سوريا المقاومة وتغيير قواعد الاشتباك مع إسرائيل وأميركا

 

في مقابل التهديد بالحرب الشاملة من جانب الكيان الصهيوني ، واختراقه جبهة الصمت وحدود فك الاشتباك القائمة منذ العام 1974، لفرض واقع سياسي وعسكري جديد عبر دعمه للتنظيمات الإرهابية التي تقاتل من أجل إسقاط الدولة الوطنية السورية وتقسيم سوريا خدمة للمخطط الأميركي-الصهيوني التقسيمي الذي يُناور عبر طرح كافة الاوراق التي يخترعها ويتخيلها العقل الامريكي (وثيقة الخمسة او تشكيل قوات حرس الحدود او دعم المشروع الكردي الانفصالي أو تقاسم النفوذ الدولية في سورية او حكم محلي ذاتي تحت انتداب اممي او غيرها من التسميات المرفوضة) لتعطيل الحل السياسي في سورية الذي تم وضعه على السكة الصحيحة في سوتشي الروسية، جاء الرّد السوري حازما وصارمًا، من خلال إسقاط الصواريخ المضادة التابعة للجيش العربي السوري طائرة «إف 16» الإسرائيلية يوم السبت 10شباط 2018، حيث تناثر حطامها في فلسطين المحتلة، الأمر الذي اعتبره المحللون الاستراتيجيون إيذاناً بـ «مرحلة استراتيجية جديدة وتغييراً في قواعد الاشتباك» مع العدو الصهيوني و الإمبريالية الأميركية ،لا سيما من جانب محور المقاومة المتكون من الدولة الوطنية السورية وحزب الله و الجمهورية الإسلامية الإيرانية وروسيا .

لا شك أنّ إسقاط الطائرة الإسرائيلية المعتدية من طراز سوفا «إف 16»، التي تملك  اسرائيل منها حوالي 300 طائرة،ويعتمد الكيان الصهيوني في حروبه واعتداءاته بشكل كبير على هذه الطائرة،يطوي صفحة ذلك الزمن الذي كان يهدد فيه حكام العدوالصهيوني  المنطقة بالويل والثبور والحروب والعدوان وعظائم الأمور، ويؤكد ما ذهبت إليه سوريا و إيران  و«حزب الله» من أن المنطقة دخلت بداية مرحلة مختلفة  في عملية المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية و الكيان الصهيوني اللذين يخوضان صراعاً جيوبوليتيكياً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط، من أجل تصفية الصراع العربي- الصهيوني، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية، عبر ممارسة الضغوطات على الرئيس محمود عباس للعودة إلى المفاوضات مع إسرائيل من دون وقف الاستيطان، الذي كان شرطاً أساسيا لاستئناف التفاوض مع الإسرائيليين،ومن خلال التهديد بالحرب الشاملة ضد سوريا و إيران وحزب الله، باعتبارها الأطراف الرئيسة التي تشكل محور المقاومة، الذي يحول دون تحقيق إسرائيل وأميركا التسوية الاستسلامية للصراع العربي –الإسرائيلي ، التي قبل بها حكام الخليج، والعديد من الأنظمة العربية.وفضلاً عن ذلك، يأتي تغيير قواعد الاشتباك في ظل محاولات أميركا وإسرائيل والتنظيمات الإرهابية في المنطقة التشويش على الحل السياسي للأزمة في سورية بعد فشلهم بتغيير الواقع عسكرياً، فنراهم مرة يضعون العراقيل أمام أي جولة حوار مرتقبة في آستنة ومرّة بالحديث عن تدخل في القرار السوري عبر محاولة فرض دستور جديد على السوريين يصوغه غيرهم.‏

ربما لم يضع إسقاط الطائرة في يوم السبت الماضي حدًّا للعربدة الإسرائيلية، لكن النكسة التي منيت بها هزت بل ومزقت الصورة النمطية التي دأبت إسرائيل على الادعاء بها حول الجيش الذي لا يقهر، وبدى للعيان بأنها ليست الوحيدة في الشرق الأوسط ، و أن ثمة قوى أخرى قادرة على منافستها ومجابهة قوتها العسكرية الهائلة. وربما ستكون هناك تداعيات إيجابية تعقب تلك الحادثة في حال إدراك إسرائيل لحقيقة كونها لا تستطيع البقاء باستمرار بقوة السلاح، أو باستخدام الطائرات المتطورة. وربما سيقترن تهاوي الطائرة إف 16 بتهاوي العقيدة التي نهجتها إسرائيل والتي تقوم على مقولة بأن كل شيء يمكن ويجب حله بالقوة، فالقوة قبل كل شيء، القوة دائما، فقط القوة.‏

عقود من التفوق العسكري الجوي حظيت بها إسرائيل وبدا ذلك واضحا في لبنان وغزة، حيث تحلق طائراتها في سمائهما دون رادع، الأمر الذي قاد بها للاعتقاد بأنها ليست القوة الأقوى فحسب بل أنها الوحيدة في سماء الشرق الأوسط، وأخذت بالتصرف على هذا الأساس. لكنه في يوم السبت الفائت أصيب هذا الاعتقاد بنكسة كبيرة أودت به إلى الزوال. إذ اتضح لإسرائيل بأنها ليست الوحيدة في السماء وكان ثمن تلك المعرفة باهظا ومؤلما. بيد أن ما يثير السخرية والاستهجان أن تخرج إسرائيل بمزاعم تقول بأن طائرة مسيرة إيرانية قد انتهكت سيادتها. في الحين الذي دأبت هي به على انتهاك سيادة دول أخرى، إذ سبق لها أن حلقت في الأجواء اللبنانية لقصف أهداف في سورية فضلا عن استمرارها بقصف غزة الضعيفة. لكن الطائرة المسيرة الإيرانية وحدها هي من انتهك السيادة(بقلم: الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي‏ :تصدع الغطرسة الإسرائيلية على جدار سورية، صحيفة الثورة السورية 14شباط2018).أخرى قادرة على منافستها ومجابهة قوتها العسكرية الهائلة. وربما ستكون هناك تداعيات إيجابية تعقب تلك الحادثة في حال إدراك إسرائيل لحقيقة كونها لا تستطيع البقاء باستمرار بقوة السلاح، أو باستخدام الطائرات المتطورة. وربما سيقترن تهاوي الطائرة إف 16 بتهاوي العقيدة التي نهجتها إسرائيل والتي تقوم على مقولة بأن كل شيء يمكن ويجب حله بالقوة، فالقوة قبل كل شيء، القوة دائما، فقط القوة.‏

في آب 2016 قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية إن الولايات المتحدة وإسرائيل وقعتا على أضخم صفقة أسلحة في تاريخ البلدين قد تمتد لمدة 10 سنوات، ويعتبر كيان الاحتلال الإسرائيلي من أكبر مستهلكي السلاح الاميركي وكذلك من أكبر مصدريه، بالإضافة الى المساعدات الاميركية الضخمة التي تقدمها الولايات المتحدة سنويا لإسرائيل لشراء وتطوير الاسلحة والتي تقدر بـ 4 مليارات دولار بغية الحفاظ على تفوقها العسكري في المنطقة كدولة احتلال وكقاعدة متقدمة لواشنطن.‏ وتتلقى إسرائيل حاليا أكثر من 50% من إجمالي المساعدات العسكرية الأمريكية للدول الأجنبية، لكن إسرائيل تدعي أنها تواجه تهديداتٍ كبيرة من الدول المحيطة، وقد بلغت قيمة الأسلحة الاميركية التي لاتزال تصدر الى الكيان الصهيوني منذ العام 2007 فقط نحو 300 مليار دولار.

و أصبحت الشركات الإسرائيلية التي تصنع الأسلحة تنافس شركات الأسلحة الأميركية ، فقد صدرت إسرائيل أسلحة بنحو 6 مليارات دولار في 2015، حيث تصدرت الرادارات المعقدة والأنظمة الإلكترونية والطائرات بدون طيار والصواريخ قائمة الصادرات المتطورة. ويعادل هذا تقريبا ضعف قيمة الأسلحة التي تم تصديرها عام 2003 والتي بلغت 3 مليارات دولار.‏

وفي ظل إصرار الولايات المتحدة الأميركية  على إبقاء قواتها العسكرية في الشمال الشرقي لسوريا،منتهكة  القرار 2254 الذي وافقت عليه والذي يؤكد الحفاظ على سيادة واستقلال ووحدة سورية،و استمرار ما يسمى «التحالف الدولي» بقيادة أميركا ويضم في عضويته  فرنسا وبريطانيا والدول الخليجية وتركيا  تسخير كل  طاقاته للنيل من سوريا أرضًا و شعبًا،عبردعمه للتنظيمات الإرهابية الذي كلف الداعمين حوالي137 ملياردولار،إذ فضحت ووثائق ويكيليكس سياسات الولايات المتحدة الامريكية المعادية لسورية في هذا المجال ،تريد إسرائيل بعدوانها المتكررعلى سورية  أن تجلب أنظار القوى الدولية والإقليمية المعنية  بالبحث عن تسوية سياسية للأزمة السورية عبر مؤتمر سوتشي ومفاضات أستنة ،بأن أمن الكيان الصهيوني يجب أن يكون بندًا مطروحًا في جدول أعمالها، وأن تخلط خلط الأوراق من جديد ، لكي يكون جزءاً من أي تسوية محتملة للأوضاع في سورية، بما يتصل بالحفاظ على أمنها ووجودها.

ومنذ بداية الحرب الإرهابية الكونية على سورية، كانت استراتيجية إسرائيل تقوم على إطالة أمد الحرب وإضعاف سورية من خلالها ،وتحديد خطوط حمراء للدولة الوطنية السورية  لا يجوز تجاوزها، ومنها:منع استخدام الأراضي السورية لنقل أسلحة متطورة إلى حزب الله في لبنان مثل منظومات الدفاع الجوي المتطورة وصواريخ أرض – أرض بعيدة المدى وصواريخ أرض – بحر وطائرات دون طيار. إلى جانب ذلك أضافت إسرائيل في العامين الأخيرين إلى خطوطها الحمراء منع وجود قوات عسكرية تابعة لإيران أو حزب الله في جنوب سورية في المنطقة القريبة من الجولان السوري الذي تحتله إسرائيل، أو المحاذية له.

وفي الآونة الأخيرة، أولت إسرائيل موضوع منع أيّ وجود عسكري لإيران وحزب الله بالقرب من الجولان المحتل اهتماماً كبيراً. ويعود ذلك لسببين أساسيين: أوّلهما أنّه في ضوء تشتت قوى الجيش السوري العربي السوري على عشرات الجبهات القتالية ، تحاول هذه القوى الوجود في المناطق المحاذية للجولان المحتل. وقد تعايشت إسرائيل مع القوات السورية الرسمية الملتزمة باتفاقيات وقف إطلاق النار عقوداً طويلة، ولا توجد أيّ اتفاقيات أو ترتيبات تنظّم سلوك هذه القوى غير النظامية على الحدود؛ ويتمثل ثانيهما بأنّ إسرائيل أصبحت تطمع في ما هو أكثر من ذلك؛ إذ باتت تصرّ على أنّ أيّ حل سياسي لتسوية الحرب في سورية يجب أن يضمن عدم وجود قوى عسكرية على الحدود المحاذية للجولان المحتل وإبقاءَه عملياً منطقة نفوذ إسرائيلية منزوعة السلاح تمتد إلى حدود 40كيلومتر.

وضمن هذا السياق، تصاعدت التهديدات العسكرية الإسرائيلية ضد سورية وحزب الله منذأشهر عديدة. ومنذ ذلك الوقت، شغلت قضية إعادة رسم المحاور الإقليمية في الشرق الأوسط صانع القرار الإسرائيلي ، الذي يرى أن الأزمة السورية أسهمت في زيادة الدور الإقليمي الإيراني في كل من العراق وسورية، بعد أن عجزت إسرائيل عن إقناع الولايات المتحدة بضرورة توجيه ضربة عسكرية للمشروع النووي الإيراني طيلة السنوات الطويلة الماضية، وهو أمر رأت فيه تل أبيب مؤشراً على عجز واشنطن عن الوقوف في مواجهة تغيرات قد تأتي في صالح محور المقاومة، الذي تقوده إيران، ويضم سوريا وحزب الله والحركات الفلسطينية الجهادية ، وأن تأثيرات ذلك على المدى البعيد ستتبدى في مزيد من تضعضع قوة معسكر الأنظمة العربية التابعة للغرب ، خاصة إذا ما عجزت السعودية عن درء مخاطر الطموحات الإيرانية في البحرين واليمن .بطبيعة الحال، سينعكس ضعف مكانة وتأثير الولايات المتحدة في التفاعلات الجارية في الشرق الأوسط سلباً على المصالح الإسرائيلية، ويزيد من الأعباء والتكاليف الدفاعية الوقعة عليها.

وما يقلق إسرائيل في الوقت الحاضر أن ما يحققه الجيش العربي السوري وحلفاؤه من انتصارات  يقود بالضرورة  إلى تقوية المعسكر الذي تقود إيران، و إلى زيادة الدور المستقبلي لحزب الله ، وقدرته التسليحية،والمهارات القتالية التي اكتسبها في الحرب السورية الكبيرة، إضافة إلى قدرة الجيش السوري الذي خرج منتصرًا من هذه الحرب، وقرب عودته إلى الجولان المحتل في تماس مباشر مع الجيش الصهيوني، وتخوف قيادات اليمين الفاشي الحاكم في الكيان الصهيوني من إمكانية فتح جبهة جديدة للمقاومة داخل الأراضي السورية بهدف تحرير هضبة الجولان المحتلة.

هناك جانب من الحقيقة من أن قادة العدو الصهيوني أكدوا مرارًا وتكرارًا رفضهم المطلق للانسحاب من هضبة الجولان،معتبرين أن «سورية تنازلت عن سورية الكبرى والاسكندرون،ولا يوجد سبب يمنع تنازلها،في حالتنا،عن الجولان»وتدق،«إسرائيل» طبول الحرب من جديد بعدما تسببت إدارة أوباما السابقة التي تبنت فكرة حل الدولتين لشعبين،بموت التسوية السلمية بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية، حين عجزت حتى الآن بالضغط السياسي على حكومة نتنياهو عن وقف بناء المستوطنات، وامتنعت عن استخدام الضغط المالي والمساعدات العسكرية لهذه الغاية كي تعاود المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية،ها هي الإدارة عينها تسلم القضية الفلسطينية برمتها إلى «إسرائيل» لكي تكون هي الجهة الوحيدة التي تحدد مسارها،بعدما تخلت الولايات المتحدة عن دورها الفاعل في تحقيق تسوية مرضية.

أخيرًا، يمثل إسقاط الـطائرة  «إف 16» اعترافاً دولياً بقوة محور المقاومة في المواجهة الأخيرة مع الكيان الصهيوني ،وفي محاولته إقامة توازن ردعي مع إسرائيل من خلال  الإشراف على جبهة الجولان ،حيث أن محور المقاومة أسس في الوقت الحاضر وضعًا يصعب تغييره بالقوة أو بالديبلوماسية من دون الاعتراف لإيران بدورها ونفوذهاالإقليمي.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى