هل ستصبح الماريجوانا سلاحاً بيد البشر للقضاء على السرطان؟

في ارتداد كامل لعقود من التخويف المتعمد والدعاية التي صورت حشائش القنب المنتج للحشيش والماريجوانا على أنها خطر محض، ووضعها في نفس قالب الهيرويين، وحظر إجراء التجارب عليها قانونيًا، تقدم اليوم وزارة الصحة الأمريكية قائمة جزئية للاستخدامات الطبية المحددة ذات الفائدة الطبية العالية للماريجوانا. من أهم هذه الاستخدامات العمل كمضاد للالتهاب، وتخفيف التشنجات العضلية عند مرضى التصلب المتعدد، وكمضاد للفيروسات، ومضاد للبكتيريا، وإيقاف نمو الأوعية الدموية التي تدعم عمل الأورام بالجسم.

هل تكون الماريجوانا سلاح البشرية ضد السرطان؟

خلال دراسة استمرت عامين، أجراها المعهد الوطني الأمريكي للسرطان، تم خلالها مد مجموعة من الفئران والجرذان بمادة (THC) المكون الرئيس لزهرة القنب «الماريجوانا» عن طريق أنبوب التغذية وبجرعات مختلفة؛ لإجراء اختبارات على مجموعة متباينة من الخلايا السرطانية. جاءت نتيجة هذه الاختبارات بأن الماريجوانا تقتل الخلايا السرطانية وتوقف نموها، وتعوق نشاط الأوعية الدموية اللازمة لنمو الأورام.

وأظهرت الاختبارات المعملية أيضًا أن الماريجوانا قادرة على قتل الخلايا السرطانية دون الإضرار بالخلايا السليمة، كما تحمي الماريجوانا من التهاب القولون، ولها القدرة على الحد من خطر الإصابة بسرطان القولون وعلاجه، كما أثبتت الدراسة، بالتركيز على سرطان الكبد، أن الماريجوانا أضرت بالخلايا السرطانية وقتلتها، وكان العلاج بمركبات الماريجوانا أكثر فاعلية من العلاج الكيميائي عند مكافحة سرطان الكبد، ويمكن ملاحظة تأثيره على سرطان الرئة وسرطان الثدي.

وتم إجراء هذه الدراسة بعدما أصدر المعهد الوطني الأمريكي للسرطان، وهو جزء من وزارة الصحة في الولايات المتحدة تقريرًا على موقعه على الإنترنت، في آب 2015، تحت عنوان «الماريجوانا تقتل السرطان»، وأوضح التقرير الفوائد التي قد تقدمها الماريجوانا للأشخاص المصابين بالسرطان والأمراض المزمنة الأخرى، وكان منها مكافحة الغثيان، وتحفيز الشهية، وتسكين الألم، وتنظيم النوم.

قبل ذلك، وفي دراسة نشرتها مجلة «صحة الرجل» الأمريكية أثبتت قدرة الماريجوانا على قتل الخلايا السرطانية بالاختبار على 84 ألف مشارك، وقدرتها أيضًا على الحماية من سرطان المثانة. وقبل 16عامًا، كان العلماء قد وجدوا أن 89 شخصًا قد تعاطوا القنب أصيبوا بسرطان المثانة مقابل 190 رجل لم يتعاطوا الماريجوانا. وبعد وضع محددات للدراسة حسب العمر والعرق ومؤشر كتلة الجسم، ارتبط تعاطي الماريجوانا بتقليل نسبة الإصابة ببعض أنواع السرطانات؛ فقد تسببت في خفض احتمالات الإصابة بسرطان المثانة بنسبة 45%. كما أثبتت دراسة تأثير مركب «CBD» على مستقبلات هرمون الاستروجين الإيجابية والمستقبلات السلبية، وقدرة المركب على قتل الخلايا السرطانية بالثدي، مع تأثير ضئيل على خلايا الثدي الطبيعية.

ووجدت مراجعة لـ34 دراسة عن الماريجوانا في نماذج ورم الرأس الدبقي (غليوم) أن جميع الدراسات باستثناء واحدة أظهرت أن الماريجوانا يمكنها أن تقتل الخلايا السرطانية دون الإضرار بالخلايا الطبيعية، باستخدام مركب «CBD» مع العلاج الكيميائي ليكون أكثر فاعلية.

تقنين الماريجوانا.. جدل لا ينتهي

مع هذا الاكتشاف قابلت الحكومة الأمريكية كثير من الانتقادات لوقوفها أمام علاج لمرض يقضي على البشر يوميًا، ويعالجونه لسنوات، تحت أنظمة علاج أقل فعالية وأكثر إجهادًا بالإشعاع والحبوب وجلسات العلاج الكيميائي والعمليات الجراحية. ما هو مروع حقًا بالنسبة للذين عانوا مباشرة مع مرض السرطان هو أن هناك العديد من الدراسات العلمية على مدى العشرين عامًا الماضية أثبتت فاعلية الماريجوانا في قتل الخلايا السرطانية، ولكن مازال علاج المرض مستمر بالأدوية الباهظة، وهو الأمر الذي وصفته مواقع صحافية بـ«العلاج الاحتيالي».

أثبتت الكثير من الدراسات العلمية الموثقة أن حشائش الماريجوانا يتم استخدامها لأغراض طبية منذ 3000 عام، وفي العديد من الولايات الأمريكية حيث يتم تداول الماريجوانا قانونيًا كان مرضى السرطان يستخدمونه كدواء لفترة طويلة لتخفيف الألم. وكان رد فعل مؤسسة أبحاث السرطان الأمريكية أن حذرت من عدم وجود دليل على وجود تأثير مماثل للقنب على البشر بعد تجربته على الفئران، وحتى الآن لم تتم الموافقة على الماريجوانا من قبل إدارة الاغذية والعقاقير لاستخدامه كعلاج للسرطان، ولم تعترف به كدواء، عدا نوعين فقط من العقاقير المستخلصة منه، لعلاج الغثيان وتعزيز الشهية.

ما هي الصفات العلاجية لنبات «القنب»؟

القنب هو نبات تعود أصوله إلى آسيا الوسطى ويُزرع اليوم في أجزاء كثيرة من العالم، ويشير مصطلح «القنب الطبي» إلى نبتة القنب كاملة، أو المستخلصات الأساسية لعلاج بعض الأمراض، وتشكل الماريجوانا زهرة نبات القنب، حيث يحتوي القنب على 21 مكون كيميائي، يعمل بعضها على الدماغ وتغيير المزاج والوعي، مؤثرة على الجهاز العصبي والمناعي، ويصنفها القانون دوائيًا على أنها ضارة، ولا يوجد استخدام طبي مقبول لها.

ولكن ما تم اكتشافه أن المواد الكيميائية تنشط مستقبلات محددة موجودة في جميع أنحاء الجسم لإحداث تأثيرات دوائية بالجهاز العصبي المركزي والجهاز المناعي، وينتج عن ذلك نفس التغيرات الفسيولوجية والكيميائية الحيوية بالجسم التي ينتجها الدواء خلال مرحلة العلاج.

وتتركز الأهمية العلاجية للقنب في مركب كيميائي باسم «دلتا-9-THC»، والذي يخفف الألم والغثيان والقيء والقلق وفقدان الشهية، ثم مركب CBD، والذي يسكن الآلام ويخفض درجة الالتهابات ويقلل من حدة القلق دون التسبب في ذهاب العقل الذي يحدثه المركب الأول.

حتى الآن لا يوجد ما يكفي من الأدلة للتوصية بأن يستنشق المرضى أو يتناولون الماريجوانا مباشرة كعلاج للأعراض ذات الصلة بالسرطان أو الآثار الجانبية لعلاج السرطان، ولكن يمكن تناوله في المخبوزات وشرب شاي الأعشاب أو رشه تحت اللسان.

هل الماريجوانا جاهزة «طبيًا» لاستخدامها على البشر؟

رغم أن الحكومة الفيدرالية – ممثلة في المعاهد الوطنية للصحة – أكدت على أن الماريجوانا علاج فعال في قتل الخلايا السرطانية، دون أن يصيب الخلايا السليمة بالضرر كالعلاج الكيميائي والعلاج بالإشعاع، إلا أنه لم يتم العثور على تجارب سريرية طويلة المدى للقنب، كعلاج للسرطان عند البشر بالبحث على قاعدة بيانات المعاهد الوطنية للصحة. ولكن تم اختباره لتخفيف الآثار الجانبية للسرطان والآثار الجانبية لعلاج السرطان لفترات معينة خلال مرحلة العلاج.

وقد أظهرت دراسات عديدة قدرة الماريجوانا على قتل الخلايا السرطانية، ولكن تم اختبار القليل من هذه الدراسات على البشر سريريًا، ولذلك فمن السابق لأوانه القول بأن تأثيرات الماريجوانا هذه ستنجح بشكل كامل ومؤكد في حالة البشر. الأمر الجيد مع هذه المؤشرات الأولية هو أن اهتمام الباحثين بدأ يتجه بجدية لإجراء الاختبارات العلمية على الماريجوانا.

ربما قد أظهرت الدراسات نتائج مبشرة على الفئران، وعلى من يتعاطون الماريجوانا بالفعل، ولكنه لم يُختبر كعلاج حقيقي نظرًا لخطورة المرض الذي يتم التجريب عليه وصعوبة وقف العلاج الأساسي، ويتطلب إجراء دراسات دقيقة على الماريجوانا بالتجربة  على مئات إلى آلاف من البشر لتحديد فوائده ومخاطره المحتملة، وحتى الآن لم يتم إجراء تجارب إكلينيكية كافية تبين أن مخاطر حشائش الماريجوانا مقارنة بمكوناته الكيميائية الطبية لن تفوق فوائدها على المرضى الذين سيخضعون للتجربة والبحث.

الماريجوانا في الحضارات القديمة

يعود استخدام الماريجوانا طبيًا لنحو 3000 عام على الأقل، بدأها الإغريق والصينيون والمصريون القدماء، وبدأ استخدامها في الطب الغربي في القرن التاسع عشر، باعتبار أنها تخفف الألم والالتهابات والتشنجات والصرع. وقد بدأت وزارة الخزانة الأمريكية في عام 1937 بفرض ضريبة على الماريجوانا بموجب قانون ضريبة الماريجوانا، مقابل دولار واحد للأوقية للاستخدام الطبي، ومائة دولار للاستخدام غير الطبي، حتى عارضت الجمعية الطبيعة الأمريكية هذا القانون، وتم إزالة الماريجوانا من دستور الأدوية الأمريكي عام 1942؛ بسبب المخاوف المرتبطة بها.

وفي عام 1951 شمل القانون الأمريكي الماريجوانا كمخدر لأول مرة، لتعود الحكومة الأمريكية وتوزعه على المرضى على أساس كل حالة على حدة في إطار برنامج العلاج التعاوني الجديد عام 1978، حتى تم وقف البرنامج عام 1992، ومنذ ذلك الوقت لم تتوقف الأبحاث في كل أنحاء العالم في اختبار الماريجوانا حتى اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى