للمثقفين فقط .. لماذا تعتبر مقاومة الاحتلال تطرُّفاً والتعاون معه اعتدالاً ؟

في محاولاتنا لفهم العنف في الشرق الأوسط، تقول الكاتبة منيرة رزاق بمقالها على موقع «lse»: «يمكن الاستفادة من الإطار النظري لنظرية كوير للعلاقات الدولية، ونظرية فرانز فانون للعنف؛ لوضع الجهات الفاعلة في سياقاتهم الزمنية المناسبة، بدلًا عن الحكم على أفعالهم منعزلة».

في أيار 2017، دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرياض، قادة الشرق الأوسط لمكافحة أزمة التطرُّف الإسلامي، ثم ساوى بين «تنظيم داعش» و«تنظيم القاعدة» مع «حزب الله» و«حماس»، ووصف كل هذه الجماعات بالإرهابية، على الرغم من سياقاتها الزمنية والسياسية المختلفة.

وتنقل الكاتبة تعليق الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في تشرين الثاني 2012 على ضربات حماس الصاروخية على إسرائيل: «ليس هناك بلد على وجه الأرض يتسامح مع صواريخ تسقط على مواطنيها من خارج حدودها. لذلك نحن نؤيد تمامًا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها من الصواريخ التي تهبط على منازل الناس وأماكن عملهم، والتي قد تقتل المدنيين، وسنستمر في دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها».

وتلفت الكاتبة إلى استمرار نمط الفصل الأخلاقي لمرتكبي العنف من القوات غير الحكومية – عن طريق وصفهم بالإرهابيين، مثل ما يحدث مع المتمردين الحوثيين في اليمن وجماعة الإخوان المسلمين.

هل مقاومة الاحتلال تطرف ؟

تقول الكاتبة: إن مرتكبي العنف يوصفون دائمًا بأنهم غير أخلاقيين، ويُرفض العنف بشكلٍ منتظم على أنه غير منطقي، أو يخضع لتفسيرات اختزالية، مثل: تأكيد عدم ضبط مرتكب الجريمة لذاته، وإبعاده عن الإنسانية (كما يحدث عادة)، أو ينسب إليهم ميول نفسية سادية.

ولكن هل جميع ممارسات العنف تشبه ممارسات حركات المقاومة، مثل تلك الموجودة في اليمن وفلسطين، التي تحارب قوات احتلال أجنبية؟ لماذا يُعتبر أولئك الذين يمارسون أعمال العنف متطرفين في حين يعتبر أولئك الذين يقبلون أو يعملون مع قوات الاحتلال الأجنبية معتدلين؟ من يقرر ذلك؟ وما هي المعايير؟

ليس علينا أن نوافق على مبررات العنف التي تُعطى من قبل الكثير من الجهات المسلحة غير الحكومية، ولكن علينا أن نفهم الأسباب السيكولوجية لاستخدام العنف باستخدام نظرية كوير للعلاقات الدولية وأفكار فانون، للحصول على المزيد من الحلول والارتباطات الدقيقة، بدلًا عن رفض العنف باعتباره شريرًا أو سيئًا كمبدأ.

وترى الكاتبة أن نظرية كوير للعلاقات الدولية مفيدة في مقاومة الثنائيات، مثل: النظام مقابل الفوضى أو السوي مقابل المنحرف. باستخدام هذه النظرية فيما يتعلق بالعنف يسمح لنا بمواجهة الخطاب الاستعماري الذي يصنف الأطراف إلى جيد وسيئ وفقًا لمعاييره، ويسمح للمراقبيين الدوليين بفهم تاريخ ووضع الحركة (أو العمل) والإطار الزمني لها، بالإضافة إلى سبب سلوكها قبل إلقاء (المراقبين الدوليين) للمواعظ، ووضع إجراءات متنوعة لمخالفة قواعد السلوك العالمية.

ونقلت الكاتبة مقتطفات من كتاب فانون «المعذبون في الأرض – Wretched of the Earth»، تسلط الضوء على الأسباب العملية والنفسية للعنف ضد المستعمر: «دائمًا ما يَصف المتسعمِر أصحاب الأرض بالمتخلفين الذين لا يفهمون إلا لغة العنف، ولكن الحقيقية هي أن المستعمر من أقنعهم بأنهم لن ينالوا حريتهم، إلا بالعنف؛ بعد ما نزع كل شيء منهم بالعنف».

«على مستوى الأفراد، العنف قوة تطهيرية تحرر أصحاب الأرض من اليأس والسلبية وعقدة الدونية، وتجعل أصحاب الأرض يتخلصون من خوفهم ويستعيد احترامهم لأنفسهم».

لماذا يلجأ المستعمَر إلى العنف؟

في مقدمة سارتر للكتاب، وصف أعمال العنف أو الثورات المناهضة للاستعمار – بأنها «رجل يستعيد نفسه».

يرى فانون، أن الحكم الاستعماري قائم على العنف والقمع؛ مما يجعل المستعمِرين لا يتحدثون ولا يفهمون إلا لغة العنف. على هذا النحو، فإن استخدام العنف من قبل المستعمَرين يمكِّنهم من إعادة تشكيل المجتمع ويسمح لهم بإعادة تكوين أنفسهم في ضوء لا يلوثه المستعمِرون.

وتنقل الكاتبة ما كتبه فانون في كتاب «بشرة سودء.. أقنعة بيضاء »: أنّ تحرير الذات من الاستعمار بواسطة العنف يمكن أن يكون علاجًا. فالعنف كان علاجًا في حالة الجزائريين؛ إذ سمح لهم باستعادة ذاوتهم التي دمرت بشكل منهجي من قبل الاستعمار. لذلك يرى فانون أن العنف يمكِّن المستَعمَر من إعادة اكتشاف النفس واستئناف الوجود الذاتي، بالإضافة إلى إعادة هيكلة بلده سياسيًا.

العنف بدون خطة لإنهاء الاستعمار

تقول الكاتبة: «إنّ فانون لا يرى العنف غاية في حد ذاته. فهو يعرب دائمًا عن التكلفة البدنية والبشرية للعنف. ويشدِّد أيضًا على أن ممارسة العنف بدون خطة واضحة لإنهاء الاستعمار، لن يؤدي إلا إلى تعاظم قوة المستعمِر. ويلفت فانون إلى أن العنف لن يقدر على إنشاء هوية وطنية جديدة بعد الإطاحة بالمستعمِرين».

بدون إنكار إمكانية استخدام العنف لأسباب أخلاقية أو غير أخلاقية، فإن فهم فانون للعنف على أنه قوة إبداعية وعلاجية، يحد من سلطة المستعمرين، ويعطينا زاوية الرؤية التي تجعلنا نرى الحركات الثورية حركات تناهض المعتدين، بدلًا عن أن نقيمها طبقًا للمعايير الأخلاقية العالمية.

مع نظرية كوير للعلاقات الدولية وأفكار فانون، تصبح الظروف شيئًا طارئًا ومؤقَّتًا ومتغيرًا. ومن ثم فإنه يضع الشعوب في كفاحها وسياقاتها الزمنية المناسبة، بدلًا عن الحكم على العمل (أو العنف) في حد ذاته.

وتختتم الكاتبة مقالها قائلة: إنّ هذه المناهج التي نوقشت آنفًا تدعم دعوة ميجنولو للمجتمع السياسي العالمي إلى استخدام نظرية «العوالم المتعددة» (التي تفيد بوجود أكثر من حقيقة واحدة مطلقة) عند إعداد مشروعات القضاء على الاستعمار. وهذه النظرية تقودنا إلى مناقشة الهيمنة والتطلُّع إلى مستقبل الذي لا تسيطر عليه مجموعة واحدة من القيم المهيمنة، بل هيمنة لحقائق متعددة قابلة للنقاش طبقًا لملائمتها للظروف.

وهكذا، فعندما نعتبر عنفًا ما أخلاقيًّا بشكلٍ مسبق، في نفس الوقت الذي نرفض فيه عنفًا آخر ونعتبره غير أخلاقي، فتصبح نظرتنا استعلائية كالتي يدينها فانون بكتاباته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى