إلى أين سيقود تدويل الخلافات البينيّة العربيّة ؟

عانى الوطن العربي من خلافات حكّامه منذ تقسيمه بعد الحرب الكونيّة الأولى وحتى يومنا هذا؛ وزادت حدّة تلك الخلافات البينيّة بعد هزيمة الجيوش العربيّة في فلسطين وإقامة دولة الاحتلال عام 1948 واستمرت خلال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي؛ لكن الحكّام العرب حاولوا تطويقها وحلّها في مؤتمراتهم ولقاءاتهم وبوساطات عربية وبدون تدخّل أجنبي سياسي وعسكري واضح ومفضوح كما هو الحال الآن.

وعلى الرغم من خلافاتهم في ذلك الوقت، فقد وقفوا معا ضدّ تهديد عبد الكريم قاسم للكويت في بداية الستينيات من القرن الماضي وأرسلوا قوّة عربيّة لحماية الدولة الكويتية الحديثة الاستقلال ونجحوا في حلّ الأزمة، ولم يتدخّل معظمهم في الخلاف المصري السعودي المسلّح حول اليمن، ولا في المواجهة الدموية بين الجيش الأردني والفدائيين الفلسطينيين عام 1970 بل ساهموا في إنهائها ومنع إراقة المزيد من الدماء العربيّة، ودعموا استقلال البحرين وحموها من أطماع شاه إيران محمد رضا بهلوي، ووقفوا جميعا إلى جانب الفلسطينيين في المحافل الدولية واعتبروا قضية فلسطين قضية الأمة العربية الأولى رغم أن بعضهم كان يتآمر عليها وعلى شعبها سرا.

كانت نوايا بعض أولئك الحكّام في ذلك الوقت سيئة واتّسمت علاقاتهم البينية بالشك وعدم الثقة والتآمر مع قوى أجنبية، لكن لم يجرؤ أي منهم على اختراق الخطوط الحمر أو العبث علنا بالثوبت العربية عندئذ وأهمّها الولاء للوطن العربي الممتد من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، والإيمان بالشعب العربي الواحد، والوحدة العربية، ومعاداة إسرائيل والعمل على تحرير فلسطين، والمصير والمصالح العربية المشتركة.

لكن الوضع العربي بدأ في التدهور السريع بعد أن وقّعت مصر وإسرائيل اتفاقيّة سلام بينهما وتمّ بذلك عزل مصر وتجريدها من دورها الريادي في قيادة الوطن العربي، وبعد أن فشل العرب في إنهاء احتلال العراق للكويت بطرق سلمية وفتحوا أبواب الوطن العربي للقوات الأجنبية لتحرّر لهم الكويت؛ فحوصر العراق ونهبت ثرواته بعد التحرير، وأسقط النظام، وحلّ الجيش العراقي، فعمّت الفوضى والقتل والتدمير.

استمر الوضع العربي في الانزلاق نحو الأسوأ بتوقيع اتفاقيّة أوسلو، واتّفاق السلام الأردني الإسرائيلي، وفشل الربيع العربي، واستمرار المنظمات الإرهابيّة في محاولاتها زعزعة الاستقرار في مصر وإغراقها في مشاكل سياسيّة ودينيّة تهدف إلى إضعافها وتهديد وحدتها، واندلاع الحروب والعنف في أكثر من قطر عربي، وتفاقم الخلافات المصرية السودانية، والمغربية الجزائرية، والسورية اللبنانية، والفلسطينية – الفلسطينية، والخليجية – الخليجية !

فشل الحكّام العرب فشلا ذريعا في التعامل مع خلافاتهم واستعانوا بعدد من الدول الأجنبيّة لحلّها بقوة السلاح والابتزاز السياسي والاقتصادي ممّا أدّى إلى تدويلها وزيادة خطورتها؛ في سوريا تدخلت روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وايران وتركيا وبعض الدول العربية وعشرات المنظمات المدفوعة الأجر، وفي اليمن تدخل ” التحالف الإسلامي” المدعوم من الغرب لتدمير البلد الفقير وقتل شعبه، وفي ليبيا تدخّلت دول عربيّة وأجنبيّة في النزاع فعمّت الفوضى والدمار، وفي فلسطين الحقت الخلافات البينية العربية ضررا بالغا بالقضية أدّت إلى تهويد القدس ومكّنت إسرائيل من التطبيع مع عدد من الدول العربية، وأضعفت الجانب الفلسطيني وتركته وحيدا في مواجهة اسرائيل والتآمر الأمريكي الغربي.

لقد مكّنت الخلافات البينيّة العربيّة أمريكا وبعض الدول الأوروبية المعادية لأمتنا من ابتزاز دول النفط بمبالغ خيالية تزيد عن 2000 مليار دولار في أقل من عامين، وشرذمت الأمة وأضرّت بنسيجها الاجتماعي، وأدّت إلى إعادة القواعد الأجنبية للوطن العربي وأصبحنا دولا مستقلّة إسميّا ومستعمرة فعليّا، ولا سيادة حقيقيّة لنا على أرضنا وقرارنا السياسي والاقتصادي والعسكري، واصبح عندنا …. وسطاء من الأمم المتحدة ومن دول أجنبية متعدّدة لحلّ خلافاتنا وصراعاتنا البينية المتفاقمة …. ومنها على سبيل المثال لا الحصر الخلافات الخليجية القطرية، والحروب في سوريا، واليمن، وليبيا، والصحراء الكبرى، والصومال” والحبل على الجرار” وإذا ” استمر الحال على هذا المنوال ” فسيكون عندنا في المستقبل القريب وسطاء من إسرائيل لحلّ المشاكل … بين المحافظات…في أقطارنا العربية المفكّكة الهزيلة القادمة !

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى