في قراءة لمركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني .. صفقات التبادل الخيار الأنجع لتحرير الأسرى

لا زالت قضية الأسرى من اهم القضايا لدى الشعب الفلسطيني، وأكثرها تداولاً وتعاطفاً على المستوى الشعبي والرسمي والدولي، فعلى امتداد تاريخ ثورة الشعب المحتل، جرت قرابة ثمانية وثلاثين عملية تبادل أسرى موزعة ما بين دول عربية وفصائل المقاومة الفلسطينية، ولكن السمة الأبرز فيها أنها كانت تجري بين أطراف غير متكافئة، بمعنى آخر أن الفصائل الفلسطينية وما تفتقره من دعم وقوة كانت من جهة وإسرائيل بجميع قوتها والدعم الدولي الممنوحة اياه من جهة أخرى، فكانت كفيلة بأن تكسب إسرائيل الخبرة الكافية في التعامل مع مثل هذه القضية؟.

بات من الواضح جداً بأن إسرائيل تدير ملف الجنود الأسرى في قطاع غزة ببطئ، ضمن سياستين مختلفتين تم رسمها وتحديدهما حسب طبيعة الجهة المقصودة، حيث يشكل المجتمع الإسرائيلي وعوائل الجنود المفقودين  الجهة الأولى وتتراوح سياسة التعامل معهما بين المصالح السياسية الحزبية تارة، والتلاعب بالمشاعر والعواطف من خلال الوعودات الكاذبة تارة أخرى.

عقب الحرب الأخيرة على قطاع غزة، لم نشهد أي تحرك شعبي إسرائيلي أو حتى نصب خيام إعتصام والتي بدورها تشكل نوع من انواع الضغط على الحكومة اليمينية من أجل البدء بخطوات جادة لإتمام عملية التبادل لاعادة المفقودين الى أحضان ذويهم، وكان من الملاحظ اكتفاء بعض العائلات في بداية الأمر بمؤتمرات صحفية اتسمت بالطابع العاطفي أو ما نسمعه بين الحين والآخر من تصريحات في مناسبات متفرقة تدور حول مطالبة الحكومة الاسرائيلية بمعاقبة حركة حماس وقطاع غزة لإعادة الجنود، والجدير في ذكره هنا بأن بعض تلك العائلات تنتمي الى طبقات مرموقة في المجتمع الاسرائيلي مثل عائلة الجندي هدار جولدن، بصورة أخرى اتبعت الحكومة الإسرائيلية أسلوب التخدير في تعاملها مع عوائل الجنود، وكان من الواضح محاولات الحكومة إفشال أي نوع من الحراك، والتضامن، والإعتصامات، والمهرجانات والحملات الإعلامية، والتي بدورها تؤثر بشكل سلبي على صورة على الحكومة اليمينية في أوساط المجتمع، وبناء على مصالح السياسة المتقلبة لا نستغرب إذا سمعنا مستقبلاً بعض الأصوات السياسية التي تطالب في إنجاز أي صفقة تبادل.

ويشكل الجانب الفلسطيني الجهة الثانية، وهي الأهم بالنسبة للحكومة الإسرائيلية في الأمر، اتبعت فصائل المقاومة منذ اللحظة الأولى سياسية واضحة تمثلت في نوع من التكتيم الإعلامي حول مصير الجنود، لكنها بين الفينة والأخرى كانت تبث بعض التلميحات والإشارات التي توحي بأن الجنود على قيد الحياة، كما شاهدنا في بعض الأفلام الكرتونية من إنتاج المقاومة حول مصير الجنود الأسرى لديها، ما اضطرت إسرائيل الى اتباع سياسة مختلفة تماماً عما كانت إبان فترة خطف الجندي جلعاد شاليط، وقد تمثلت تلك السياسة في:

أولاً : السعي للحصول على المعلومة المسبقة لدفع أقل الثمن، حيث إنتهجت اسرائيل تلك السياسة خوفاً من تكرار تجربة التبادل مع حزب الله قبل عدة أعوام، لذلك فهي حاولت وتحاول منذ البداية الحصول على أي معلومة حول مصير الجنود تكن نقطة الإنطلاق للعملية التفاوضية والمحددة للثمن الذي سوف يدفع.

ثانياً : مبدأ التفاوض بلا شروط، منذ البداية فرضت حماس شرطاً واضحاً وصريحاً يطالب بالإفراج عن الأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار، والذين تم إعادة إعتقالهم عقب خطف المستوطنين الثالثة في صيف 2014  حتى يتم البدأ في العملية التفاوضية، وهذا ما حاولت إسرائيل الغاءه وجعله بنداً في أي صفقة التبادل جديدة.

ثالثاً : تقديم العروض الباهتة معلومة الأجابة المسبقة، أرادت الحكومة الاسرائيلية من تلك الخطوة “ضرب عصفورين في جحر واحد”، المجتمع الاسرائيلي من جهة في محاولة إظهار اهتمام الحكومة بالجنود المفقودين، وأن هذا الملف هو أولوية هامة بالنسبة لها، والايحاء بأنها هي من تقدم العروض ولكن الفلسطينيين هم الذين يرفضون وقصدت الفصائل الفلسطينية، من جهة ثانية فلم تيأس إسرائيل من الإعتقاد بأن أحدى العروض سوف تنجح يوماً ما، والجدير بالذكر بأن جل تلك العروض كانت تتمحور حول تبادل للجثث لا أسرى.

رابعاً : الثمن الواحد لا الأثمان، تريد إسرائيل إنجاز صفقة تبادل بصورة شاملة دفعة واحدة، على عكس ما حدث في صفقة وفاء الاحرار -شاليط– حيث تم إتجازها على عدة مراحل بدأت بشريط التسجيل الصوتي ومروراً بالفيديو المصور وانتهاء بإطلاق سراحه عام 2011.

خامساً : مبدأ الخضوع التدريجي، إن أنجاز أي صفقة تبادل هو بمثابة خضوع اسرائيل للإرادة الفلسطينية، والذي قال عنه الخبير الإسرائيلي رون بن يشاي “أنه لا بد منه في الحرب الطويلة الأمد”، ففي هذه السياسة إنكار من القيادة الإسرائيلية لأي إنتصار فلسطيني، والتزين بأن أي عملية تبادل هو انتصار حقيقي لإسرائيل.

لا ريب بأن صفقات تبادل الأسرى تعود بالنفع العام على المقاومة الفلسطينية وتحقق لها الكثير من الإنجازات والأهداف التي تسعى لها، والتي تؤثر إيجاباً على مستقبل ومكانة القضية الفلسطينية عدا عن إطلاق سراح الأسرى أو تحسين الواقع على مستوى المعيشة داخل السجون الإسرائيلية، ومن هذه الإنجازات:

أولاً : إن صفقات التبادل عملية مربحة بالنسبة للمقاومة سواء ان كان الحديث يدور حول جثث للشهداء المحتجزين في مقابر الأرقام، أو حول الأسرى ذوي الأحكام العالية وأن كل خطوة في هذا الإتجاه تؤسس لما بعدها.

ثانياً : تسعى الفصائل الفلسطينية وخصوصاً حركة حماس الإنفتاح على دول العالم ولا سيما الغربية منها والعمل على تعزيز علاقاتها مع دول الجوار، وخصوصاً مصر وذلك من خلال رعاية تلك الدول للمفاوضات في أي صفقة تبادل.

ثالثاً : خلط أوراق العدو واثبات ضعف جهازه الاستخباراتي من خلال فشله في جمع أي معلومة عن مصير الجنود، والتي من الممكن أن يستخدمها كنقاط قوة في اي عملية تفاوضية وتبديد الفكرة الإحتلالية الهدامة “بأن الاحتلال يعلم كل شيء”.

رابعاً : إثبات بأن التبادل هو الخيار الأنجع في الإفراج عن الأسرى أصحاب المؤبدات والأحكام العالية والتي تشكل لهم الأمل.

خلاصة الأمر أن الحراك والضغط الشعبي الإسرائيلي هو أحد أهم عوامل إتمام صفقة التبادل وكل سياسات و مراهنات الحكومة الإسرائيلية سوف تبوء بالفشل أمام وحدة وتمسك المقاومة بشروطها، وبأن جميع الأخبار التي ترد في وسائل الإعلام تبقى مجرد أخبار صحفية لا صحة لها ما لم تؤكدها اطراف المفاوضات وخصوصاً المقاومة الفلسطينية.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى