزة والضفة المحتلة، فالأولى وبالرغم من كونها محاصرة من جميع الجهات إلا أنها قادرة على تنفيذ خطط محكمة بصورة جماعية، حتى إن آلية تنفيذها ممكنة في ظل وجود كثافة سكانية كبيرة في غزة، حيث يعيش 5400 شخص على كل كيلومتر مربع، وبالتالي فإن إمكانية الحشد متوفّرة لوجود كثافة سكانية في أربع مناطق بغزة تكون الحشود فيها مركّزة وهادفة، بينما في الضفة الغربية يعيش 500 فقط على كل كيلومتر مربع، ناهيك عن جدار الفصل العنصري وكاميرات المراقبة والأجهزة الأمنية اليقظة دائماً والتي تتحرك بين المواطنين وتتجسس عليهم للحدّ من أي عملية مقاومة قد يقوم بها أبناء الضفة، فضلاً عن الاعتقالات اليومية.

لكن هل يستسلم أهل الضفة لهذه الممارسات والضغوط؟!، التاريخ يقول “لا”، فإذا قمنا بمرور سريع على السنوات القليلة الماضية سنجد مجموعة من عمليات المقاومة المؤثرة والتي ضربت العمق الإسرائيلي، دون أن تتمكن كاميرات المراقبة والتكنولوجيا التي عمل العدوّ على نشرها بكثافةٍ في الشوارع والتنسيق الأمني عن صدّها، ففي رمضان العام 2010، وبعد صلاة المغرب، كانت الخليل على موعدٍ مع عمليةٍ كبيرةٍ غابت عنها لسنواتٍ، إذ ترجَّل الشهيد “نشأت الكرمي” ورفيقه “مأمون النتشة”، وأطلقا النار على الشارع الالتفافي قرب بلدة بني نعيم، وقتلا أربعةً من المستوطنين، وتمكّنا من الانسحاب من المكان بسلامٍ، لتنطلق بعدها حملةٌ أمنيةٌ مشتركةٌ بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والجيش الصهيوني في الضفة الغربية، تخللها اعتقالُ العشرات ممّن تربطهم أيُّ علاقةٍ بالشهيد، وتعريضهم للتعذيب الشديد، حتى ضاقت على الكرمي “الأرض بما رحبت”، وارتقى خلال اشتباكٍ مع العدوّ برفقة صديقه النتشة.

وهكذا فيمكن القول إن شعب الضفة بإمكانه تحويل تهديد صفقة القرن إلى فرصة عبر تفعيل جبهة المقاومة داخل الضفّة الغربية، ولاسيّما في ظل خلافات فتح الداخلية بالبحث عن بديل للرئيس عباس، ومن النتائج الإيجابية للخلاف الحزب الفلسطيني القائم بين فتح وحماس، وإن كانت أغلب جوانبه سلبية، هو يأس العديد من شباب وشابات الضفّة من الوضع القائم وخروجهم من عباءة المقاومة الحزبيّة إلى إطار المقاومة الفرديّة التي يصعب مواجهتها من قبل الكيان الإسرائيلي.

وبالتالي قد نشهد في الأيام المقبلة مخاض ولادة مقاومة شعبية واسعة، سيكون لها آثار فاعلة على العمق الإسرائيلي وستقوّض الخطط الإسرائيلية الهادفة لقضم الضفة بأكملها وستكون حجر عثرة في وجه كل من يريد العبث مع أهل الضفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى