إيران تدخل في مرحلة ما بعد «النووي»

يتطلع العالم إلى يوم 12آيار/مايو الجاري، حيث من المرجح أن يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره بشأن الاتفاق النووي الإيراني ، سواء لجهة إلغائه ، أو إضافة محاور بالغة التحجيم والمراقبة للقدرات الإيرانية، إليه، خصوصا بعد أن وضحت إلى درجة كبيرة مواقف الدول التي يعنيها شأن هذا الاتفاق، وتلك التي رعته ووقعت عليه في عام 2015 مع إيران. ورجّحت  الجمهورية الإسلامية الإيرانية انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي، وذلك من خلال تطرّق الناطق باسم الحكومة الإيرانية محمد باقر نوبخت إلى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 12 الشهر الجاري، قراراً في شأن الانسحاب من الاتفاق المُبرم بين طهران والدول الست عام 2015، قائلاً أنه «يتوقّع أن يخرج منه الرئيس الأميركي قليل الفهم». وشدد على «ضرورة الاستعداد لمواجهة مرحلة ما بعد انهيار الاتفاق»، مشيراً إلى أن إيران «وضعت سيناريوات لمواجهة هذا الأمر». وأضاف: «أعددنا العدّة للوضع الجديد المتوقع، واتخذنا التدابير اللازمة. الحصار الاقتصادي لن يزول، وعلينا كسره. هذه المسؤولية لا تقع على عاتق الحكومة فحسب، بل على عاتق الشعب والنخبة الثقافية أيضاً».

فالرئيس ترامب يؤكد عزمه على اتخاذ إجراء حازم ضد الاتفاق النووي مع إيران «يجب ألا يشك أحدٌ في كلامي. قلت سابقا إنني لن أؤكد تطبيق إيران الاتفاق النووي، ولم أفعل ذلك، وسأفي بهذا الوعد. أدعو الدول الأوروبية المحورية إلى الانضمام إلى الولايات المتحدة في شأن تعديل العيوب الهائلة لهذه الصفقة، في خطوةٍ تعارض عدوان النظام الإيراني، وتدعم الشعب الإيراني. وإذا لم تكن الدول الأخرى قادرةً على العمل الآن، فسأنهي الصفقة مع إيران».

ويراهن  الرئيس الأميركي دونالد ترامب على موقفٍ مؤيدٍ له من فرنسا وبريطانيا، وإن بدا أن الدولتين ما زالتا مترددتين كثيرا في اختيار أسلوب المواجهة مع إيران؛ ذاك أن كليهما يتفقان مع ترامب أن الاتفاق النووي مع إيران يحتاج تعديلات وإضافات كثيرة، ليس ممكنا الاطمئنان دونها إلى برامج طهران التسليحية، وكذلك امتداداتها في مناطق نفوذ بالغة الحساسية في العراق ولبنان وسورية واليمن وسواها. وقد أكد ذلك بوضوح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في كلمته أمام الكونغرس الأميركي «هدفنا واضح في إيران، وهو ألا تمتلك أبدا سلاحا نوويا، لا الآن ولا بعد خمسة أعوام ولا بعد عشرة أعوام، أبدا»، مؤكّدا، في الوقت عينه ، أنه «يجب ألا تقودنا سياسة إيران إلى حربٍ في الشرق الأوسط».

ففي سيدني، أقرّ ماكرون بأنه «لا يعرف القرار الذي سيتخذه الرئيس الأميركي في 12 أيار (مايو)» الجاري. وأضاف في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الأسترالي مالكوم ترنبول: «أياً يكن القرار، علينا التحضير لمفاوضات موسعة والاتفاق الأوسع، إذ أعتقد بأن أحداً لا يريد حرباً في المنطقة ولا تصعيداً في التوتر».وشدد على وجوب إضافة ثلاث «دعامات» على الاتفاق، «الأولى تتعلّق بالنشاطات النووية بعد 2025، والثانية لتكون لنا سيطرة ومراقبة أفضل للنشاطات الباليستية للنظام الإيراني، والثالثة من أجل احتواء نشاطاته في المنطقة، خصوصاً في العراق وسورية ولبنان واليمن».ولم يعلّق ماكرون على إعلان رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو امتلاك الدولة العبرية «أدلة» تثبت وجود خطة سرية يمكن لطهران تفعيلها في أي وقت، لامتلاك قنبلة ذرية، لافتاً إلى أن فرنسا «حريصة جداً على استقرار المنطقة»، وتابع: «لذلك نريد العمل على هذا التفاوض الجديد، بالتنسيق مع ألمانيا والمملكة المتحدة. سنعمل في شكل فاعل لإقناع الجميع بأن تكون لدينا، في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة، مثل تلك المفاوضات التي هي الطريق الوحيد للمضيّ وتحقيق الاستقرار في المنطقة».وقال وزير خارجية بريطانيا، بوريس جونسون، أمام مجلس العموم البريطاني: «إن الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران سيتم من دون شك، على الرغم من قرار الولايات المتحدة عدم التصديق على التزام طهران بالاتفاق». ويرى وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، أن إيران «ليست بناءة في الشرق الأوسط».

ما يعزز ترجيح إلغاء الرئيس ترامب للآتفاق النووي الإيراني ، هو اختياره لجون بولتون مستشاراً للأمن القومي بعد إقالة وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون، وكما اختار جورج بوش الابن بولتون مندوباً دائماً في الأمم المتحدة، لتوافقه مع توجهاته نحو العمل المنفرد، وعدم اعتداده بالتحالفات والمنظمات الدولية والأمم المتحدة، كذلك كان اختيار ترامب لجون بولتون بسبب توافقه مع آرائه حول السيادة والمصلحة الأميركية والقضايا الدولية التي تواجهه.فقد جاء اختيار بولتون فيما دونالد ترامب مقبل على أهم قضيتين يواجههما: القمة المقبلة مع رئيس كوريا الشمالية وقراره المنتظر في 12أيار الجاري حول الاتفاق مع إيران على برنامجها النووي .وفيما يتعلق بالأزمة السورية فإنّ مستشار الأمن القومي الأميركي وتوجهاته هي ضد سورية وحلفائها وهو يؤيد توجيه ضربة عسكرية ضد سورية. كما يقف موقفاً متشدداً من إيران، وهو يؤيد بشدة اتجاه ترامب الرامي إلى الانسحاب من الملف النووي مع إيران أو «إصلاحه»، بل الأكثر من ذلك، يدعو إلى استخدام القوة ضد إيران. وذلك على عكس توجهات وزير الخارجية المُقال أخيراً ريكس تلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس اللذين لا يحبذان الانسحاب. وقد تكون أحد المواضيع القليلة التي يختلف فيها ترامب مع بولتون هي حرب العراق فالأخير يُعتبر أحد مهندسيها والمدافعين عنها بشدة لدرجة أنه قال وقتها بأن العراقيين سيرحبون بالجنود الأميركان معتبراً أن العملية العسكرية الأميركية لن تطول هناك وما حدث هو العكس لقد قام الجنود الاميركيون بتدمير العراق ونهب خيراتها.‏

يبدو أن التلويح بالعقوبات الاقتصادية والتهديد بسحب الثقة بالاتفاق النووي الإيراني هي الان الورقة الرابحة للرئيس الاميركي دونالد ترامب كما يظن .و ترامب هو الشخص الوحيد في الإدارة الأميركية الذي يعتقد بأن إلغاء الاتفاق ليس حماقة خطيرة او مخاطرة من قبل إدارته.‏ فهو وعد قاعدته الموالية ،وقال بأنه سوف يفرغ الاتفاق النووي الايراني من مضمونه السلمي .‏

و السؤال الذي يطرحه الكثير من الاميركيين المعارضين لافكاررئيسهم،كيف يمكن لترامب فعل ذلك وهو يعرف تمام المعرفة بأنه إذا حصل ذلك فعلا فهو سيسهم في تفجيرالعالم ؟‏

يبدو أن ترامب محفور في ذاكرته بأنّه إذا فعل ذلك مع إيران فإنّه يسعى لإنقاذ أميركا وهو يرى أن فرض العقوبات هو الأسلوب الانسب للتعامل مع ايران ،وفي شهادته أمام الكونغرس في شهرأيلول/سبتمبر2017، قال الجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية ،وهو من أكبر الداعمين لمشروع ترامب الجديد ضد إيران أكد إن جهاز الأمن القومي بكامله، بما في ذلك كيلي، يرون أنّه لابد من دعم ترامب في خطته الجديدة تجاه إيران بالرغم من التزام إيران بشروط الاتفاق النووي المبرم مع الولايات المتحدة الأميركية .

كما إن الرصد العلمي والموضوعي الفعلي لاتفاق إيران يتم من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية لامن قبل دونالد ترامب، حيث يقوم مفتشوهم باستمرار بفحص المعلومات التي تنتقل على مدار الساعة بواسطة كاميرات المراقبة والمراقبين على الإنترنت و اختبار أختام الألياف الضوئية على المعدات النووية.‏ إنه نظام التفتيش هذا هو الأكثر قوة في العالم و هو الأكثر دقة وتقدما من الناحية التكنولوجية في التاريخ، وقد قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنّ إيران تفي بالتزاماتها. وجميع الدول الموقعة على المعاهدة، بما فى ذلك الصين وروسيا، راضية عن التقدم الذى تحقق في الاتفاق النووي الإيراني وهم راضون على إيران الملتزمة بنود الاتفاق .‏

وفي حين أنّ الاتفاق النووي الإيراني يمشي ببطئ لأن الولايات المتحدة تحاول عرقلته وإنهائه لكن إيران في تقدم مستمر كي تصبح قوة نووية . و الرئيس الإيراني حسن روحاني أكد في شهر أيلول/سبتمبر2017أنه لن يعيد التفاوض،وإن فشلت الولايات المتحدة في الإبقاء على كلمتها سيؤدي مباشرة إلى إطلاق أيدي المتشددين الإيرانيين الذين يكرهون دائما أي تعاون مع‏

الغرب، ويحبون أن يكونوا قادرين على صنع القنبلة النووية. ويوافق الجميع تقريبا على أن تفكير ترامب الراديكالي ببساطة لايمكن تصوره .‏ وقد ادان ترامب بصوت عال وبشكل متكرر الاتفاق النووي الايراني واعتباره بانه قد سبب حرجا لأميركا، وأقسم اليمين بأن يعمل على قتل هذا الاتفاق.‏

رغم أنّ ترامب هدّدخلال حملته الانتخابية بالتخلي عن الاتفاق النووي الإيراني الموقع بين إيران والقوى الدولية، فإنّ المعارضين للاتفاق داخل المؤسسة السياسية الأميركية والعسكرية يرون أنه قام بتعطيل البرنامج النووي الإيراني،وإطالة أمد امتلاك إيران القنبلة النووية من دون أن يمنعها كليا،إضافة على ما سبق ،فإن إدارة أوباما السابقة كانت مترددة في فرض العقوبات الأخرى غير المرتبطة بالبرنامج النووي،أي تلك العقوبات المتعلقة ببرنامج الصواريخ الباليستية ، وذلك خوفا من تداعيات تلك الخطوة على الاتفاق النووي مع إيران.أما ترامب ، فإنّه يريد أن يمارس المزيد من الضغوطات على الجمهورية الإسلامية الإيرانية ،من خلال تشديد العقوبات الاقتصاديةعليها،عبر تعديل القانون الذي ينص على معاقبة الشركات الأجنبية التي تتعاون مع شركات إيرانية يمتلك الحرس الثوري الإيراني حوالي 50% أو أكثر من أسهمها، و ذلك من خلال جعل هذه النسبة حوالي 25% فقط،و النص على أن أي تعاملات إيرانية بالدولار الأميركي سوف تخضع للاختصاص القضائي الأميركي،و أخيرًا، إصدار عقوبات أكثر صرامة بحق أي شركات تخترق الحظر الأميركي المفروض على الشركات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.

وبالمقابل تتعامل طهران، بقياداتها المختلفة، السياسية والعسكرية، مع الموضوع جيدا حتى اللحظة، حيث تدير الصراع مع واشنطن عبر وجهين واضحين للموقف، أحدهما متشدّد ومهدّد لمصالح أميركا والكيان الصهيوني ، وربما بعض الدول الخليجية، والآخر دبلوماسي مرن، ويمنح آفاقا فيها قدر من الأفق المعتمد على رؤية ما يقدّم من دول الغرب، ثم النظر فيه، مع إبراز الاحتمالات الخاصة بالإجراءات الإيرانية، في حال ألغت واشنطن الاتفاق النووي معها، وهو ما أكده وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بالقول إنه «إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق (يعرّف بأنه خطة العمل الشاملة المشتركة)، وأعادت العقوبات التي رفعتها عن إيران مرة أخرى، سيكون بإمكان طهران استئناف برنامجها النووي بمعدل أسرع بكثير»، وهو تأكيدٌ لموقف سابق، أعلنه المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أن طهران ستلتزم بالاتفاق مع القوى العالمية، ما دامت هذه ملتزمة به، لكنها “ستمزقه” إذا انسحبت الولايات المتحدة منه، وأن إيران مصمّمةٌ على مواصلة برنامج الصواريخ الباليستية المثير للخلاف، على الرغم من الضغط الأوروبي والأميركي لتعليقه.
لكن وفي ضوء ما تؤكّد عليه الاتفاقية النووية نفسها، فإنه«عند إجراء أي تعديل على الاتفاقية،

لا بد من موافقة كل الأطراف الموقعة عليها». ونظرا إلى عدم وجود أي إجماعٍ على التخلي عن الاتفاقية أو تعديلها لكل الدول الموقعة عليها، فإن هذا الأمر، وبحسب مراقبين استراتيجيين، قد يفتح الباب أمام إجراءات عسكرية متهورة لاحقا، بسبب نفاد الوسائل الأخرى من واشنطن وحلفائها في المنطقة، لإجبار إيران على تغيير سياساتها، والتخلي عن مشاريعها الطموحة في مشاريع الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، والذي تعتبره طهران «برنامجا دفاعيا وطنيا خارج إطار الاتفاق النووي»، وهو خطر ربما تنظر إليه روسيا والصين ودول أوروبية بجدّية(1).
 

(1)-فارس الخطيب، أزمة ترامب مع النووي الإيراني،صحيفة العربي الجديد 3آيارمايو 2018.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى