المؤشر السياسي الإسرائيلي: تغوّل لليمين، تمتين التطبيع، والتهيئة لواقع سياسي جديد

شهد شهر نيسان المنصرم، حراكاً اسرائيلياً جادّا لتهيئة الواقع الإسرائيلي، للتغيرات المحتملة التي قد تشهدها المنطقة خلال الشهور القليلة القادمة، إلى جانب الصورة التي باتت أكثر وضوحاُ، في أنّ اليمين الحاكم حالياُ، بات أكثر قدرة على استغلال اغلبيته من أجل تمرير وفرض قوانين، جعلت من صورة الحكم الواضحة يمينية صرفه.

داخلياً، بات حزب البيت اليهودي، ورغم امتلاكه فقط ثمانية مقاعد في الكنيست الإسرائيلي، المؤشر الذي يُمكن من خلاله قياس يمينية الحكومة، والمعلوم أنّ البيت اليهودي هو أكثر الأحزاب يمينية في الدولة العبرية، فهو يجمع الصهيونية اليمينية، مع الدين اليهودي، ليُعرف تياره على أنّه الممثل الحقيقي للصهيونية الدينية.

حيث استطاع الحزب خلال الشهر الأخير، تمرير قانون التغلّب، التي ستسمح للكنيست بإعادة سن قوانين ألغتها المحكمة العليا الاسرائيلية، الأمر الذي يُمهد للحكومة اليمينة إعادة سنّ قوانين تخدم الاجندة اليمينية، وتجعل من المؤسسة التشريعية، وبالتالي التنفيذية، ذات سلطة أكبر، لأنّ من يمتلك الأغلبية التشريعية في البرلمان الإسرائيلي، هو بالتالي يمتلك السلطة التنفيذية.

ويرى مركز القدس، أنّ تمرير هذا القانون، سيكون له انعكاسات داخلية، فرغم معارضة اقطاب بارزة كوزير المالية كحلون، إلّا أنّ مرور القانون والمصادقة عليه وزارياً، وتحديداً بفضل دعم البيت اليهودي والليكود، يُشير إلى السطوة اليمينية ويؤشر إلى:

أولاً: باتت “إسرائيل” لا تلتزم بالأسس الدمقراطية المتعارف عليها عالمياً، وبات حكمها استغلال للأغلبية، وسطوة لها لفرض رؤى معينة، وليس حكم الأغلبية وفق مسار دمقراطي.

ثانياً: مع سنّ هذا القانون، يُمكن اعتبار أنّ التوازن بين السلطات الثلاث في الدولة العبرية، قد دخل مرحلة جديدة، فبعد أن كانت المحكمة العليا، هي الميزان الذي من خلاله يُمكن فلترة الكثير من القوانين المنافية للدمقراطية، وللمساواة الداخلية، مثل الغاءها قانون التجنيد الذي يُعفي الحريديم المتدينين من الخدمة، ستفقد المحكمة العليا هذه القدرة، حيث بإمكان السلطة التنفيذية، إعادة تشريع القانون من خلال استغلال اغلبيتها في الكنيست.

ثالثاً: هذه القوانين ستُساهم في رفع نسبة مؤيدي اليمين، وتجسيد المزيد من العنصرية على الأرض، حيث اثبتت التجارب العملية في “إسرائيل”، أنّ اليمين أكثر تكاتفاً، وتماسكاً، وتغذيه الروح العنصرية، من خلال فرض قوانين تمس كلّ المكونات الأخرى، ومن الممكن ملاحظة ذلك في استطلاع الرأي، الذي جرى مؤخراً، وأعطى أحزاب اليمين حوالي 68 مقعداً، بزيادة ثلاث مقاعد عمّا يمتلكه حالياً.

رابعاً: هذه القوانين تمهد بشكل أساسي، للمساس بالفلسطينيين على وجه الخصوص، وكذلك الأقلية اليسارية، وطالبي اللجوء في الكيان، حيث من المعلوم أنّ الفئات الثلاث الضعيفة، وإن كانت لا تحقق الكثير أمام المحكمة العليا، إلّا أنّ المحكمة شكلت في بعض الأحيان، ردّاً ولو لجزء يسير من العنجهية اليمينية، الأمر الذي سيفتح الباب بعد هذا القانون، للتسليم بكلّ القوانين، وعدم وجود سدّ منيع أمامها.

خامساً: سيساهم هذا القانون، بتسليم المحكمة العليا، بالواقع المعاش حالياً في “إسرائيل”، وهذا سيدفعها لعدم شطب القوانين التي تسنّها الأغلبية، حرصاً على عدم وجودها في مواجهة مباشرة مع حكم الأغلبية، والذي استطاع تشويه صورة المحكمة وإنزال نسبة الثقة فيها خلال العقد الأخير من 70% إلى حوالي 56% فقط.

سياسياً، وعلى الساحة الخارجية، فقد بات من الواضح أنّ “إسرائيل”، لا زالت تحقق الكثير من المكاسب، سواءً على المستوى الدبلوماسي، أو فرض نفسها كلاعب أساسي في الكثير من الملفات في المنطقة.

فعلى مستوى العلاقة مع بعض الأنظمة العربية، فقد بات التطبيع هو العجلة الأكثر دحرجة في العلاقة الثنائية، ما بين تل ابيب وبعض العواصم العربية، وتحديداً الخليج منها، وهذا الذي كان سرّا في يوم من الأيام وفق ليبرمان، بات مطلباً من بعض الأنظمة العربية، والتي باتت تحاول البرهنة على حسن نواياها التطبيعية من خلال ارسال وفودها للمشاركة في نشاطات ماراثونية، تهوّد القدس.

والأهم من ذلك، أنّ القناعة الإسرائيلية باتت، أنّ الدول العربية هي التي تتطلع للتطبيع، بعد أن كانت الصورة خلاف ذلك قبل سنوات من الآن، الأمر الذي يمهد لتل أبيب فرض شروطها، والذي أهمها أنّ العلاقة مع العرب يجب أن تكون بمعزل عن القضية الفلسطينية وتطوراتها.

من الناحية السياسية الإقليمية، من الواضح أن تل ابيب باتت جزءاً ليس فحسب مهمّاً في المعادلة، بل طرفاً في تحديد مساراتها، حيث إنّ القصف المتكرر للأراضي السورية، والمواقع الإيرانية يكشف أنّ ل “إسرائيل” ترتيبات تتعلق بهذا الشأن مع القوتين العظمتين، روسيا والولايات المتحدة، وهذا ما أكدته القيادات الإسرائيلية، حين ألمحت لوجود تنسيق روسي – إسرائيلي في هذه القضايا.

وما زيارة نتنياهو المرتقبة، خلال اليومين القادمين إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي بوتين، والتي تُعتبر السادسة خلال أقل من عامين، إلّا مؤشراً، يُثبت حجم العلاقة القوّية، والدور الإسرائيلي في المعادلة السورية.

ويرى مركز القدس، أنّ “إسرائيل” تحقق مكاسب ولو تكتيكية من الناحية السياسية من حيث قدرتها على تحديد مسارات تخدم مصالحها، والتي تتقاطع مع المصالح الغربية عموماً، حيث يتضح ذلك من خلال:

أولاً: قدرتها على الموازنة في العلاقة ما بين الولايات المتحدة وروسيا، في الكثير من الملفات الساخنة في الشرق الأوسط وتحديداً الساحة السورية.

ثانياً: تثبيتها من الناحية السياسية عدم وجود قوى تهدد أمنها في الجنوب السوري، وهو الأمر الذي يمهد للإقرار الدولي من خلال روسيا والولايات المتحدة بسيطرتها على الجولان.

ثالثاً: تمدد مساحة علاقاتها مع الأنظمة المحيطة، تحت شعار، علاقة جيدة مع “إسرائيل” تحميك من إيران، وتحافظ على علاقتك مع الولايات المتحدة.

في مساحة العلاقة مع الفلسطينيين، سواءً في غزة، أو الضفة الغربية، لا زالت الأوضاع على الأرض، إلى الآن، تُشير من الناحية التكتيكية إلى ارتياح إسرائيلي في الضفة الغربية، وتشويش في الرؤية فيما يتعلق بالتعامل مع غزة.

حيث على الأرض في الضفة الغربية تسير عجلة الاستيطان ومصادرة الأراضي وفق المخطط له، دون وجود الكثير من العراقيل، ويرى مركز القدس أنّ المؤشر السياسي لتعامل الاحتلال في الضفة الغربية يسير نحو:

أولاً: تثبيت المساحة المصادرة استيطانياً، والتي تُقدر في الضفة الغربية بنحو 60% من الأراضي، ضمن مساحة بناء استيطاني تصل الى نحو 6%، وتهيئتها لتكون مترابطة ضمن شبكة طرق تُسهل من إمكانية ضمها بشكل رسمي للدولة العبرية.

ثانياً: العمل على تثبيت طرق تواصل مع الفلسطينيين وبشكل مباشر، والهدف من ذلك زيادة الاحتكاك الفلسطيني مع الاحتلال، وزيادة تعلّق المواطن الفلسطيني، بالإدارة المدنية، والتي تهيئ الأرض للقيام بدور السلطة في حال انهيارها.

ثالثاً: تحويل السلطة الفلسطينية إلى شبه إدارة محلية، تقوم بإدارة شؤون الفلسطينيين، والضغط عليها من خلال أطراف عربية ودولية لتمرير القبول بصفقة القرن، والتي ستعطي الفلسطينيين مساحة أقل من نصف الضفة الغربية.

رابعاً: العمل الإسرائيلي الدؤوب من أجل زيادة عدد المستوطنين في الضفة، الأمر الذي سيساهم بتخفيف الاكتظاظ السكني في الداخل المحتل.

على الجبهة الغزية، تبدو صورة تعامل الاحتلال أقل وضوحاً، حيث شهد الشهر الأخير وجود خلافات علنية بين قيادات إسرائيلية وازنة، إلى جانب طرح العديد من الرؤى المتناقضة في كيفية التعامل المرغوب بها مع غزة، وقد رصد المركز هذه التوجهات خلال شهر نيسان ضمن:

أولاً: محاولة الاحتلال إبقاء الأوضاع على ماهيتها في غزة، بمعنى إبقاء غزة ضمن وضعية اللاموت واللاحياة، الأمر الذي قد يمهد وفق تل ابيب لإضعاف المقاومة.

ثانياً: عدم الوصول إلى حالة الحرب الشاملة مع غزة، ومحاولة فرض واقع يسمح بوجود حرب خاطفة، لا تستنزف الاحتلال كثيراً.

ثالثاً: الحيلولة دون وصول مسيرات العودة لتحقيق أهدافها، من خلال استخدام الإقليم ومحاولة التخفيف الجزئي المؤقت للحصار.

رابعاً: في حال فشل السيناريوهات أعلاه، فإنّ الصوت سيكون أعلى لأصحاب نظرية الوصول لتفاهمات مع غزة، تجعل منها كياناً مستقلاً، ضمن تهدئة تصل إلى سنوات طويلة.

 * مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى