لان الشعب الأمريكي لا يهتم بالسياسة بل بالاقتصاد نجح ترامب في خداعه

يحصل في الولايات المتحدة الأمريكية مفارقات لا أحد يتوقعها من شعب سوق لنفسه بأنه مثقف وواعي ويدافع عن العدالة في جميع أرجاء هذه الأرض، ولكن وبعد وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض اتضحت أشياء عن الداخل الأمريكي لم تكن في الحسبان.

الجميع على اطلاع بالسياسة التي ينتهجها الرئيس الأمريكي والتي أزمت الأوضاع في المنطقة برمتها والتي كان اخرها خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني يوم امس الاول الثلاثاء ولا أحد يعلم ماذا سيتمخض عن هذا الخروج في الأيام المقبلة، ولكي لا نخرج عن السياق، يمكننا التحدث عن شعبية ترامب التي كانت الأقل بين رؤساء الولايات الأمريكية جميعا وربما ما زالت لكنها تشهد تحسنا ملحوظا رغم ان ترامب وبحسب تقرير نشرته “واشنطن بوست” الأربعاء الماضي أدلى بأكثر من 3000 كذبة منذ وصوله إلى البيت الأبيض.

مضيفةً إن “هذا الرقم من التصريحات التي تحمل معلومات زائفة أو مضللة، يعني نسبة 6.5 تصاريح مضللة في اليوم”، مبينة أنه “عندما أطلقت هذا المشروع لأول 100 يوم لترامب في الرئاسة، كان المعدل 4.9 يومياً، وتدريجياً تصاعد هذا الرقم”.

هذا عن أسلوبه المضلل أما شعبيته فقد ارتفعت عن بداية وصوله للسلطة بحسب مركز “أي بي-إن أو آر سي” الذي أعد دراسة جديدة جاء فيها ان شعبية ترامب ارتفعت من 35 بالمئة إلى 42 بالمئة من الآراء المؤيدة بين فبراير ومارس، في حين أن للدراستين هامش خطأ من 3.7 و4.2 نقاط تباعا، وبحسب الأميركيين، فإن إدارة ترامب للاقتصاد تبقى نقطة قوته، مع تزايد عدد الأشخاص الذين يؤيدون نشاطه في هذا المجال (48 بالمئة) مقابل 45 بالمئة يرون عكس ذلك بحسب استطلاع لـ”سي إن إن”.

هذا الكلام يقودنا للبحث أكثر عن طبيعة المجتمع الأمريكي وكيف لنا ان نفهم هذه الطبيعة وكيف تمكن ترامب من إغواء شعبه بالرغم من المعارضة الشديدة التي واجهتها سياسته من قبل الشعب نفسه؛ إذا ماذا حصل؟!.

أولاً: لعب ترامب بذكاء على الداخل الأمريكي وهنا نقصد بالضبط الحالة الاقتصادية للشعب، وهذه النقطة غفلت إلى حد بعيد عن الرؤساء السابقين الذين اهتموا بالسياسة الخارجية وأعطوها أولوية على الوضع الاقتصادي للبلاد.

ترامب اليوم يمارس سياسته الخارجية بطريقة يتمكن من خلالها من ضخ الأموال إلى الداخل الامريكي عبر سياسة “فرض جزية” على جميع الدول التي تحميها بلاده، لاسيما السعودية التي يأخذ منها أموالا طائلة بين الفترة والأخرى تحت حجج مختلفة في المقابل الجانب السعودي لا يستطيع ان يقول “لا” لانه يعلم كم ستكلفه هذه الـ”لا”.

الأمر الثاني الذي يلعب عليه ترامب هو وجع الشارع الأمريكي فيما يخص موضوع البطالة وفرص العمل، وبالفعل تمكن الرجل من الحد من مستوى البطالة، ودغدغ مشاعر الأمريكيين عبر بناء سور مع المكسيك فهناك كثر ممن هم مستاؤون من سياسة التهريب على الحدود مع المكسيك ويرون في أن الحد منها سيعود عليهم بالفائدة الاقتصاديّة.

ثانياً: تمكن ترامب من استغلال نقاط الضعف في سياسة اسلافه الذين خاضوا حروب دمروا بها المنطقة وكلفت بلادهم الكثير من الأموال والأرواح، لكن ما يفعله ترامب اليوم ربما يعود بنفس النتائج على الشرق الأوسط من قتل ودمار وأزمات وحروب ودماء ولكن هذه الأرواح ليست أمريكية بل من أبناء المنطقة وكذلك هو الحال بالنسبة للأموال التي أجبر الدول الخليجية على دفعها وتحمل مصاريفها.

فعندما يقول ترامب للشعب اننا دفعنا في العراق 7 ترليون دولارا ولم نحصد شيء، هذا يعني أنه يلعب على الوتر الأمريكي الحساس الذي عانى من حربه على العراق، خاصة فيما يخص عدد القتلى وهذا الموضوع حساس بالنسبة للشعب الأمريكي، لذلك نجده يطالب بالانسحاب من سوريا اليوم ويريد ان يدخل مكان قواته قوات عربية مشتركة لكي “يضرب عصفورين بحجر واحدة”، حيث لا يخسر امولا ولا أرواحا، وهذا عظيم بالنسبة لأمريكا وشعبيته فيها.

ثالثاً: الشعب الأمريكي لا يهتم بالسياسية بل ما يهمه الاقتصاد حصراً ويهمه الرفاه بكافة معانيه، لذلك لا يهم من اين تأتي الأموال، المهم ان تأتي، وهذا الكلام أكدته تجربة المخرج والساخر السياسي “عامي هورويتز” في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، حيث أظهرت هذه التجربة جهل الأمريكيين بالسياسة إلى أبعد حد.

قام المخرج بتجربة اجتماعية في إحدى الجامعات المرموقة بولاية كاليفورنيا، لوح فيها بعلم داعش دون أي أن يواجه أي رد فعل سلبي، ولكن عندما رفع علم اسرائيل تلقى ردودا ساخطة.واتجه المخرج إلى حرم الجامعة وهو يلوح بالعلم الأسود شعار تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي يحظى بسمعة سيئة داخل الولايات المتحدة. وكان يهتف أثناء تلويحه: “أنتم تسيئون فهم داعش، نحن نريد دولتنا فقط، لماذا تستمر امريكا في قصفنا؟ أمريكا والإمبريالية الغربية هي المسؤولة، وليس داعش”، كما ظهر في الفيديو الصادر عن “فوكس نيوز” يوم الأربعاء 19 تشرين الثاني.

ومع ذلك، فالطلاب الذين يقول عنهم هورويتز في مدونته “بشكل واضح لديهم الكثير من الفكر”، لم يتفاعلوا معه على الإطلاق، ولم تصدر عنهم أية استجابة إزاء ما قاله حول “داعش” داخل حرم الجامعة.

الواقع يقول ان الإعلام الأمريكي والذي يمتلك ماكينات تضخ أفكارها إلى جميع بلاد الأرض، لم يتمكن من توجيه الشعب ضد ترامب علما أنهم كتبوا عنه آلاف التقارير وحاربه أغلب فنانوا أمريكا لسياسته الاقصائية التي يمارسها بحق شعوب العالم وعنصريته المفرطة، ولكن ما غفر لترامب أمام هذا الشعب انه استطاع اللعب على أوجاعه الاقتصادية وعالج جزءا منها وهذا ما دفعهم نحوه بعد ان كانوا ينفرون منه ومن تصريحاته المخجلة وفضائحه التي لا تعد ولا تحصى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى