السعودية واسرائيل تعارضان معاً الانسحاب الامريكي من سوريا لاسباب ايرانية

أثار تلويح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبل عدة أيام، بسحب قواته من سوريا “قريبًا جدًا، وترك الآخرين يتولّون الاهتمام بها” حالة من الجدل، ليس داخل الأوساط الأمريكية المتحفظة على هذا القرار فحسب، بل في الشارع السعودي والإسرائيلي على حد سواء.

الإعلان الذي جاء مفاجئًا حتى للمقربين من البيت الأبيض أصاب حلفاء الرئيس الأمريكي المقربين بالصدمة لما ينطوي عليه – حال تطبيقه – من إعادة رسم للخريطة السياسية داخل سوريا بشكل يهدد مصالح كلتا الدولتين ويعظم من نفوذ إيران، العدو الأبرز حاليًا لكليهما.

الملفت للنظر أن إعلان ترامب عن هذه الخطوة أعاد للسطح مجددًا الحديث عن التنسيق بين الرياض وتل أبيب، ليخرج بصورة علنية عكس ما كان معهودًا في السابق، متخذًا من توحيد الجهود لتحجيم النفوذ الإيراني شعارًا للتقارب، وهو ما أكده مسؤولا البلدين أكثر من مرة خلال الأيام الأخيرة.

قلق سعودي إسرائيلي

بعد ساعات من الإعلان، خرج ولي العهد السعودي الموجود بالولايات المتحدة حاليًّا، ليعرب عن قلقه إزاء تصريحات ترامب، مطالبًا بصورة علنية ببقاء القوات الأمريكية وقوامها ألفي جندي في سوريا كما هي، من أجل التصدي للنفوذ الإيراني.

بعد 7 سنوات على مرور الثورة السورية تأرجحت فيها مواقف الرياض بين دعم المعارضة الثورية والارتماء في أحضان الأمريكان، ها هي تكشف بوضوح تام أن الهدف الحقيقي من وراء تدخلها، مجابهة التمدد الإيراني هناك، وتطويق نفوذ طهران الممتد بصورة مقلقة للمملكة خلال السنوات الأخيرة، وليس الإطاحة بنظام بشار الأسد كما كانت تردد الخارجية السعودية ما بين الحين والآخر، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الأخيرة التي أكد فيها إقرار بلاده على الإبقاء على الأسد وتخليها عن فكرة إزاحته عن المشهد السياسي في المسار التفاوضي لمستقبل سوريا.

ورغم ما يحمل هذا القرار حال تنفيذه ضررًا للسعودية إلا أن الضرر الواقع على دولة الاحتلال أكبر، فخطوة كهذه لو تم إقرارها ستحمل إشارات ضمنية تتناقض مع جدية ترامب في فسخ الاتفاق النووي الإيراني واتخاذ إجراءات تصعيدية ضد طهران وهو ما تسعى إليه تل أبيب.

هذا القرار – وفق الرؤية الإسرائيلية – قد يغري طهران بعدم التعامل بجدية مع التهديدات الأمريكية، إضافة إلى تقليص قدرة الكيان الصهيوني على تحقيق مصالحه الإستراتيجية في سوريا التي تشكل إيران العقبة الأساسية فيه، هذا مع الوضع في الاعتبار أن هذه الخطوة ستزيد بلا شك من كلفة تصدي سلطات الاحتلال للنفوذ الإيراني في سوريا، وربما تدفع إلى مواجهة شاملة ومباشرة، ليس في سوريا وحدها، بل ربما تمتد إلى جنوب لبنان مع حزب الله، وهي المواجهة التي أقر وزير الأمن الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان، بعدم جاهزية جبهته الداخلية لها ولتبعاتها في الوقت الحاليّ.

علاوة على ذلك فإن تنفيذ الرئيس الأمريكي لما لوح به ربما يفضي إلى تسوية سياسية للصراع داخل سوريا مع بقية الأطراف الأخرى لا تراعي مصالح “إسرائيل” التي تسعى إلى تقسيم الدولة السورية بما يسدل الستار على إمكانية عودتها مرة أخرى وإجهاض أي احتمالات لبروزها على الساحة الإقليمية مجددًا.

باعث آخر من بواعث القلق الإسرائيلي حال سحب القوات الأمريكية من سوريا يتمثل في تحسين المكانة الإقليمية لتركيا، إذ إن الانسحاب من الشمال السوري يقتضي تنسيقًا بين واشنطن وأنقرة تلتزم فيه الأخيرة بالحفاظ على مصالح الأولى في مقابل القضاء على ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردي وتأمين خاصرة تركيا الجنوبية.

معلوم حرص تل أبيب على تطويق النفوذ الإيراني وتحجيم دورها داخل سوريا، لكن في الوقت ذاته لا يكون ذلك مقرونًا بتعاظم الدور التركي إقليميًا، خاصة بعد التراشق السياسي وتبادل الاتهامات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على خلفية انتقادات الأخير للجرائم الصهيونية ضد مظاهرات العودة الكبرى داخل قطاع غزة التي سقط فيها عشرات الشهداء فضلاً عن مئات المصابين والجرحى.

تنسيق لإجهاض القرار

لم تشهد العلاقات السعودية الإسرائيلية حالة من التنسيق والتفاهم كما تشهده هذه الأيام، ففي الوقت الذي تمارس فيه سلطات الاحتلال كل أنواع القتل والتنكيل بالفلسطينيين المدافعين عن أرضهم، يغازل ابن سلمان حلفاءه في تل أبيب، ففي حوار أجراه معه الصحفي الأمريكي جيفري غولدبيرغ، نشرته صحيفة “the atlantic” الأمريكية، أقر بحق الشعب اليهودي بـ”أرض خاصة بهم” وهو الاعتراف الذي قال عنه الصحفي بأنه “لم يعترف أي زعيم عربي بهذا الحق أبدًا”.

ولعل إعلان ترامب الأخير ساهم بشكل مباشر في نقل التنسيق بين البلدين إلى العلن بصورة ما عاد يجدي معها العمل في الخفاء بعيدًا عن الأضواء وصخب الإعلام، إذ إن هناك عدوًا واحدًا مشتركًا، يهدد كلتا الدولتين، وهو أخطر على المملكة من دولة الاحتلال كما رددت بعض وسائل الإعلام السعودية قبل ذلك أكثر من مرة.

المملكة بلا شك ستسعى إلى توظيف ما لديها من نفوذ للضغط على الرئيس الأمريكي لإثنائه عن هذا القرار المثير لقلق حلفائه، خاصة بعد تعهد ابن سلمان بمزيد من البذخ في ضخ مئات المليارات من الدولارات في السوق الأمريكي في صورة استثمارات ولعل هذا ما يريده ترامب وفق مقربين.

وفي المقابل، فإن حكومة اليمين المتطرف في “إسرائيل” التي تراهن على علاقتها بالإدارة الأمريكية الحاليّة، تبدي حذرًا شديدًا عند التعبير عن أي موقف يتعارض مع سياسات ترامب، وهو ما يدفعها للعمل بهدوء ضد قرار الانسحاب، وتجنب الصدام بشكل مباشر معه.

ومن ثم قد تتجه تل أبيب للتأثير – من وراء الكواليس – على كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية لإقناعهم بخطأ هذا القرار وضرورة التراجع عنه في أقرب وقت.

بعض المصادر هنا تشير إلى احتمالية توجه السلطات الإسرائيلية إلى استمالة مسؤولي البيت الأبيض الرافضين للانسحاب من سوريا على رأسهم وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، ورئيسة وكالة الاستخبارات المركزية جينا هاسبل، هذا بخلاف أعضاء الكونغرس الداعمين للدولة اليهودية.

هل يفعلها ترامب؟

حالة من التناقض أثارها إعلان الرئيس الأمريكي، خاصة أن صقور سابقين وحاليين في الإدارة الأمريكية يرفضون هذه الخطوة، معتبرين أن الانسحاب المبكر من سوريا لا يصب في الصالح الأمريكي، بل إن ماتيس نفسه قد أعلن أكثر من مرة، أن قوات بلاده في سوريا ستبقى لفترة طويلة.

“نون بوست” في تقرير له قبل عدة أيام طرح عددًا من السيناريوهات لدفع ترامب للتلويح بهذه الخطوة، مستندًا في ذلك إلى حالة التناقض والغموض التي اشتملت عليها تصريحاته التي لم تحدد الزمان ولا الكيفية التي سيتم الانسحاب بها، وهو ما دفع البعض لاعتبارها “ضجيجًا فارغًا” لا محل له من الإعراب على أرض الواقع أسوة بالكثير من القرارات والتصريحات التي قطعها الرئيس الأمريكي على نفسه منذ حملته الانتخابية وحتى الآن.

السيناريوهات الثلاث الأولى تمحورت حول إما رغبة الرئيس الأمريكي في إحياء الشعار المرفوع خلال الحملة الانتخابية “أمريكا أولاً” وهو الشعار الذي تعهد من خلاله الرئيس الأمريكي بوضع مصالح الشعب فوق كل اعتبار، ومن ثم تحويل ميزانية الحرب في سوريا إلى المواطن الأمريكي، أو احتمالية توجيه ضربة عسكرية لإيران والانسحاب من الاتفاق النووي المبرم معها في 2015، ومن ثم كان لا بد من سحب قواته من سوريا لئلا يكونوا هدفًا سهلاً أمام ميليشيات إيران هناك، بخلاف إبرام مقايضة سياسية مع روسيا تقتضي بترك الساحة السورية لموسكو صاحبة اليد العليا حاليًّا، في مقابل صمتها عن الوجود الأمريكي في دول الجوار على رأسها العراق مثلاً.

أما التفسير الأقرب وفق بعض المقربين، فهو ابتزاز السعودية من أجل الحصول على مزيد من الأموال، ويمكن قراءة هذا السيناريو بعين أكثر اتساعًا من خلال الربط بين توقيت إعلان ترامب عن تلك التصريحات وزيارة ابن سلمان لواشنطن وما أثير خلال لقائهما بشأن طلب زيادة حجم الاستثمارات السعودية ورفع قيمة صفقات التسليح.

ترامب يعلم جيدًا أهمية الملف السوري بالنسبة للسعودية، كونه أحد أبرز ساحات الصراع على النفوذ مع الغريم التقليدي، إيران، كما يعلم أيضًا أن تحقيق الرياض لأهدافها داخل سوريا مرتبط بالوجود الأمريكي هناك، وحال انسحاب الأخير ستمنى المملكة بخسارة جديدة تضاف إلى سجلات هزائمها أمام طهران، خاصة أن جراحها في اليمن لم تلتئم بعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى