البعد الاستراتيجي لتحرير ريف دمشق من الإرهاب

بعد تحرير الغوطة الشرقية ،وما بعد العدوان الثلاثي على سورية الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية بالشراكة مع بريطانيا وفرنسا ،  برزعلى المشهد السياسي و العسكري السوري تطوران  في غاية من الأهمية ،يتعلقان بمنطقتي  القلمون الشرقي ، والغوطة الغربية ، اللتين  دخلتا  في مرحلة جديدة تكونان فيهما خالية من الإرهاب.

الأول : ويتمثل في عمليات إجلاء  نحو خمسة آلاف من مدنيين ومقاتلي التنظيمات الإرهابية في منطقة شمال شرقي العاصمة دمشق، إلى الشمال السوري.فقد خرجت  أكثر من 40 حافلة تقل مئات الإرهابيين وعائلاتهم من مدن الرحيبة وجيرود والناصرية الواقعة في منطقة القلمون الشرقي ،إلى الشمال السوري تنفيذا للاتفاق الذي تم التوصل إليه يوم 20 نيسان/أبريل 2018،والقاضي بإخراج الإرهابيين وعائلاتهم من الرحيبة وجيرود والناصرية إلى الشمال السوري.ولم يغادر الإرهابيون هذه المنطقة إلاّ بعد أن  سلّموا أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة بينها صواريخ تاو ولاو أمريكية واسرائيلية الصنع اضافة إلى أكثر من 30 دبابة وعربة قتالية وأجهزة اتصال متطورة فرنسية وأميريكية وقواعد إطلاق صواريخ تاو ولاو ورشاشات متوسطة من عيار 23 و24 ميلمتر وكميات كبيرة من ذخائرها وعددا من قواذف الـ أر بي جي وقذائفها وعددا كبيرا من البنادق الحربية وقذائف بي9 وبي10 ومدافع 130 و123 ميلمتر وقذائف هاون من عيار 120و82 و60 ملم وقذائف دبابات 55 و62 و72 ملم وذخائر للرشاشات المتوسطة والبنادق الحربية وقنابل وعبوات ناسفة وأدوات لتصنيعها.‏

وجاء اتفاق منطقة القلمون الشرقي بعد يومين من إعلان بلدة الضمير خالية من الإرهاب بعد إخراج إرهابيي جيش الاسلام وعائلاتهم منها وبعد أسبوع واحد من اعلان الغوطة الشرقية خالية من الإرهاب بعد عملية عسكرية مركزة نفذتها وحدات الجيش العربي السوري أجبرت التنظيمات الإرهابية على الاستسلام والرضوخ للخروج من مدينة دوما حيث دخلت بعد ذلك وحدات من قوى الامن الداخلي إلى المدينة لتعزيز الامن والاستقرار داخلها.‏ وبهذا الإجلاء للإرهابيين وعائلاتهم ، تكون كافة بلدات ومدن القلمون الشرقي، قد باتت خالية من أي وجود للمعارضة السورية، للمرة الأولى منذسنة 2012.

الثاني: فبعد إغلاق ملف دوما في الغوطة الشرقية عزز الجيش العربي السوري من وجوده العسكري جنوب العاصمة دمشق، من خلال استمرار عمليات الحشد العسكري جنوبها مع وصول مزيد من التعزيزات إلى المنطقة، واستقدم «لواء القدس الفلسطيني» العشرات من عناصره من حلب،تمهيداً للمشاركة في الهجوم على مخيم اليرموك والمناطق الخاضعة لسيطرة «داعش» جنوب دمشق(منطقة الحجر الأسود) . وتتوزع نقاط الاشتباك الرئيسية مع ما تبقى من تنظيمات إرهابية جنوب العاصمة في أحياء مخيم اليرموك الأقرب إلى دمشق والداخل ضمن حدودها الإدارية ،حيث يسيطر تنظيم داعش وعدد مسلحيه نحو(2500) على الجزء الأكبر من مساحته،  وكذلك حي القدم بالإضافة إلى بلدة الحجر الأسود التابعة إدارياً لريف دمشق، وهما المعقل الرئيسي للتنظيم ومقر قيادته، إضافة إلى أجزاء صغيرة من حي التضامن ما تزال قابعة تحت سيطرة التنظيم الإرهابي.‏ بينما تسيطر «هيئة تحرير الشام» (التي تشكل جبهة النصرة عمودها الفقري ،إذيبلغ عدد مقاتليها 250مسلحا) على جزء صغير من القسم الشمالي لمخيم اليرموك تدعى الريجة، منذ سنوات .

ويوجد في القسم الثالث فصائل مسلحة معارضة منخرطة في هدن ومصالحات مع الدولة الوطنية السورية ، تشمل بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، بينما يحاصر الجيش العربي السوري و حلفاؤه هذه المناطق من كافة الجوانب. وكانت المناطق التابعة لسيطرة فصائل المعارضة قد دخلت مفاوضات مع الجانب الروسي في الشهرين الماضيين حول مصير البلدات الثلاث.ووصلت المفاوضات إلى مصير مشابه لما جرى في المناطق الأخرى من ريف دمشق المهجر، إذ يقضي الاتفاق بنقل رافضي التسليم إلى الشمال السوري. ولكن الاتفاق لا يزال غير منفذ بسبب التعقيد الناجم عن وجود تنظيم «داعش»الإرهابي في المنطقة. فهناك حساسية في المنطقة تعود لامتلاك هذه المناطق الثلاث خط جبهة مباشرا مع تنظيم «داعش»، ويقع خط التماس هذا عند بلدة يلدا. وهنا تقع إشكالية التفاوض، بسبب المخاوف الموجودة لدى الأهالي من أن يتم تسليم هذه المناطق للدولة قبل الانتهاء من تصفية تنظيم «داعش» الإرهابي ، فقد يدخل يعود هذا الأخير إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة في يلدا وببيلا وبيت سحم بعد خروج المعارضة المسلحة. فهذا ما جرى في حي القدم، حيث تبع تهجيرَ أهلها باتفاق مصالحة مع الدولة دخول التنظيم الإرهابي  إليها.وتشير تقديرات عدة إلى أنه لم يبقَ في المخيم سوى ثلاثة آلاف مدني، من بين قرابة المليون، ربعهم من اللاجئين الفلسطينيين، والبقية من المواطنين من مختلف المحافظات السورية، فيما بقي في حي الحجر الأسود نحو ثلاثة آلاف مدني من نحو نصف مليون كانوا يقطنون فيه عام 2011.

فبعد أن فشلت كل محاولات التسوية والمصالحة التي رعتها فصائل فلسطينية على مدى سنوات بسبب حساسية وضع مخيم اليرموك باعتباره التجمع الأكبر للاجئين الفلسطينيين ورمز حق عودتهم إلى وطنهم الأم فلسطين، وكذلك تعثر محاولات التسوية التي قادها مركز المصالحة الروسي في حميميم في إقناع هذه التنظيمات الإرهابية بمغادرة جنوب العاصمة أسوة بالتنظيمات التي خرجت من محيط دمشق، وبعد أن أوغلت هذه التنظيمات الإرهابية في إجرامها واعتداءاتها وقتلها للمدنيين في حيي التضامن والزاهرة وأحياء جنوب العاصمة، اتخذت الدولة الوطنية السورية أخيرا قرارها بالحسم العسكري ضد هذه التنظيمات الإرهابية انطلاقا من واجباتها الدستورية في حماية أبنائها واستعادة سيادتها الوطنية على كامل الجغرافيا السورية وخاصة المناطق تسلل إليها ودنسها إرهابيون تكفيريون ومرتزقة يعملون في إطار أجندات خارجية تخدم أعداء سورية وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني.‏

ومنذ يوم الخميس 19نيسان/أبريل 2018، يخوض الجيش العربي السوري وحلفاؤه معركة تحريرجنوب دمشق ،لا سيما في منطقة الحجر الأسود، أين يتحصن فيها الإرهابيون من تنظيم «داعش» ، حيث كثفت وحدات الجيش العربي السوري قصفها على محاور تحرك وخطوط الإمداد الرئيسية للتنظيمات الإرهابية المنتشرة في الحجر الأسود في إطار عملياتها العسكرية المتواصلة لتأمين منطقة جنوب دمشق واجتثاث الإرهاب منها.فبعد أن زاد الطيران الحربي من وتيرة غاراته على المقرات الرئيسية  و الدفاعت للتنظيمات الإرهابية في منطقة الحجر الأسود،واصلت وحدات الجيش العربي السوري البرية عملياتها المركزة والدقيقة في داخل الحجر الأسود الذي يشكّل المعقل الأساسي لتنظيم «داعش» الإرهابي في المنطقة الجنوبية ،وتقدمت  على حساب التنظيمات الإرهابية في محاور عدة بعد كسر دفاعاتها، حيث تمكنت من قطع العديد من خطوط إمداد الإرهابيين ومحاور تحركهم بعد اشتباكات عنيفة سقط خلالها العديد من الإرهابيين بين قتيل ومصاب.‏ وتتوالى المعلومات عن ارتفاع حدة الخلافات والصراعات بين عناصر التنظيمات الإرهابية الموجودة هناك، وسط توقعات بإعلان استسلامها في أي لحظة بعد أن شلّ القصف الناري المتواصل للجيش العربي السوري قدراتها اللوجستية وأدى إلى كسر ونسف وتحطيم خطوط دفاعاتها وتحركاتها على كامل محيط المناطق التي تسيطر عليها.

وتكتسب معركة تحرير منطقتي  الحجر الأسود و مخيم اليرموك، أهمية عسكرية وجيوسياسية من عدة نقاط ، من كون هذه المناطق: أحياء الحجر الأسود واليرموك والقدم والعسالي، تشكل بامتداداتهما الجغرافية غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً الملاصقة تماماً لمركز العاصمة دمشق ، خاصرة دمشق الجنوبية وهي تاريخياً امتداد لغوطتها وبساتينها، وهذا الأمر زاد من أهمية وحساسية وتعقيد المعركة، خصوصاً على أحياء العاصمة القريبة منها التي تلقت عشرات القذائف التي أطلقها الإرهابيون خلال الأيام الماضية تاريخ بدء المعركة، كأحياء التضامن والميدان والزاهرة والسيدة عائشة وهذا ما يجعل من حسم هذه المعركة بأسرع وقت ممكن هدف أساسي للجيش العربي السوري الذي يسعى للقضاء على كل الأخطار المحيطة بالعاصمة.‏

النقطة المهمة الأخرى التي تتموضع في أولويات تلك المعركة هي أنها تأتي في سياق تطهير العاصمة دمشق من كل الإرهابيين، ويشكل الحجر الأسود ومحيطه آخر جيوبهم في العاصمة دمشق، وربما هذا ما يفسر سبب استشراسهم ووحشيتهم ورفضهم وعرقلتهم لكل التسويات والاتفاقات، وهنا يتداخل العامل الداخلي بالخارجي أيضاً لجهة تلقيهم أوامر خارجية (سواء أكانت تلك الأوامر أميركية أم تركية أو سعودية(بالبقاء والتمترس في جحورهم ريثما يتم الضغط على الدولة السورية وحلفائها بغية التوقف عن قصفهم وملاحقتهم، وهذا الضغط وبحكم التجارب الماضية قد يتم بعدة أشكال وطرق وبعدة وسائل، كالإيعاز لبقية التنظيمات الإرهابية بفتح جبهات جديدة في مناطق الشمال أو الجنوب، أو فبركة مسرحيات جديدة تعتمد على التزييف وتزوير الحقائق والوقائع تحاكي مسرحية الكيماوي في دوما، أو مواصلة مسلسل التهديد والوعيد والاعتداء الأميركي عبر التدخل المباشر كما حصل في العدوان الثلاثي ، أو عبر طلب المساعدة من إسرائيل ودفعها الى ارتكاب عدوان جديد على مواقع سورية(حسب تحليل صحيفة الثورة السورية بتاريخ 26نيسان/أبريل 2018).‏

أخيرًا، في دمشق ، هناك قرار استراتيجي سيادي وطني في أعلى مستويات الدولة الوطنية السورية، يقضي بخوض الجيش العربي السوري معركة الحسم العسكري من أجل القضاءعلى كل الإرهابيين الموجودين في منطقة الحجر الأسود، وهذا قرار لا رجعة عنه ولا نقاش فيه، وهذا يعني أن الإرهابيين الموجودين هناك باتوا أمام خيار وحيد وهو إما الاستسلام أو الموت.

فالانتصار الكبير في الغوطة الشرقية ، ومنطقة القلمون الشرقي ، وفي الوقت الحاضر إنهاء الوجود الإرهابي  في جنوب دمشق، يجعل الجيش العربي السوري ، وقيادة الدولة الوطنية السورية أكثر تصميمًا  على مواصلة الحرب على ما تبقى من بؤر الإرهاب حتى القضاء عليها، و لا سيما تحرير الجنوب السوري في محافظة درعا الذي لا يزال خاضعًا للنفوذ الأميركي و الصهيوني ،وتحرير محافظة إدلب في الشمال الخاضعة  لسيطرة التنظيمات الإرهابية الآنفة الذكر ،وأخيرا تحرير الشمال الشرقي من النفوذ الأميركي  المعتمد على قوات «قسد»، من أجل إعادة الأمن والاستقرار إلى أراضي الجمهورية العربية السورية كاملة. ويمكن القول من هذه اللحظات أيضاً، إن الجيش العربي السوري ربحَ الحرب التي ضربت سورية منذ سبع سنوات. وستكون الدولة الوطنية السورية الرابِح الأكبر في عملية السلام التي تلي الحرب، وبالتالي سيتعزَّز المسار السلمي الذي انطلق بعيدأ عن جنيف، في أستانة أولاً وفي سوتشي مؤخّرًا.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى