اليمين الإسرائيلي وهدم المعايير الديمقراطية

قبل نحو أسبوع من الآن، أقرّت اللجنة الوزارية الحكومية الاسرائيلية  تمرير ما يُعرف بقانون “فقرة التغلب”، التي تسمح للكنيست بإعادة سن قوانين ألغتها المحكمة العليا الإسرائيلية، وليست هذه المرة الأولى التي تسعى فيها أحزاب من الكنيست، وتحديداً من اليمين الإسرائيلي، الحدّ من قوّة المحكمة العليا، لكنها المرة الأولى التي تلقى هذا النجاح.

ويتذرع اليمين الإسرائيلي، بمبدأ أنّ المحكمة العليا، تتمتع بصلاحيات أكثر من الممنوحة لها في قوانين الأساس، التي تُنظم الحياة الدستورية في “إسرائيل”، حيث لا زالت إلى اليوم تفتقد إلى دستور مكتوب، ويرى اليمين الإسرائيلي، أنّ المحكمة العليا، باتت داعماً للأقلية في “إسرائيل”، ولا تكترث بحكم الأغلبية التي أفرزته وتفرزه الانتخابات في “إسرائيل”.

الإشكالية في الدولة العبرية، أنّ البرلمان المنتخب، تتشكل منه حكومة تنفيذية منبثقة عن ائتلاف لمجموعة من الأحزاب، تُشكل الغالبية في الكنيست، الأمر الذي جعل السلطة التشريعية تابعة للسلطة التنفيذية، حيث تخضع الأخيرة لتوازنات داخلية، تتعلق برغبة كل حزب تمرير اجندته الانتخابية، وتحقيق مصالح منتخبيه.

ووفق بحث قدمه عميخي كوهين، الباحث في مركز الديمقراطية الإسرائيلي، وُجد أنّ “إسرائيل” من بين الدول التي لا تضع حدّاً واضحاً لتغوّل السلطة التنفيذية، وهذا ما يدفع للتساؤل، هل بالفعل “إسرائيل” بحاجة للحدّ من الصلاحيات الكبيرة للمحكمة العليا؟، أم الحدّ من القدرة الكبيرة للكنيست، في تغيير القوانين، واللعب في مفاهيمها وفق الموازنات الداخلية لأحزاب الائتلاف.

وبالنظر إلى عمل الكنيست العشرين، ذات الأغلبية اليمينية، من سنٍّ للقوانين ومبادرة بأخرى، نجد أنّ غالبية تلك القوانين، تتنافى مع المعايير الدمقراطية التي حدّدتها النظريات المختلفة للدمقراطية، ومن بين تلك القوانين والمبادرات:

1.إقرار قانون “فقرة التغلب”، والتي تعتدي على صلاحيات المحكمة العليا، وتجعل من الأقلية فاقدة لوجود جدار يحميها من تغوّل وسيطرة الأغلبية.

2.تمرير قانون التجنيد مرّة أخرى بالقراءة الأولى، وهو القانون الذي سيعفي الحريديم، من التجنيد، الأمر الذي يُعفي 10% من سكان الدولة، من تحمّل الأعباء فيها.

3.قانون الكشف عن المساعدات الخارجية لمنظمات حقوق الانسان، والذي ساهم بتقليص عمل المنظمات الحقوقية، إلى النصف.

4.قانون القوّمية، والذي يمس حقوق العرب في “إسرائيل”، فعدى عن تحويل أصحاب الأرض إلى أقلّية، ستصبح هذه الأقلية تحت قمع مضاعف، بالمقارنة مع سابقه.

5.المبادرة بعشرات القوانين الأخرى، بهدف الحدّ من حرية التعبير، فصل أعضاء الكنيست وغيرها من القوانين، المنافية للدمقراطية.

من وجهة النظر اليمينية، فإنّ الأغلبية من حقّها أن تتخذ القرارات التي تراها مناسبة، ومن حقّها أيضاً سنّ القوانين التي تتناغم مع رغبة الأغلبية الائتلافية، إلّا أنّ هذا الطرح متنافٍ تماماً مع الواقع، حيث إنّ غالبية تلك القوانين لم تلق اجماعاً داخلياً حقيقياً، بل مرت في غالبيتها تحت عنوان، إمّا أن يمر القانون الذي أقدمه، أو فلتسقط الحكومة.

حيث بالنظر إلى الجزء الغالب من القوانين، فقد مرّت بطرق ابتزازية وليست بإجماع الغالبية الائتلافية، ويمكن ملاحظة ذلك في القوانين أو مسودات المشرّعة مؤخراً:

أولاً: قانون التجنيد بقراءته الأولى، مرّ دون موافقة حزبي “إسرائيل اليوم، وكلنا”، واللذان يمتلكان 15 مقعداً في الكنيست، ولكن بعد تهديد الحريديم بالانسحاب من الحكومة مرّ القانون.

ثانياً: قانون “فقرة التغلب”، مرّت رغم رفض حزب “كلنا” له، ولكن تخوّف كحلون من تفكيك الائتلاف دفعه لالتزام الصمت.

ثالثاً: قانون الإعدام الخاص بليبرمان، مرّ رغم معارضة غالبية الأحزاب له، وبعد تهديدات جدّية من قبل وزير الجيش، مرّ القانون خوفاً من تفتت الائتلاف.

غالبية ما تمّ سنه من قوانين، مرّ على هذه الشاكلة، حيث كان للابتزاز الدور الأكبر، والمظلّة الأشمل التي ساهمت في ولادة قوانين لم تلق اجماعاً حتى بين أحزاب الائتلاف نفسها، ولكن الشعور العام لدى تلك الأحزاب، وتحديداً الصغرى منها، أنّه من الضروري الإبقاء على الائتلاف الحكومي اليميني، لإكمال فترته وفق القانون، وتخوّف تلك الأحزاب من نتائج الانتخابات في حال انهار الائتلاف، يدفعها دوماً، للموافقة على قوانين، في أحيان كثيرة، تتنافى مع برامجها الانتخابية.

ختاماً، اليمين الإسرائيلي، يحظى بدعم غالبية الجمهور الإسرائيلي، ووفق استطلاعات الرأي، فإنّه سيحصل على 66 مقعداً على الأقل، الأمر الذي دفع هذه الكتلة الائتلافية، للتفكير ليس فقط في ضرورة الحكم بالطريقة اليمينية، بل أيضاً بالسيطرة على كافة المناحي القوّية في الدولة، بما في ذلك تغيير تركيبة المحكمة العليا، والتي باتت تشهد ضربات متلاحقة من قبل اليمين الحاكم.

ويرى مركز القدس في تقديره، أنّ استمرار رفض اليمين لغيره في الدولة العبرية سيستمر، وفي الوقت الذي كانت تحمي فيه المحكمة العليا، الأقلّية المحسوبة على تياري الوسط واليسار من سطوة اليمين، فقد استطاع الأخير أن يقطع اشواطاً إضافية، في تمكين حكمه، وفكره، وفرض قوانين يمينية خالصة على سكان الدولة ككل، إلى جانب إبقاء رئيس وزراء منغمس حتى أخمص أذنيه في الفساد، على رأس السلطة التنفيذية.

 *  مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى