العرب وأوهام “صفقة القرن” الترامبيّة

كثر الحديث وتناقضت الآراء حول ” صفقة القرن ” التي لم تكتمل ولم تنشر محتوياتها حتى الآن؛ لكن الضجّة التي أثيرت حولها منذ أكثر من عام تعني أن جهابذة الدعاية في وسائل الإعلام الغربية وال ” سي اي ايه ” و” الموساد ” الذين يروّجون لها يعرفون كيف يخترعون الأوهام ويشغلون الناس بها، وإنها ليست إلا ملهاة جديدة هدفها الاستمرار في خداع العرب، وإطالة أمد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

تبنّى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ دخوله البيت الأبيض السياسة الإسرائيلية الرافضة لحلّ سلمي عادل يقبله الفلسطينيون، وتحدّى العرب والمسلمين والعالم وأعلن القدس عاصمة للدولة الصهيونية، واعتبر الاستيطان شرعيّا ودعم استمراره وتوسّعه، وابتز دول النفط والزمها على دفع مئات المليارات من الدولارات وشكرها بالقول بانها دول هامشيّة ” لا تستطيع البقاء أسبوعا واحدا بدون الحماية الأمريكية “، وإنها ” بقرة حلوب ” يحقّ لأمريكا نهب ثرواتها.

ووعد بأنه سيبتز دول النفط وينهب ثرواتها مقابل حماية أمريكا لها بقوله ” الملوك الأغنياء لهذه الدول سيضطرون إلى التخلي عن طائراتهم الخاصة ونمط حياتهم الفخم حال انسحاب أمريكا من المنطقة “؛ وبلغت به الصفاقة إلى الاستهزاء بذكاء قادة دول خليجية وبحضورهم وعلى الهواء مباشرة عندما عرض صور الأسلحة والطائرات لأحد ضيوفه الخليجيين من المكتب الرئاسي في البيت الأبيض وقال لسموّه مباشرة إن المليارات التي تدفعونها لنا ليست سوى ” فتات بالنسبة لكم ” وابتسم الأمير وبلع الإهانة؛ تصوّروا ما الذي كان سيحدث لو أن ترامب تصرّف بهذه الوقاحة مع المستشارة الألمانيّة أنغيلا ميركل، أو رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، أو غيرهما من قادة دول العالم القويّة التي تحترم نفسها!

لقد مضى على وجود ترامب في البيت الأبيض ما يزيد عن 16 شهرا ولم يتبقّى لنهاية رئاسته سوى سنتين ونصف وهو ما زال يكذب بأنه سيعمل على إيجاد حل للصراع المزمن. ترامب يحرص على مصالح إسرائيل كما يحرص عليها نتنياهو، ويبدو أنه تعمّد تأجيل طرح خطّته للسلام، ربما حتى نهاية العام، ليستثمرها سياسيا في حملته الانتخابية إذا ترشح لفترة رئاسية ثانية، وليساعد الإسرائيليين في كسب الوقت لنهب المزيد من الأراضي الفلسطينية، والتوسع في بناء المستوطنات وخلق حقائق جديدة على الأرض لإفشال حل الدولتين الذي يطالب به العرب وترفضه إسرائيل.

إسرائيل رفضت محاولات الحل السلمي عندما كان العرب أقوياء قبل اندلاع الحروب العربية – العربية، وقبل حلّ الجيش العراقي واضعاف الجيش السوري وابعاد مصر عن دورها القيادي وانقسام الفلسطينيين. إنها الآن في وضع قوي ولن تقدّم تنازلات للعرب الذين يتسابقون في التطبيع معها، ويعلنون استعداهم للتحالف معها ضدّ ” عدوّتهم الصفويّة المجوسيّة إيران!” علاقات إسرائيل مع الأنظمة العربية ” عال العال “، فلماذا تقبل بحل سلمي تنسحب بموجبه من الأراضي الفلسطينية؟

” صفقة القرن ” الترامبيّة النتنياهيّة ملهاة جديدة سيرفضها الفلسطينيون بعد إخراجها، وستبقى حبرا على ورق كما حدث للمشاريع السلميّة الأمريكيّة التي سبقتها؛ أمريكا وإسرائيل تتعاونان عسكريا، وتخطّطان وتنسّقان سياساتهما لإفشال أي حلّ عادل للصراع، لأنهما يعتقدان أن استمراره في ظل هذا الضعف والتفكك العربي يخدم أهدافهما الاستراتيجية الرامية إلى السيطرة على المنطقة.

على الفلسطينيين والعرب أن يتخلّصوا من أوهامهم بان الإدارة الأمريكية الحاليّة ستساعدهم في إيجاد حلّ عادل للقضية الفلسطينية. دونالد ترامب وبيبي نتنياهو وجهان لسياسة عنصريّة عنجهيّة توسعيّة واحدة؛ ولهذا فإن ” صفقة القرن ” المزعومة، ومشاريع السلام والحديث عن السلام، ستظل جميعها جزءا من مسرحيّة أمريكيّة صهيونيّة هدفها استمرار الاحتلال، وكسب الوقت، واستغلال العرب والضحك على ذقونهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى