جرائم الاحتلال الأميركي في الشمال السوري

تدعي الولايات المتحدة الأميركية من خلال التحالف الدولي الذي شكلته على هامش قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في سبتمبر/أيلول 2014،أنها تحارب تنظيم «داعش» الإرهابي  بالتنسيق مع شركاء التحالف .وفيما يتعلق بسورية، استنكرت  روسيا ضربات التحالف الدولي على أنها مخالفة للقانون الدولي،ووصفت الولايات المتحدة الأميركية تصرفاتها على الأراضي السورية بأنها ضرورية، ومتناسبة من أجل القضاء على تهديد«داعش» للعراق، وكذلك القضاء على تنظيم القاعدة المرتبطة بمجموعة خراسان، وحق الولايات المتحدة الأميركية في الدفاع عن موظفيها في العراق ضد «داعش».

وكانت الجمهورية العربية السورية استنكرت الهجمات التي يقوم بها التحالف الدولي ضد أراضيها،لأنها تتعارض مع القانون الدولي، لا سيما أن الولايات المتحدة الأميركية كانت تستهدف بهجماتها الأهداف الجيوسياسية التي تخدم مصالحها لتغيير النظام في سورية.ومع هزيمة تنظيم«داعش » في سورية،لا سيما في مناطق شمال ووسط شرق سورية، أصبحت الولايات المتحدة الأميركية تسيطر على نحو30 في المئة من الأراضي السورية التي كانت واقعة تحت قبضة «داعش»،الأمر الذي اعتبرته الدولة الوطنية السورية بأنه احتلال صريح لأراضيها.

وحين بسطت «قوات سورية الديمقراطية»المتكونة في أكثريتها من الأكراد و بعض العرب، التي تمثل «وحدات حماية الشعب» الكردية ركنها الأساسي ،والمدعومة من «التحالف الدولي» بقيادة الولايات المتحدة ،سيطرتها الكاملة على الرقة، التي كانت أبرز معاقل تنظيم «داعش» في سورية ،ذكر ناشطون أنه منذ بدء معركة استعادة الرقة في 6حزيران/يونيو 2017، نزح نحو نصف مليون شخص من مناطق القتال، فيما وصلت نسبة الدمار إلى نحو 90 بالمائة من مساحة المدينة، ما تسبب في  تدمير مساجد وجسور، ومدارس ومشافٍ، ومراكز صحية. وكان  طيران «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن أغار على المدينة نحو أربعة آلاف غارة تسببت بدمار هائل. وتسببت المعارك من أجل تحرير الرقة من سيطرة ظيم«داعش» الإرهابي في مقتل نحو 3250 شخصاً بينهم 1130 مدنياً خلال أكثر من أربعة أشهرمن القتال([1]).

بعد أن حولت طائرات «التحالف الدولي» بقيادة الولايات المتحدة الأميركية مدينة الرقة إلى حُطَامٍ،وهزيمة «داعش» ذراع واشنطن في المنطقة،سقطت عاصمة هارون الرشيد   في أيدي «قوات سورية الديمقراطية»،وهي الجماعات الكردية المدعومة أميركيًا.وتؤدي«قسد» بكل تفان ما هو مطلوب منها أميركيًا وصهيونيًا،لا تريد التعلم من الصفعة التي تلقاها انفصاليو كردستان العراق، وسرعان ما تستبدل رايتها براية «داعش» عندما تقتضي المصلحة الأميركية ذلك، وتصويب سلاحها نحو أهالي حي المشلب في الرقة، ومنعهم من العودة إلى منازلهم، يؤكد مجددا، أن أميركا تتنقل بإرهابها، وتزرع إرهابا محل آخر، تحت ذريعة محاربة داعش.‏

وارتكب «التحالف الدولي» منذ تشكيله بشكل غير شرعي من خارج مجلس الأمن في عام 2014 بذريعة محاربة تنظيم داعش الإرهابي عشرات المجازر، أسفرت عن استشهاد وجرح المئات من المدنيين، إضافة إلى استهدافه البنى التحتية من جسور ومنشآت حيوية في أرياف دير الزور والحسكة، وتدميره مدينة الرقة بشكل شبه كامل، وتهجير مئات الآلاف من سكانها.

ومن وجهة نظر الدولة الوطنية السورية ، قال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين السورية  في تصريح لـ سانا([2]):إن ادعاءات الولايات المتحدة وتحالفها المزعوم بتحرير مدينة الرقة من «داعش» هي مجرد أكاذيب هدفها حرف انتباه الرأي العام الدولي عن الجرائم التي ارتكبها هذا «التحالف» وأدواته في محافظة الرقة.‏ وتابع المصدر: لقد أصبح من المعروف للمجتمع الدولي ولمن يدعون حرصهم على حياة الأبرياء وحقوق الإنسان أن ما يزيد على 90 بالمئة من مدينة الرقة قد سُوِّيَ تمامًا بالأرض ودمرت كل أنواع الخدمات والبنى التحتية فيها.. مشيرًا إلى أنّ عشرات الآلاف من سكان الرقة قد تم طردهم من مدينتهم ومن القرى التابعة لمحافظة الرقة وأصبحوا لاجئين في وطنهم وذلك نتيجة للقصف المتعمد والوحشي لأهالي الرقة والبلدات التابعة لها.

فقد نقلت وكالة نوفوستي عن نائب المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية أندريه كوجين مؤخرًا،أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بذريعة محاربة الإرهاب دمر مدينة الرقة بشكل كامل ،وإن هناك الكثير من القتلى من سكانها دفن تحت الأنقاض موضحا أن آثار المدافع والطيران الأمريكي والبريطاني والفرنسي واضحة للعيان في كل مكان.‏ وأشار كوجين: إن الوضع في المدينة يزداد صعوبة لأن أحداً لم يعمل شيئا خلال 9 أشهر مضت منذ تحريرها من تنظيم داعش الإرهابي لتسهيل حياة سكانها فمنظمات الإغاثة الدولية تشكو من عجزها عن العمل إذ لا يمكنها إيجاد مكان آمن في المدينة لفتح مكاتبها وإقامة مساحات لتوزيع المساعدات الإنسانية بين المدنيين لأن المدينة كلها مملوءة بالألغام ويلقى عدد من المدنيين حتفهم يومياً بسبب هذه الألغام والقذائف غير المنفجرة».‏ وتساءل كوجين بأي حق يمنع من احتل جزءاً من دولة ذات سيادة من أعضاء الأمم المتحدة سلطاتها الشرعية من إمكانية استعادة السيطرة على المناطق المحتلة لإعادة الحياة الطبيعية اليها وكيف لهؤلاء المحتلين أن يلعبوا دور الدول الضامنة لعملية التسوية السياسية بين السوريين.‏

ومن جانبه أكد رئيس المكتب التنفيذي لرابطة الدول المستقلة سيرغي ليبيديف خلال اجتماع لمجلس وزراء الدفاع في بلدان الرابطة بمدينة كيزيل الروسية أمس إلى محاولات الدول الغربية إلغاء أحد المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية وهو مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة موضحاً أن وجود قوات أجنبية في سورية من دون موافقة حكومتها مثال على ذلك وداعياً الرابطة إلى تشكيل آليات مشتركة جديدة للرد على كل ما من شأنه تقويض الاستقرار في دولها.‏

ورد في تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية أن ضربات المدفعية والغارات الجوية المنفذة من قبل قوات التحالف التي تعمل بإمرة القيادة الأميركية قد ألحقت أضرار بالغة بحياة السكان المدنيين في المناطق التي سبق وأن سيطر عليها تنظيم «داعش»،الأمر الذي يتناقض مع إدعاء الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا وفرنسا من أنهم كانوا يتوخون الحذر ويلتزمون الدقة في قتالهم لـ(داعش) وفي قصف مواقعها خلال أشهر الحصار الأربعة على الرغم مما شهدنا من تدمير شبه كلي للمدينة برمتها.‏‏

وتقول كبيرة مستشاري برنامج مواجهة الأزمات في منظمة العفو الدولية دناتيلا روفيرا ([3])«لقد شهدنا في مدينة الرقة مستوى هائلاً من الدمار يفوق ما شهدناه على مدى العقود الماضية التي قمنا خلالها بتغطية أثار الحروب ».وأضافت القول إن ادعاء التحالف بأنه أجرى حملة قصف دقيقة تجنباً لاستهداف المدنيين لا يمت للواقع بصلة، واقتبست قولاً لأحد كبار الضباط العسكريين في الجيش الأميركي بأن «الرقة شهدت قصفاً مدفعياً لم تشهده أي منطقة من العالم منذ نهاية حرب فيتنام».‏‏

ووثقت المنظمة حالات أربع أسر قالت عنها: إن تجاربها كانت مثالاً لنماذج أوسع ودليلاً واضحاً على أن هجمات التحالف العديدة التي أوقعت قتلى ومصابين مدنيين انتهكت القانون الدولي الإنساني، وأوضحت المنظمة أنها أجرت مقابلات مع 112 من السكان المدنيين في الرقة خلال بحث ميداني أجرته هناك في شباط، وزارت خلاله مواقع 42 ضربة جوية ومدفعية، لافتة إلى أنه في الحالات الأربع الواردة بالتفصيل في تقريرها أصابت الضربات الجوية باستخدام ذخائر قوية مباني مليئة بالمدنيين الذين كانوا يقيمون هناك منذ فترات طويلة، وأشارت إلى أن الشهود الذين استمعت اليهم ذكروا أنه لم يكن هناك أي وجود مسلح في المنطقة المجاورة للمناطق التي وقعت عليها هجمات التحالف ما يعني أن مثل هذه الهجمات، إما أن تكون هجمات مباشرة على المدنيين، أو على أهداف مدنية أو هجمات عشوائية، مشددة على أن هذه الهجمات تصل إلى حد جرائم الحرب، ودعت العفو الدولية «التحالف» إلى الاعتراف بحجم الدمار الذي تسبب فيه وإلى توفير المعلومات اللازمة لتحقيق مستقل فضلاً عن تقديم التعويضات للضحايا.

أميركا مستمرة بدعم الإرهاب، لتقويض أي جهد دولي يهدف لإيجاد حل سياسي، رغم أن كل أوراقها تكشفت، وأدواتها فضحت الأدوار القذرة لمنظومة العدوان، وتصريحات وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم حول حقيقة ما جرى منذ بداية الحرب على سورية ودور الولايات المتحدة والمشيخات ونظام أردوغان، يفترض أن تحتم على واشنطن مراجعة حساباتها، والكف عن التمادي بحماية تنظيمي «داعش »و«جبهة النصرة»، والتوقف أيضا عن استيلاد تنظيمات إرهابية بمسميات جديدة، من رحم تلك التنظيمات المتقهقرة، فنهاية الإرهاب في سورية اقتربت، والحل السياسي يرسم خطوطه العريضة، الجيش العربي السوري وحلفاؤه في الميدان.‏

وواصل التحالف الدولي جرائمه بحق المدنيين في شمال سورية وواصل استهداف وزهق ارواحهم، وكله تحت مظلة محاربة «داعش» الذي أمن هروبه أو تمدده في مناطق أخرى، ولم تصب طائرات التحالف المزعومة سوى المدنيين وتدمير البنى التحتية، إذ ارتكبت طائرات «التحالف الدولي » منذ ثلاثة أيام مجزرة جديدة بحق السوريين هي السادسة منذ بداية الشهر الماضي ، حيث استهدفت  مقاتلات «التحالف الدولي» منطقة الريف الجنوبي  لمدينة الحسكة، بضربات جوية وصاروخية، ما أدى إلى مقتل 12 بينهم 9 من عائلة واحدة منهم 4 أطفال، ولا تزال أعداد الضحايا قابلة للزيادة لوجود جرحى بحالات خطرة. وكان التحالف ارتكب مجزرة أخرى في قرية الباغوز الفوقاني الخاضعة لسيطرة «داعش» قتل فيها 8 أشخاص على الأقل بينهم 3 أطفال .وفي هذه الأثناء ،أعلنت منظمة «ار وورز» غير الحكومية التي تحصي الضحايا المدنيين في كل عمليات القصف الجوي في العالم أن ما لا يقل عن ستة آلاف و259 مدنياً قتلوا بيد «التحالف  الدولي».

وجاء في رسالة وجهتها الوزارة إلى أمين عام الأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن حول اعتداءات التحالف المستمرة على الأبرياء من أبناء الشعب السوري وعلى سيادة ووحدة وسلامة الأراضي السورية تلقت سانا نسخة منها ([4]):إن هذا التحالف المارق على الشرعية الدولية قام باستهداف أهالي هذه القرى عقابا لهم على رفضهم الانضمام إلى الميليشيات الانفصالية العميلة للولايات المتحدة الأمريكية في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور والتي تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتنظيم العلاقة بينها وبين إرهابيي «داعش» حيث يعمل على إعادة هيكلة بعضهم ضمن هذه الميليشيات واستغلال البعض الآخر في استهداف مواقع الجيش العربي السوري بغية تمكينهم من السيطرة مجددا على المناطق التي حررها الجيش العربي السوري وحلفاؤه من رجس الإرهاب.‏

وتابعت الوزارة: لم يتوان هذا التحالف الإجرامي عن تقديم الإسناد الناري المباشر لتنظيم «داعش» الإرهابي ضد الجيش العربي السوري في حالات عديدة كان آخرها بتاريخ 24 أيار 2018 عندما استهدف طيرانه الحربي مواقع عسكرية للجيش العربي السوري بين البوكمال وحميمة في ريف دير الزور بعد اقل من 24 ساعة على إحباط الجيش العربي السوري هجوما لإرهابيي «داعش» على هذه المواقع.‏

وفي عدوان أميركي تركي جديد على سيادة أراضي الجمهورية العربية السورية، أعلنت الولايات المتحدةالأميركية وتركيا عن توقيعهما على ما يسمى «خريطة طريق» بخصوص مدينة منبج لسورية في شمال البلاد.فقد أكد وزيرا الخارجية الأميركي مايك بومبيو والتركي جاويش أوغلو، في واشنطن مؤخرًاعزم بلديهما تنفيذ جميع نقاط تلك الخطة.وقال الناطق باسم الحكومة التركية بكر بوزداغ في مؤتمر صحافي يوم الإربعاء الماضي أن «هناك جدولاً زمنياً واضحاً حيال خريطة طريق منبج، سينفذ خلال 90 يوماً»، مؤكداً أن «الخطوات خلال هذه الفترة واضحة ومرسومة».ويأتي حديث بوزداغ بعد يوم من إعلان الوحدات الكردية الخروج من مدينة منبج، بموجب «خريطة الطريق» التي اتفقت عليها أميركا وتركيا لمستقبل المدينة.إذ قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، منذ ثلاثة ايام، أن «خريطة الطريق التي توصلت إليها تركيا مع أميركا في منبج سيتم تطبيقها مستقبلًا في مدينتي الرقة وعين العرب «كوباني».وأشار أوغلو إلى أن «خريطة الطريق ستنطبق على الرقة وكوباني لطرد التنظيمات الإرهابية التي لن تتمكن من إدارة شؤون تلك المدن».وتصدر المشهد السوري في الأشهر الماضية تهديدات متتالية على لسان مسؤولين أتراك، آخرها قول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن «تركيا تجهز للسيطرة على أربع مناطق سورية على طول حدودها».

من الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية وتركيا أردوغان،اللتين دعمتا التنظيمات الإرهابية طيلة الحرب الكونية على سورية،انتقلتا في الوقت الحاضر ،من إدارة دفة الإرهاب، إلى مرحلة انخراطهما المباشر في التنفيذ، لتكريس احتلالهما لأجزاء من الأراضي السورية، الأمر الذي لن تقبل به الدولة الوطنية السورية التي أضحت الآن ، وبعد سلسلة الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه طيلة الثلاثةأشهر الماضية على التنظيمات الإرهابية، أكثر عزماً وتصميماً اليوم على تحرير كل شبر من أراضيها، سواء من الإرهابيين، أو من القوات الأميركية والتركية والفرنسية والبريطانيةغير الشرعية،التي تدعم الإرهاب ، وتستثمرفيه.

 

 (1)- محمد أمين،داعش ينهار شرقي سورية يخسر الرقة ويتراجع في ديرالزور، صحيفة العربي الجديد،18 أكتوبر 2017 .

(2)- ادعاءات أميركا بتحرير المدينة أكاذيب للتغطية على جرائم «التحالف»…سورية: الرقة مازالت محتلة.. ولا تعد محررة إلا عندما يدخلها الجيش العربي السوري، صحيفة الثورة 30تشرين الأول/أكتوبر 2017.

(3)-صحيفة الثورة السورية 7حزيران 2018.

(4)صحيفة الثورة7حزيران 2018.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى