قراءة في القمة العربية بالظهران التي مررّت «صفقة القرن» وغيبّت الملفات الساخنة

وجه إبراهيم منير، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، اليوم انتقادات لاذعة للقمة العربية التي عقدت يوم الأحد الماضي في مدينة الظهران في السعودية قائلاً إنها فشلت فشلاً ذريعاً بسبب تجاهلها قضايا مصيرية في بيانها الختامي.

وقال منير إنه من ضمن هذه القضايا، الحروب الدائرة الآن على الأرض ومساهمة الجميع فيها، في العراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن والصومال، مع استمرار وجود أزمة مزمنة في الصحراء الكبرى، والأزمة القطرية التي طالت من دون تحقيق أي نتيجة.

كما انتقد منير عدم مراجعة القمة العربية لأعمال المجلس الاقتصادي العربي وقال إن ” عمال هذا المجلس الذين لم يعد يسمع عنهم أحد شيئاً، في الوقت الذي تتطاير فيه مئات المليارات لشراء أسلحة تضمن لأصحابها تحقيق أمنها الشخصي في مواجهة أي مطالب شرعية وقانونية للشعوب في حقها لهذه الثروات، رغم أن هذه الشعوب هي العامل الأساس في أمن بلادها والأنظمة واستقرارها.

وحول قضية القدس تمنى منير عدم انعقاد هذه القمة قائلاً إن “الجميع لسان حاله يقول ليت القمة لم تنعقد؛ حتى لا يخرج عنها مثل هذه التعبيرات التي تأتي دائماً في اتجاه معاكس لحال القضية الفلسطينية كلها، بما فيها القدس، وهو مسار لم يختلف منذ عام 1950 عندما تم إعلان قيام الجامعة العربية حتى تجد القضية بعد الله سبحانه وتعالى من يرعاها ويتبناها بجد وإخلاص”.

كما شككّت شخصيات سياسية ومختصون استراتيجيون في نتائج القمة العربية التي عقدت في مدينة الظهران السعودية، الأحد، مؤكدين أن القمة غيّبت قضايا عربية جوهرية واساسية وفي مقدمتها ملفات الحرب على سوريا وليبيا واليمن إضافة للجرائم الاسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين في غزة والحصار التي تتعرض لها منذ عقد، وتجاهل القمة التدخل العسكري لبعض الدول العربية ضد الأخرى.

وقد تناقلت التقارير الاعلامية أبرز ردود الفعل السياسي العربي الصادرة تجاه “قمة الظهران”، حيث رأى بعضهم أن الصمت المتعمد عن صفقة القرن التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية هي محاولة متعمدة لتمريرها.

النائب الأردني السابق هند الفايز، وجدت أن الصفقة مررت سلفا من خلال الدور السعودي الذي يسعى لاستبدال الاستراتيجيات والاولويات العربية، من خلال اعتبار اسرائيل صديق وايران هي العدو المستحدث في المنطقة.

وقالت الفايز إنّ القمة لم تتطرق صراحة ولا حتى ضمنًا للجرائم الاسرائيلية أو لاسرائيل بأنها عدو، “فهذه اصبحت اسطوانة من الماضي، وبدأ اليوم الترديد على أن ايران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية هم الاعداء”.

وذكرت أن القمم العربية تسير على غرار بعضها البعض من حيث “صياغة البيانات الختامية التي يجري كتابتها قبل انعقاد القمة اساسا، وكلها لا تتجاوز الحبر الذي كتب فيه”، مستهجنة عدم التركيز على الانتهاكات الاخيرة بحق مدينة القدس، والمرور بشكل  عابر على قرار ترامب باعتبارها عاصمة لإسرائيل، والتجاهل المتعمد للقصف الاميركي على سوريا، ارضاءً لسياسات المضيف العربي للقمة، في إشارة للسعودية.

ودعمها في ذلك، مساعد وزير الخارجية المصري الاسبق عبد الله الأشعل، الذي اعتبر توقيت انعقاد القمة في حد ذاته امر مشبوه، “وقد عقدت في دولة تشكل حالة استقطاب حاد في المنطقة وليست جامعة لقضايا العرب بل هي جزء اساسي من الأزمة التي تمر فيها المنطقة”.

وقال الأشعل : إن القمم العربية بدأت في انحدار اخطر من السابق، حيث باتت بعض الدول تتحكم فيها بشكل كامل، وخاصة السعودية، وتمرر القرارات التي تتساوق مع رغبتها.

وذكر ان تبني القمة للمبادرة العربية في الوقت الذي تمرر فيه السعودية افكار سياسية تتجاوز هذه المبادرة ومن بينها صفقة القرن، يعتبر استخفاف كبير في عقول العرب، “وهناك تجاهل متعمد لكل القضايا الساخنة، ولم يعتمد منها سوى ما ارادت السعودية تمريره وهو اعتبار ايران عدو”.

الأشعل قال إن السعودية هي اداة مباشرة لدى الادارة الاميركية في تمرير صفقات القرن، وهي في الأساس تتبنى الرؤية الامريكية الجديدة في التعامل مع الاوضاع بالمنطقة، وفي مقدمتها الحل الاقليمي الذي يدفع بتعزيز التطبيع مع اسرائيل.

من جهته، قال مستشار الرئيس المصري السابق محمد سيف الدولة، إن “أكبر هدف دمرته غارات -العدوان الثلاثي- على سوريا، هو أقنعة الوطنية الزائفة وشعاراتها التي يطنطن بها الحكام العرب ونظامهم الرسمي العربي ليلا نهارا، فلقد انقسموا الى مؤيدين للعدوان بل محرضين عليه، وصامتين لم يجرؤوا على ادانته بكلمة واحدة، حتى لا يغضبون السيد الأمريكي”.

وقال سيف الدولة : “كما ان توقيت العدوان قبل القمة العربية بساعات، يثبت الى اى مدى يستهين المعتدون، باتباعهم من الحكام العرب ولا يقيمون اى وزن لما سيسببه هذا التوقيت من احراج واحتقار لهم من شعوبهم، التى ستنتظر بطبيعة الحال، بيان ادانة من القمة العربية، يستحيل ان يصدر”.

وأضاف: “والغريب ان تأتى كل هذه الاستهانة والاستخفاف والاحتقار الامريكى للحكام العرب رغم رحلات الحج العربى الرسمى التى لا تنقطع للبيت الابيض ورغم حجم الاتاوات التى دفعوها الى ترامب”.

ويؤيده رئيس مؤتمر فلسطينيي الخارج أنيس القاسم، الذي قال إن الاستراتيجية السعودية الجديدة قائمة على تبديل الاولويات، وتتخذ من المال غطاءً لتمرير سياسات من شأنها التفريط في القدس، “فهناك تدعم بملايين الدولارات وتسوق في الوقت ذاته صفقات سياسية لتصفية المدينة”.

ورأى القاسم في حديثه الى أنّ عدم ذكر صفقة القرن في هذه القمة هي في حد ذاته غطاء لتمرير الصفقة.

وأوضح أنّ انعقاد القمة في ظل الإعلان عن ترتيبات لما تسمى بـ”صفقة القرن” هي مؤشر سلبي تجاه مستقبل القضية الفلسطينية، لاسيما في ظل مساعي عربية لرسم استراتيجيات جديدة في المنطقة تستبدل فيها العدو الإسرائيلي بعدو آخر وهو إيران.

وأيده الناقد السياسي التونسي نزار الماكني، الذي أكدّ أن هذه القمة سارت على غرار كافة القمم العربية التي غاب عنها التأثير والفعل تجاه القضية الفلسطينية، والاكتفاء فقط في بيانات ختامية لا معنى لها.

وذكر الماكني في تصريحات صحفية أنّ حالة الاستقطاب الإقليمي كان واضحا في هذه القمة، فلم يؤتى على ذكر أيا من القضايا التي تختلف مع المشروع السياسي العربي لتلك الدول التي تستضيف هذه القمة.

ورأى أن تهميش القضية الفلسطينية في القمة امر مقصود ومدفوع له أمريكيا، “لأنها ترى أن هناك أولويات أخرى تتمثل في ملفات المنطقة واستبدل الإسرائيلي باعداء آخرين، ما جعلهم يهمشون القضية في سوريا على حساب بقية الدول الأخرى”.

ورأى أن عدم الذكر لصفقة القرن وغيرها من المخططات التصفوية تشير إلى وجود رغبة لدى بعض الأطراف الإقليمية في دفع الفلسطينيين للجلوس على طاولة المفاوضات من أجل تمرير هذه الصفقة.

أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة، أكدّ بدوره، أن جميع الملفات العربية الساخنة غابت عن طاولة القمة، فلم تحضر “لا سوريا ولا اليمن ولا ليبيا ولا غزة”، “وما ذكر في البيان الختامي لن يغير شيئا من مسار تغييب هذه القضايا”.

وقال نافعة : إن عدم التعريج على صفقة القرن التي تشكل تهديدا وجوديا للقضية الفلسطينية، يثير علامة استفهام، مشيرا إلى أن اكتفاء بعض الدول الإعلان عن منح مالية للقدس والأونروا يشكل في واقع الأمر محاولة لاخفاء الفشل عن تغييب القضايا الرئيسية، “فقد اعتبر بعضهم عقد القمة بمنزلة انجاز”.

وذكر أن القمة كانت حريصة على عدم اغضاب إسرائيل أو امريكا،  وحاولت الإيحاء بوجود موقف عربي جماعي، لكن الحقيقة لم تظهر أي من علامات هذا التضامن في ذكر أي قضية رئيسية، لا سيما وأن الدولة المضيفة كانت تبارك العدوان الاميركي على سوريا قبل  انعقاد القمة بيومين فقط.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى