اذا اقال المحقق مولر ..ترامب سيتورط في ازمة دستورية ويرحل لمزبلة التاريخ

أثار قرار وزير العدل الأمريكي جيف سيشنز، إقالة نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) أندرو ماكيب، حالة من الجدل داخل أروقة المؤسسات الأمريكية، في أعقاب الهجوم الذي شنه الرئيس دونالد ترامب على وزارتي العدل والخارجية.

ماكيب الذي اتهمه ترامب، بالانحياز السياسي، كان أحد أبرز الشهود الأساسيين في التحقيقات الخاصة بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية 2016، وهو ما أثار القلق لدى البعض خشية تكرار السيناريو ذاته مع روبرت مولر المحقق الخاص بهذه القضية؛ مما قد يورط ترامب في أزمة دستورية يكون لها تداعياتها السلبية على صورة أمريكا الخارجية.

هرولة الرئيس الأمريكي لإسدال الستار حيال هذا الملف أوقعه في الكثير من الممارسات السياسية والقرارات الانفعالية التي ساهمت بشكل كبير في تعميق الأزمة، لا سيما المتعلقة بالتشكيك في مؤسسات الدولة السيادية وعلى رأسها مصداقية مكتب التحقيقات الفيدرالي، وهو ما حذر منه البعض خشية أن يقود ذلك في نهاية الأمر إلى إحداث أزمة داخلية قد يدفع فيها ترامب بقاءه في السلطة ثمنًا لها.

لماذا ماكيب؟

وزير العدل الأمريكي، أشار إلى أن قرار الإقالة أتى بعد تحقيق داخلي، جاء فيه أن ماكيب “سرب أخبارًا وضلل محققين”، معلقًا على ذلك بقوله إن التحقيق الذي وصفه بالموسع والنزيه أوضح أن نائب الـ”FBI” “كشف معلومات لوسائل الإعلام دون ترخيص، ولم يكن صريحًا في الكثير من المناسبات”.

سيشنز وإن لم يكشف تفاصيل التحقيق، ولكن يعتقد أنه يشير إلى ترخيص ماكيب بإجراء حوار بين صحفي ومسؤولين في “FBI” في تشرين الأول لتوضيح موقف المكتب من التحقيق في استعمال هيلاري كلينتون، لبريدها الإلكتروني الخاص، عندما كانت وزيرة للخارجية.

وبناءً على تقرير المفتش العام ونتائج التحقيق في المسؤولية المهنية وتوصيات الوزارة، قرر وزير العدل إنهاء مهام أندرو ماكيب فورًا، بحسب البيان الصادر عنه أول أمس الجمعة.

اعتاد ترامب انتقاد ماكيب بشكل متكرر، حيث اتهمه بالانحياز في التحقيق في قضيتي التدخل الروسي واستخدام هيلاري كلينتون لبريدها الإلكتروني، متهمًا إياه في بعض تصريحاته بحصول زوجته الديمقراطية على دعم مالي من عائلة كلينتون عندما كانت مرشحة لمجلس الشيوخ عام 2015.

وبعد الإقالة كتب ترامب تغريدة معلقًا على هذا القرار قائلاً: “أندرو ماكيب مطرود، يوم عظيم لرجال ونساء إف بي آي الذين يعملون بجد، يوم عظيم للديمقراطية”، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات عن دوافع هذا الموقف الحازم ضد نائب مدير مكتب الـ”FBI”.

استهداف سياسي

“هذا الهجوم على مصداقيتي جزء من محاولة أكبر لتشويه سمعة العاملين في مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) وأجهزة إنفاذ القانون والمخابرات بشكل أعم”، بهذه الكلمات علق ماكيب على الانتقادات التي وجهها له الرئيس الأمريكي، مشيرًا في بيان مطول تعليقًا على قرار إقالته بأنه تعرض لاستهداف سياسي بسبب تأكيده أقوال مديره المقال العام الماضي جيمس كومي بأن ترامب حاول الضغط عليه لإنهاء التحقيق بشأن التدخل الروسي.

نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي المقال من منصبه لفت إلى أن قرار إقالته الذي جاء قبل يومين فقط من بلوغه سن الخمسين، وهي السن التي تخوله التقاعد من المكتب مع الحصول على معاش كامل، دليل آخر على استهدافه من الرئيس الأمريكي ووزير العدل، علمًا بأن ماكيب كان قد ترك موقعه كنائب لمدير مكتب التحقيقات في كانون الثاني الماضي، لكنه ظل في عطلة حتى موعد تقاعده.

يبدو أن تغريدة ترامب تعليقًا على قرار إقالة ماكيب أثارت حفيظة الكثير ممن تجرعوا من نفس الكأس تقريبًا، فها هو جيمس كومي المدير السابق لمكتب التحقيقات الذي أقاله الرئيس الأمريكي، العام الماضي، يوجه رسالة إلى الأمريكيين عبر تغريدة له على “تويتر” يقول فيها: “الشعب الأمريكي سيستمع إلى روايته قريبًا جدًا، وسيتمكن حينها من الحكم بنفسه من هو الشريف ومن ليس كذلك”.

بينما المدير السابق لوكالة المخابرات الأمريكية (سي آي إي) جون برينان علق على تغريدة ترامب قائلاً: “عندما يتضح مقدار قابليتك للفساد السياسي والأخلاقي، ستأخذ مكانك الطبيعي كشخص مذموم في مزبلة التاريخ”، معلقًا على إقالة ماكيب بقوله إنه الرئيس قد يضحي به ككبش فداء، لكنه لن يدمر أمريكا التي ستنتصر عليه.

المعارضون لقرار الإطاحة بنائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي من الديمقراطيين وبعض الجمهوريين اعتبروه مخططًا يهدف إلى التقليل من مصداقية المكتب والتشكيك في نزاهته والقائمين عليه، وهو ما زاد من المخاوف المحيطة بالتحقيقات الخاصة بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

القرار أرجعه الكثيرون إلى دوافع سياسية انتقامية بسبب موقف نائب المدير المقال من مسألة وجود علاقة بين حملة ترامب ومسؤولين روس، خاصة بعدما ذكرت بعض وسائل الإعلام الأمريكية بأن ماكيب سلم مولر نسخة من محادثاته مع الرئيس في البيت الأبيض، هذا في الوقت الذي قالت فيه بعض المصادر إنه يحتفظ بمذكرات تفصيلية عن تعاملاته مع ترامب، هذا بخلاف ما قاله جيمس كومي قبل ذلك بشأن احتفاظه بمذكرات تفصيلية لديه أيضًا لأحاديثه مع الرئيس الأمريكي.

المعارضون لترامب يتوقعون مصيرًا مشابهًا لمسؤول التحقيقات في هذا الملف روبرت مولر، حيث قال بعضهم إن الرئيس ربما يخطط لطرده وإقالته من منصبه، وهو ما يعني البحث عن محقق جديد لتولي التحقيقات في هذه القضية، فيما حذر آخرون من أن يؤدي ذلك إلى أزمة دستورية ذات تبعات سلبية داخليًا وخارجيًا.

المخاوف عززها ما كشفه موقع “ديلي بيست” بأن جون دود محامي الرئيس الأمريكي، حث نائب وزير العدل رود روزنستاين، على إقالة مولر، من منصبه، حيث نقل عن محاميه إعرابه عن أمله في أن يحذو روزنستاين، حذو وزير العدل جيف سيشنز، الذي قدم “مثالاً رائعًا وشجاعًا” بإقالته نائب رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي أندرو مكايب.

الموقع كشف أنه سعى إلى التواصل مع محامي ترامب، للاستفسار عن تغريدة للرئيس الأمريكي، حيّا فيها قرار سيشنز، فرد بالتعبير عن أمله في أن يقوم روزنستاين بالسير على خطى سينشز، وأن “يضع حدًا للتحقيقات في التدخل الروسي المزعوم، المفبركة من رئيس مكابي، جيمس كومي، والمبنية على ملف مدلس وفاسد”.

ترامب قلق

ساهمت قضية التورط في التنسيق مع الجانب الروسي في الانتخابات الرئاسية بجانب الإخفاق الواضح في العديد من الملفات الأخرى في انخفاض شعبية ترامب بصورة كبيرة، وهو ما كشفته العديد من دراسات استطلاعات الرأي التي توصلت إلى ارتفاع منحنيات الهبوط مقارنة بما كانت عليه الأمور بداية دخوله البيت الأبيض.

قد يسأل البعض عن خطورة تهمة التنسيق بين حملة ترامب الرئاسية وموسكو، وهل تستحق كل هذا الاهتمام والترقب الذي قد يصل إلى التلويح بتقديم الرئيس للمحاسبة واحتمالية عزله من منصبه، علمًا بأن هناك العديد من الفضائح السياسية التي اتهم بها رؤساء أمريكان سابقون دون أن يواجهوا مصير العزل.

القضية هنا تتعلق في المقام الأول ليس بالتدخل في حد ذاته، لكنها تكمن في مسألة إقدام الرئيس بالضغط على أحد المحققين وتخويفه حتى لا يباشر التحقيق في مسألة تمس رئيس الدولة وإدارته، وهو ما يعد سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ أمريكا.

الدستور الأمريكي يخول للرؤساء استخدام حق يتيح لهم منع موظفي الحكومة من تقديم معلومات للآخرين، ولكن خبراء قانونيين قالوا إن أي محاولة لمنع أي مسؤول من الإدلاء بشهادته سواء بالتخويف أو الإقالة أو ممارسة أي نوع من الضغوط عليه، بجانب أنه يمكن الطعن فيها أمام المحكمة، غير أنها كفيلة بأن تطيح به من فوق كرسيه مباشرة.

حالة من القلق تسيطر على ترامب دفعته لأن يتخلص من المقربين منه كافة، آخرهم مستشاره للأمن القومي هربرت ماكماستر، الذي أقاله أمس، بعد ساعات قليلة من إطاحته بوزير خارجيته ريكس تيلرسون، فيما تشير مصادر إلى أن حملة الإقالات لن تتوقف عند هذا الحد، وربما تصل إلى الرئيس نفسه بعد تصاعد مطالب عزله في الآونة الأخيرة، وربما – بحسب البعض – تكون ورقة “مولر” جواز سفر ترامب للخروج من البيت الأبيض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى