اسئلة المستقبل المدببة !!

الأسئلة التي تحير العرب وتقض مضاجعهم في المرحلة الراهنة أصبحت  تتمحور حول النقاط التالية : إلى أين نذهب ؟ أي مصير ينتظرنا في المستقبل القريب والبعيد ؟  كيف نواجه أزمتنا وكيفية الخروج منها ؟ ما العمل ؟   لماذا تستلب الدول الاقليمية ( تركيا وايران والكيان الصهيوني ) دورنا  وتحتل إرادتنا  وتملأ فراغنا السياسي العربي الراهن   باندفاعاتها ومطامحها ومطامعها ؟ لماذا تبقى فلسطين وحدها في مواجهة القوة العنصرية الصهيونية الغاشمة ولماذا تتحرك قوى اقليمية ودولية لمناصرتها ونبقى نحن في حالة من الخصاء السياسي والعملياتي والأخلاقي ؟ ما الذي يمكن أن يوقف حروبنا البينية واسترجاع عقلنا وتوازننا القومي ؟ متى نستشرف ونستشعر التاريخ ونكون فيه ذاتأً ولا نكون خارجه أو موضوعا من موضوعاته

هذا بعض من فيض الأسئلة المدببة والمحيّرة التي تواجه المواطن العربي وتتوالد معه بألم كل صباح ، إذ يمكن دائما وبعيدا عن البعد السياسي الحصري لهذه الأسئلة أن نضيف إليها كل أنواع الأبعاد والمكمّلات والتراجعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية   لنرى أننا أمام كارثة وجودية من نوع خطير تهدد وجودنا وتضعنا أمام حالة تاريخية مصيرية ينهض فيها السؤال جدياً أنكون أو لا نكون !

وليس المهم في مثل  حالتنا العربية الراهنة أن نبقى نحدّق في الأسئلة ونتفرج على تداعياتها وأضرارها بل المهم أن نبدأ التفكير بوضع إجابات عليها لأن مثل هذا التحديق العدمي والكسول الذي لا يولد إجابات ولا يحرك وجودنا وتاريخنا وقوى نهضتنا ونخبنا كافة نحو التغيير  هو جزء من هذا المرض العربي الجديد الذي يمكن تسميته  (مجتمعات الفرجة )     المعبر عن الانشداة والتنافر الادراكي والتبلبل وعمى الألوان والهامشية واللاأبالية والانطواء والنكوص والتكلس وترك الحبل على الغارب .

ونحن في هذا المدار المرعب نغض الطرف عما يمكن أن يخلصنا من هذا الحال ، ونغض الطرف عن التدقيق في حالنا ودورنا وأسباب هامشيتنا  ونبقى نقف بسكونية وسلبية واستسلام أمام الأحداث والعاديات ونستمر في ترتيل اسطوانة انعدام البديل ( وحط رأسك بين الروس ! ) ، ونحن وفي هذا المدار أيضاً لا نريد أن نتذكر البدايات الشعبية العربية البريئة للتغيير التي انطلقت منذ عام 2011 (وأجهضت لاحقاً ليصبح بعدها الاستبداد العائد أسوأ من الاستبداد البائد !) وهي الانتفاضات التي إنبنت ذاتيا ردا على الفساد والاستبداد وعمّت الوطن العربي بأكمله وأسقطت المستبدين وأرهصت بعهد عربي جديد ، واكتفينا بالقول أنها مؤامرة وفقا لهوانا في الهروب من الحقائق واستبدالها بالمطلقات والافتراضات والحتميات والاستيهامات ،   وتركنا الاستفهامات والتحليلات للآخرين الذين كانوا على الضد منا يرون أمتنا وشعوبنا من زاوية أخرى وبمنظار آخر يحترم شعوبنا وقدراتها ويثمن لها هذا الانفجار بوجه الاستبداد ويحول   مفردات انتفاضاتنا وحراكاتنا الأصيلة في أكثر من قطر عربي إلى نماذج للدراسة والاستشراف والتعلم ويضعها في مدارات العلوم السياسية الحديثة التي توحي بحقائق جديدة في التاريخ وعلم الثورة والانتهاض والتغيير  ونفت عنا صفات الاستعصاء والاستثناء الذي كان دراجاً في الدراسات الاستشراقية واستهدف أن يغمط حقنا الإنساني في القدرة على التغيير ويبشرنا بالاضمحلال .

الأسئلة المدببة الآنفة تحتاج إلى ثقافة سياسية استشرافية مغايرة ( وهذا ممكن ومتاح ومباح )  تضع المسائل أمام عقل المواطن العربي بطريقة تعيد إليه الثقة بذاته وقدراته وبأمته  وتدفعة للعودة الى المجال السياسي وتبعث فيه الحافز على البقاء في مداراته الاجتماعية والسياسية المتوازنه وتجنبه  الذهاب مع الأوهام والترهات التي تصاغ في مرحلتنا الراهنة على أنها من أعمال الواقعية السياسية وهي في حقيقتها تؤكد وتضاعف المتاهة التي نرى أنفسنا منذ أكثر من عقدين نحوم في شعابها ونتحسر على ماضٍ انقضى وفات ولا نرى المستقبل !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى