الذكرى الموجعة

ينحني القلب وجعا، تمضي الأعوام ليأتي هذا اليوم، وصدى الصرخات يملأ الفضاءات. أطفال ملجأ العامرية، نساء وشيوخ ملجأ العامرية. كيف ننسى والجرح يتجدد كل عام. يوم كشرت المجرمة أمريكا عن أنيابها… الأبواب مغلقة. بل محكمة الإغلاق. وخلف الأبواب لا أحد. عويل يتصاعد من بقايا ما تبقى. أشباح تحوم في أرجاء المكان. تضع أصابعها على الجدار مكان أصابع اليدين اللتين تركتا آثارا متفحمة لكفين على الجدار. بقايا لحم متطاير علق في كل مكان، بل وزمان.  وعلق في الذاكرة. هنا يد علقت. هنا عين. هنا أمعاء. هنا شعر لصق. هنا قبور غطاها العشب. سنين طويلة مرت، والعشب يحنو على القبور. وشجرة الصفصاف البابلية تنحني وتسدل شعرها على القبور كافة. وبين الدمعة والدمعة، تمسح على وجه القبور. وبين دموعها، ترفع رأسها للسماء وتردد: أنت تمهل ولا تهمل. شواهد من دون أجساد.

أشباح ترصد المكان. مكان أشبه بلوحة سوريالية، بل يعجز قلم أو ريشة عن تحديد معالم المكان. واقع عصي على المحاكاة. لم يكن الألمان هم من دمر الملجأ، ولم تكن هي الحرب الأهلية في مدينة غيرنيكا الإسبانية، ولكنها لوحة فريدة في التاريخ البشري، أتقن الأمريكان رسمها بالدم والنار والبخار المنصهر، والفجيعة، لوحة فضاؤها أهل ملجأ العامرية.

ففي فجر الثالث عشر من شهر فبراير عام 1991 ، كان الحقد الأمريكي عند الساعة الرابعة وخمس وعشرين دقيقة، قد بلغ مدى أكبر من أن يتصوره عقل خلال عدوان وحشي على العراق… كان الناس المحتمون بالملجأ نائمين آمنين، يعرفون أن الملاجئ تكون عادة محمية، فكانوا يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، الأم، وقد بكى رضيعها، تلقمه ثديها، وهي نصف غافية. الأطفال يأكلون ويشربون ويغتسلون، والأمهات يقرأن الكتب لأولادهن، فينامون مطمئنين بعيدا عن ضجيج الحرب..

ادعت أمريكا بأن الملجأ كان قاعدة عسكرية، وهذا الادعاء باطل، فعلى سطح الملجأ وجدت علامات واضحة ممكن رؤيتها بالعين المجردة وذات حجم كبير جدا، لكي لا تخطئها طائرات العدو فتقصف المدنيين حسب القوانين الدولية! ثم اعترفت لاحقا بأنها معلومات استخبارية خاطئة !!

ففي هذا اليوم، قصفت طائرتان مزودتان بقنابل حارقة موجهة بأشعة الليزر، كل واحدة تزن ألفي رطل، لتصل إلى ملجأ العامرية وتطلق عليه صاروخين من خلال فتحة التهوية الخاصة بالملجأ. الأول أحدث فتحة في الجدار ليمر من خلالها الصاروخ الثاني الذي أحدث ضغطا في داخل الملجأ أغلقت على أثره الأبواب والمخارج، فلا استطاع المحتمون به أن يهربوا، ولا أن يتلقوا مساعدات من الخارج. استشهد في هذه المحرقة الأمريكية ما يقارب ال 400 إنسان، من لحم ودم، نساء وأطفالا ومسنين، وهم محروقون بالكامل، وبقايا جثثب علقت بالجدران، وغيرهم ممن أذابتهم الحرارة العالية فتحولوا إلى ذرات هباء.

الذاكرة تطفح بهذه الجريمة الأليمة، فكيف يمكن أن نمحو هذه الذكرى الحية من كياننا. نكتب ونستعيدها لكي تبقى حية في ذاكرة الأجيال ليدركوا حقيقة السياسة الأمريكية تجاه العرب والمسلمين..

تحية لشهداء العراق، وشهداء سورية ، وشهداء فلسطين، وشهداء اليمن، ولكل بلد تعرض للإرهاب الأمريكي وحلفائه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى