“ياسر مرتجى”.. الشاهد والشهيد

 

 

لم تحتمل عقلية الاحتلال، القائم على كم مهول من سردية التدليس والتزييف للتاريخ، لكاميرا إضافية تعيد تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقة، فالضحية هي الضحية، والجلاد هو الجلاد، دون أية إضافات.

كاميرا أخرى لفارس آخر من فرسان معركة الحقيقة الذي ترجل أثناء جولة من جولات حربه غير المتكافئة، فمن منا يستطيع أن يتخيل طرفي معركة يواجه بها صحفي يحمل الكاميرا بإرادته التي يؤمن إيمانا عميقاً بأنها تضاهي رصاص الاحتلال، وربما طائراته العسكرية الأكثر فتكاً وحداثة في العالم؟!.

حين نمعن النظر في صور أنتجتها كاميرا “ياسر مرتجى” أكثر، نوقن بأن الاحتلال يرى في إطار عدسته فوهة مدفع قادر على أن يقلب الموازين في الميدان، وربما من شأنه أن يحسم المعركة.

“ياسر مرتجى”، رجل الكاميرا، والصحفي المثابر، الذي ترجّل أخيراً، كان يدرك أهمية عمله، وبموازاة ذلك كان يدرك خطورته أيضاً، سيما حين يكون الهدف كشف الحقيقة، المفهوم والدلالة التي يناصبها الاحتلال العداء، بينما تقوم ركائزه وأسسه على رصيد هائل من الكذب والأباطيل، والافتراء والتضليل.

رغم ذلك سار “مرتجى” في طريق من الأشواك، في الوقت الذي يدرك فيه بأن رصاص الاحتلال وقنابله الغازية، لم توفر الصحفيين والإعلاميين خلال مسيرة العودة الكبرى، بعدما أصابت العشرات منهم.

ولا يخجل الاحتلال حين يعلن بأن الصحفيين أهدافٌ مشروعة له، ولا يمانع في أن يضيف إلى قوائم ضحاياه من الإعلاميين أسماء إضافية، حتى وإن كان ذلك جريمة، وخرق واضح للقوانين والتشريعات، ولمنطق الأشياء، فالعنجهية وتضخم “الأنا” الذي يفوق كل الحدود، وغيرها من الأسباب التي تدخل فيها عوامل صراع الثقافات، بما تتضمنه من تاريخ “كولونيالي”، تختلط فيه العناصر العقائدية والعرقية والدينية..وما إلى ذلك، قد أوحت لآخر الاحتلالات على الأرض بأنه فوق القانون، وبأنه حالة استثنائية في مجتمع دولي تحكمه قوىً تتلون وتتشكل بحسب مصالحها، وتطوّع القوانين “المطاطية” بحسب رغبتها، وكيفما تشاء.

وافق “مرتجى” كبقية أبناء شعبه في غزة وخارجها بأن يخوض معركة ترسيخ الحقيقة، التي تفضي بالتالي للحفاظ على الثوابت الوطنية، وحماية قضيته العادلة من محاولات التصفية والتذويب والتفكيك التي يمارسها الاحتلال وحلفاؤه، رغم وعيه الكامل بصعوبة المرحلة التي بات الاحتلال يجد فيها حلفاء جدد، لا يمانعون في الخوض بدماء الفلسطيني، الذي كانوا بالأمس يناصرونه حتى وان كان بالموقف أو الخطاب السياسي وحسب.

كان “مرتجى” فارساً متمرساً في المعركة الهادفة للحفاظ على القضية الفلسطينية حية، عبر ميادين الإعلام، فقد رافق بعدسته قوافل كسر الحصار عن غزة، ومنها قوافل “أميال من الابتسامات” خلال سنوات مضت، ليكون شاهداً على عظمة الإنجاز الإنساني، ولينقل هذه الشهادة للعالم بأسره، ولتتآلف قلوب الفرسان -مرتجى والمتضامنين الإنسانيين مع غزة- من أجل قضية أجمعت على عدالتها تشريعات السماء والأرض.

رحل “مرتجى”، رحمه الله، شهيداً في سبيل الله، جاد بدمائه من أجل الأرض والعرض والمقدسات، وشاهداً، حاول بجد أن لا تغفل عينه عن رصد وقائع الجريمة وحيثياتها، ليقدّم للعالم صورة المجرم -سارق الأرض والمقدسات والهوية والثقافة، وقاتل الأطفال والشيوخ والنساء والعجزة- كما هي، وبما تحمله من بشاعة وقبح، “مرتجياً” بذلك أن تطالع صوره عيوناً أمينة، تنصف شعبه الضحية، وتحاكم عدوه الجلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى