ترامب وصواريخه “الجميلة”.. رعونة المأزوم لتراجع السطوة!

الغرب مأزوم. يريعه الإحساس المضطرد بأن حقبة هيمنته على العالم، قراراً ومقدرات، في طريقها لأن تغدو من خلفه. العالم يتغير، وعندما نقول الغرب، نختصره بالولايات المتحدة الأميركية. آحادية القطبية تآكلت وأصبحت من الماضي. مثلاً، ارعبه فأيقظ عدوانيته المتأصلة ووحَّد ه خلف ترامب سرد بوتن الاستعراضي المقصود والمتحدي للجديد المتطوّر والمتفوّق العاكس لتصاعد ترسانات القوة العسكرية الروسية في خطابه أمام الدوما قبيل الانتخابات الرئاسية، والتي عكس فيها فوزه الكاسح تعاظم شعبيته المضطرده. ذلك يقابله بالتالي ما يعني فشلا ذريعاً لا من مجادل حوله للدرع الصاروخية التي سبق وأن نشرها الأطلسيون على تخوم روسيا.
هذه واحدة، الثانية، مشاهدته لتعاظم قوة التنين الصيني المتنامية، وتسارعها بموازاة صعوده الاقتصادي الضوئي ليغدو  قاب قوسين أو أدنى من احتكار موقع القوة الاقتصادية الكونية الأولى، إذ تشكّل هذه بحق عقدةً للغرب الاستعماري، الذي نشأ وأثرى وأعتاد على نهب وسرقة ثروات العالم واحتكار الرفاهية لنفسه تاركاً العوز والتبعية لمن عداه. وإذ هذه الحالة الصينية شبه ماثلة، أو يتلمس دنوها واقعاً، لكنما يصعب عليه هضمها أو تصوُّرها.
الثالثة، والتي لا تقل أهمية عن الأثنتين، كون هذا الغرب، وامريكاه تحديداً، يشهد بالصوت والصورة، وفي دوما بالذات، سقوط مشروعه في المنطقة، متمثلاً فيما عناه الانتصار العربي السوري بعد حرب كونية تدميرية استمرت لسبعة أعوام واجهتها الإرادة المقاومة للشعب والدولة العربية السورية…يعظِّم من فداحة ما يعنيه مثل هذا السقوط حجم التحريض الصهيوني الذي تتمركز غرف عملياته في معاقل العقل الأميركي والمتحكمة في توجيه نزواته عبر صهاينة الإدارة ومحافظيها الجدد وأوكارهم التليدة في الكونغرس. التحريض الساعي أبداً لتمزيق الأمة العربية وشطب القضية الفلسطينية، ويزيد من تأثيره الآن راهن الأمة المبتلى جسدها المثخن ببثور المتصهينين العرب.
كل هذه المعاني تبدَّت جلية في حلبة التراشق ب”الفيتو” في ساحة مجلس الأمن بين ثلاثي العضوية الدائمة الأميركي والبريطاني والفرنسي وروسيا الاتحادية بشأن التحقيق في مسرحية غاز دوما الأميركية. الغرب، الذي هو الآن الولايات المتحدة وتوابعها، يريد ذريعةً للعدوان على سورية، ولا يريد تحقيقاً يكشف زيف ذريعته المزعومة، وعليه، كانت هذه المعمعة غير المسبوقة في مجلس الأمن، ومن ثم يتعالى الآن ضجيج الآلة الإعلامية، وحديث الحشود، وكافة عدة شغل الحرب النفسية، وكل تلك المقدِّمات التي خبرناها عندما مهَّدوا لغزو أفغانستان ومن بعده العراق وقبيل البدء في تنفيذ قرارهم بتدمير ليبيا.
لقد وجد ترامب في الذريعة المزعومة ضالته وفرصته ليدرأ عن نفسه تهمة التواطوء الانتخابي مع الروس، والتي تطارده بها ما تعرف ب”دولة الأمن القومي”، وحيث وصلت يد محققها مولر إلى مكتب محاميه وكاتم اسرارة كوهن. لم يكتفِ بتغريداته التويترية المنثالة، ولا التهديد بصواريخة “الذكية والجديدة والجميلة”، بل أوعز بإطلاق العنان لحملة هجائية غربية ذات مستويات سوقية غير مسبوقة ولا تليق بدول عظمى. مثلاً، تصف مندوبته في الأمم المتحدة روسيا ب”الوحش”، بل وتحمِّلها هي وإيران مسؤولية الغاز المزعوم.
وعثر الفرنسيون، المتهالكون كعادتهم في البحث عن دور ولو ذيلي، على سانحةً تتيح لهم لعب دور الكومبارس المتطوع. أما البريطانيون فهم ملتزمون في زمن ما بعد الأمبراطورية بأن تظل مهمة خبثهم التليد التمهيد لأي فعل عدواني أميركي والالتحاق بركبه. وإذ الأمر برمته مبيتاً، فالمشهد يذكّرنا الآن بدورهم في العراق حين مهَّدت أدلة توني بلير حول أسلحة الدمار المزعومة الدرب لغزو بوش لهذا البلد العربي ومشاركتهم في تدميره. زوبعة غاز اسكروبال تيريزا ماي كانت توطئةً لهمروجة غاز دوما الترامبوية، والدور الذي يسعى اليه ماكرون شبيه بالدور الذي قام به ساركوزي لتدمير ليبيا…العدوانية الاستعمارية التي فقدت انيابها في بريطانيا وفرنسا تجد فرصتها للتعبير عن حنينها لتاريخها الاستعماري العدواني بالاندراج تحت بيارق العدوانية الأميركية المهجوسة بالتراجع ويحرضانها. ومن ثم ستلحق استراليا وكندا الأنغلوسكسونيتان ويتبع باقي الأوروبيين.
والآن، وقد بدا ترامب اسيراً لجعجعته، وجنرالاته وحلفاؤه يحشدون اساطيلهم، واستنفر الروس قواتهم في أماكن تواجدها في المتوسط وقواعدها في سورية واسطول البحر الأسود ومكامن قوتهم في القفقاس، ماذا بعد؟
لا يتخيل عاقل أن الغرب أو روسيا يريدان حرباً كونية، كما وليس الأمريكان في وارد خوض حرب شبيهة بحربيهم الخاسرتين في أفغانستان والعراق. وإذ من المنطق أنهم سيحرصون على تحييد روسيا، وربماً إيران، فهم إن لم يتراجعوا، وهذا ما تشير إليه بعض برودة اعترت لاحقاً حماسة الفرنسيين، ثم آخر تصريح ترامبوي مراوغ يقول، ” لم أُحدد من قبل متى ستكون الضربة ضد سورية، قد يكون ذلك قريباً، أو ليست قريبة على الإطلاق”…إن لم يتراجعوا، فكل ما سيتمخض عنه ضجيج قعقعة آلتهم الحربية الهائجة لن يزد على حفنة، أو حفنات، من التوما هوك على اهداف سورية منتقاة. قد تحدث اضراراً ودمارا وضحايا، لكنها لن تضير الانتصار العربي السوري، وليس من شأنها أن تغيّر أو تبدِّل من أوان خروجهم من المنطقة.
 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى