برنارد لويس .. رائد كراهية الاسلام واستاذ فن الافساد في الارض

الجدل حول إرث برنارد لويس نموذج للطريقة التي صرنا نتعاطى بها مع خلافاتنا الفكرية والدينية والاجتماعية والسياسية: جدل طرشان. طرف يسعى لكسب نقاط على طرف آخر بدون أنْ يكون هناك استماع متبادل وعميق بين الطرفين. وهذا بحد ذاته مُحزن، لولا أنَّ الأمر أسوأ. فقد انقسمنا إلى أقطاب متنافرة، وصرنا نسعى للقضاء على بعضنا البعض، مستغلين أي فرصة عارضة لذلك، بما فيها فرصة موت شخصية معقدة ومتعددة الأبعاد. الهجوم على برنارد لويس أو مدحه لم يكن مدفوعاً بتحليل علمي موضوعي لفكره ولمواقفه، بل صار –حسب قراءتي المحدودة– وسيلة البعض لتأكيد خيانة طرف منّا للحضارة الإسلامية، ووسيلة بعض آخر لتأكيد تخلّف طرف منّا عن ركب الحضارة الإنسانية الحديثة.

برنارد لويس شخصية معقدة بالفعل. قامة أكاديمية كتبت في تاريخ الإسلام والمسلمين، وشخصية انشغلت بالسياسة والعلاقة بين الغرب والمسلمين. هناك قامات أكاديمية أخرى في العالم شرقاً وغرباً، بعضها يساوي أو يقارب لويس، ولكنّها لم تشغلنا بالطريقة نفسها، لأنَّنا لسنا مشغولين ولا معنيين بالفكر. عندما توفيت باتريسا كرونه (Patricia Crone) قبل ثلاث سنوات لم نرَ جدلاً حولها. أكاديمياً كانت على مستوى لويس وربما أوسع علماً منه، ولكن لم تكن حاضرة في وعينا لأنَّها لم تشتغل بالقضايا السياسية، بالرغم من أنَّ أبحاثها الأكاديمية عن الإسلام والنبي (عليه الصلاة والسلام) كانت أكثر جدلاً؛ مثلاً كانت أبحاثها تشكك في وجود النبي نفسه!! وتدفع نحو مراجعة جذرية لتاريخ نشأة الإسلام. ولكنّنا لم نذكرها لأنَّنا لا نعد أنفسنا معنيين بتقييم الإرث الفكري الذي يكتبه غيرنا عنَّا، وإنما نرى أنفسنا معنيين بمواقف بعضنا ونوظف آراء آخرين لأجل ذلك.

لويس لم يدخل إلى الوعي الجمعي الغربي والعربي بسبب أعماله الأكاديمية عن الإسلام، وإنما بسبب مواقفه السياسية عن المسلمين، أو بسبب تأثير نظرته للعلاقة الحضارية بين المسلمين والغرب على صُنّاع السياسات ومتخذي القرار في الولايات المتحدة بشكل أساسي. نقده للمسلمين وأسباب تخلّفهم لم يكن أفضل أعماله، بل لا يعدّ من الأعمال العلميّة إذا ما طُبقت عليه مناهج العلوم الاجتماعية والسياسية الصارمة، ولكنّه كان آراءً سياسية شكّلت وعي الكثير في الغرب –وربما في الشرق– عن المجتمعات المسلمة المعاصرة. نظرته للصراع الحضاري بين الغرب والإسلام، نظرته للتهديد الذي يُشكله الإسلام على أوروبا وعلى الولايات المتحدة، نظرته للصراع الأزلي بين الشيعة والسنّة، ونظرته الدونيّة للعرب المعاصرين. لويس صار عنواناً يُلخص رؤية سياسية، وجدل الطرشان الذي نشهده إنما هو فرصة لتسجيل نقاط ضد من يؤيد أو من يعارض تلك الرؤية. وأكاد أجزم أنَّ وقت وفاة لويس يُشكّل المواقف من لويس أكثر من آرائه. ماذا لو تُوفي قبل الحادي عشر من سبتمبر، أو بعد غزو العراق، أو قبل نكبة الربيع العربي، أو قبل الاتفاق النووي مع إيران…؟ ماذا سيقول عنه منتقدوه أو المدافعون عنه؟

أياً كان الأمر، وأياً كان الموقف الصحيح، نحن بحاجة إلى الاستماع لبعضنا البعض حتى لو كنّا نتجادل. بل في الوقت هذا بالذات نحن بحاجة إلى حوار وليس جدلاً. الجدل يهدف إلى جمع نقاط وهزيمة الخصم وكسب جمهور وبيان التمايز والقطيعة في المواقف. أما الحوار فيهدف إلى فهم الآخر، وتفهّم مواقفه حتى لو اختلفت معها. الحوار أيضاً يهدف إلى فهم الذات بواسطة ما يقوله الآخر. أخيراً الحوار يهدف إلى إبراز المُشترك بين المتحاورين: المشترك في الهمّ والمبادئ والمصالح والمصير. وإبراز هذا المشترك صار حاجة مصيرية بالنسبة لنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى