الإعتداءات الإسرائيلية على سورية ليست وليدة اليوم، بل هي مستمرة منذ العقد الأول من الألفية الجديدة و لغاية الآن ، وهي تندرج تحت استغلال وضع سورية الصعب، لإنهاء الدور الإقليمي واللبناني لسورية وتقليص نفوذها الى أدنى حدٍّ من خلال مطالبة القيادة السورية بتنفيذ مجموعة شروط قاسية كثمن مسبق تدفعها لبدء مفاوضات سلام رسمية بين البلدين، ذلك أن الأمور الجوهرية التي كانت تركز عليها كل الحكومات الصهيونية في تعاطيها مع الدولة السورية ، تتمثل في فك تحالفها مع إيران الساعية إلى أن تصبح قوة إقليمية ،والمطالبة، بصوت قادتها، بإزالة الدولة العبرية من الوجود، وتصميمها كذلك على وقف كل أنواع المساعدات والدعم إلى «حزب الله» وسائر التنظيمات والقوى الفلسطينية ومراكزها في الأراضي السورية ،التي تطرح قضية الجهاد من أجل تحرير فلسطين من النهر إلى البحر .
ومن هنا، ليس مستغرباً أن تتزامن، وتشتد الهجمات والتفجيرات الإرهابية شراسةً ومثلها الاعتداءات الإسرائيلية في وعلى الأرض السورية «لخنق» أي حلّ سياسي للأزمة في سورية قد يرى النور.. أعمال إرهابية لا يصحّ وضعها إلا تحت عنوان «الإرهاب المفلس» بشقيه الصهيوني و القاعدي،الذي تصدّت له الدولة الوطنية السورية، وأسقطته بصمودها، بكل اقتدار وحكمة، وحرفت من خلال هذا التصدي والصمود البطولي البوصلة الاستعمارية عن وجه سورية، مع ما أوقفته بمقاومتها من إرهاب أسود كان مخططاً له بدقة أن تتدحرج كرته الملتهبة إلى بنية الوطن العربي كاملاً، في أخطر مشروع تقسيمي وتجزيئي في العصر الحديث.
مرّة أخرى تتعرض سوريا إلى عدوان صهيوني جديد، حين أطلقت طائرات حربية إسرائيلية عدداً من الصواريخ من المجال الجوي اللبناني فجر الإربعاء7شباط الجاري ،مستهدفة موقعاً للجيش السوري في منطقة ريفية قرب دمشق، قرب جمرايا التي تبعد نحو 10 كيلومترات شمال دمشق، وتضم مركزاً للبحوث العلمية مرتبطا بوزارة الدفاع ومستودعات أسلحة لقوات الجيش العربي السوري.
وأعلنت قيادة الجيش السوري في بيان لها،جاء فيه: «أقدم طيران العدو الصهيوني في الساعة 03:42 من صباح اليوم، بإطلاق صواريخ عدة من داخل الأراضي اللبنانية على أحد مواقعنا العسكرية بريف دمشق، وتصدت له وسائط دفاعنا الجوي ودمرت معظمها». ولم يذكر الجيش تفاصيل عن أي أضرار أو ضحايا.وأضاف «القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة تؤكد جاهزية قواتنا المسلحة للتصدي لأي اعتداء وإحباطه، ومواصلة حربها على الإرهاب حتى القضاء عليه، وإعادة الأمن والاستقرار إلى كل الأراضي السورية، وتحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن التداعيات والعواقب الخطرة لمغامراتها العدوانية المتكررة وغير المحسوبة».
وأتت هذه الغارات الصهيونية على موقع بريف دمشق، بعد ساعات على زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مرتفعات الجولان السورية المحتلّة الثلثاء6شباط الجاري ، وإطلاقه تحذيراً جديداً لـ «أعداء اسرائيل» من الإقدام على «اختبار» قوتها. ونادراً ما تعترف إسرائيل بشنّ الهجمات، لكنها كرّرت مراراً أنها لن تسمح لإيران بترسيخ وجودها العسكري في سورية، أو بأن تكون لـ «حزب الله» اللبناني أسلحة في سورية من شأنها أن تهدد أمن إسرائيل.
ورفض زعيم حزب المستوطنين «البيت اليهودي» وزير التعليم نفتالي بينيت التعليق على الاتهامات السورية، غير أنّه أكد في حديث إلى الإذاعة العبرية يوم الإربعاء الماضي ، إن إسرائيل تنفذ عمليات هجومية حالياً «كي تمنع تهديدات قد تنشأ في المستقبل أمام ناظريها». وأضاف أنه لا يتوقع حرباً على الحدود مع لبنان وسورية، لكنه شدد على أن تل أبيب «تعمل كل ما يلزم من أجل تفادي الحرب، وعليه تقوم بعمليات هجومية وقائية».
ويعيش الكيان الصهيوني هذه الأيام حالة من الخوف والقلق تتبين من خلال تصريحات قادته، والمناورات التي يجريها مع الولايات المتحدة، ففي وسط التوترات العالية على الجبهتين الشمالية والجنوبية اللتين تحتلهما إسرائيل في سورية ولبنان، تنتشر قوات أميركية وتنصب منظومات دفاعية مضادة للصواريخ في جميع أنحاء البلاد قبل التدريب العسكري (الكوبرا جونيبر) الذي يجري كل عامين. حيث قال بيان صادر عن وحدة المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي: (إن هذه المناورات هي جزء من استراتيجية طويلة الأجل وجزء من التعاون المستمر بين الجيشين الإسرائيلي والأمريكي). ومن جهته كتب المحلل العسكري الإسرائيلي (اليكس فيشمان) مقالاً نشرته صحيفة (يديعوت احرنوت) الإسرائيلية عبر موقعها الالكتروني الأحد الماضي، في 4 كانون الثاني2018، يفصل فيه عن صواريخ أرض أرض الجديدة التي ادخلت للجيش الإسرائيلي. وأوضح أنه منذ عشرات السنوات تناقش المؤسسة الأمنية مدى الحاجة إلى ذراع لاستخدام صواريخ أرض – أرض مداها بين 100 و300 كيلو متر.
لقد تزامن هذا العدوان الصهيوني الجديد ، مع تزايد اعتداءات التنظيمات الإرهابية المسلحة وإطلاقها ما يزيد على ألف قذيفة صاروخية وقذيفة هاون خلال الأيام القليلة الماضية على الأحياء والضواحي السكنية والبعثات الدبلوماسية والمنشات الخدمية والكنائس في مدينة دمشق ومدن أخرى حيث تسببت هذه الاعتداءات باستشهاد عشرات المدنيين وجرح المئات معظمهم من النساء والأطفال، حسب البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية والمغتربين السورية.
كما أن العدوان الصهيوني الجديد يأتي في سياق تطورات شهدتها الساحة السورية خلال الفترة القليلة الماضية، ومنها:
أولاً:الهجوم الاستراتيجي المستمر الذي يقوده الجيش العربي السوري وحلفاؤه في مثلث أرياف ادلب حلب حماة والذي حرر خلاله عشرات البلدات والقرى ومطار أبو الضهور الاستراتيجي والحيوي وكذلك بلدة ابو الضهور المهمة، وبات الجيش السوري والحلفاء على أبواب مدينة سراقب الاستراتيجية في محافظة ادلب والتي يشكل تحريرها المنطلق للاتجاه نحو فك الحصار عن مدينتي كفريا والفوعة والعمل على خوض معركة تحرير واستعادة مدينة ادلب، معقل تنظيم «القاعدة » الإرهابي،متمثلاً بفرعها السوري «جبهة النصرة» و التنظيمات الإرهابية و التكفيرية الأخرة التي تدور في فلكها.
ثانيًا: انزعاج الولايات المتحدة الأميركية من مؤتمر سوتشي في روسيا الذي خرج بنتائج تشكل انتصارا سياسيا لوجهة نظر الدولة الوطنية السورية وحلفائها، حيث تم الاتفاق على تطبيق مقررات فيينا وقرار مجلس الأمن رقم 2254 بالحفاظ على سيادة واستقلال سورية ووحدتها أرضها وشعبا. ولم تُخف واشنطن موقفها حتى قبل أن ينعقد مؤتمر سوتشي ، فدعوتها لاجتماع فيينا، ومُشاركتها باجتماع باريس، ومُحاولتها استعادة اللعب بورقة الكيماوي المُلفقة، وإصرارها على الذهاب لمجلس الأمن، كلها حركاتٌ مفضوحة عبرت من خلالها عن الانزعاج، وستُحاول تعويض فشلها مُجتمعة بمُحاولة العبث بالمُخرجات بعد عجزها عن التعطيل، وهو ما لن يُسمح به.
تستحضر الولايات المتحدة الأميركية سلاح الإرهاب الإسرائيلي كأداة في عدوانها على سوريا، بعد أن ظهر جلياً خلال الأيام والأسابيع الماضية عجز الولايات المتحدة عن كبح عجلة الانتصارات السورية التي بدت متسارعة بشكل واضح رغم الإرهاب الأميركي الحاضر على الساحة السورية, عبر قذائف الإرهابيين التي لا تزال تمطر العاصمة دمشق، والورقة الأميركية التي طرحتها واشنطن لفرض الوصاية الدولية على سورية والتي عرفت بـ(الورقة الخماسية)، ومحاولاتها إجهاض مؤتمر الحوار السوري في سوتشي، بالإضافة الى دفعها (ورقة الكيماوي) الى الواجهة وما سبق ذلك من إعادة إنتاجها لإرهابييها المهزومين بأسماء وأقنعة ورايات مختلفة .. كل ذلك هو جزء من المخطط الأميركي لإنقاذ أدواتها في الداخل وضرب حوامل الواقع المرتسم على الأرض.
ثالثًا: في تاريخ 3 شباط عام 2018 تحطمت طائرة حربية روسية من طراز سو 25 عندما كانت تحلق في منطقة خفض التوتر فوق إدلب تلك المنطقة التي يسيطر عليها ميليشيا «هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقاً) التي أعلنت مسؤوليتها عن العملية، وهو ما يزيد الأمر تعقيداً ويضع روسيا في مواجهة مع تنظيم «القاعدة». ولم تتورع الولايات المتحدة عن تزويد «جبهة النصرة » الإرهابية بمنظومة دفاع جوي مضاد للطائرات محمولة على الكتف حيث تم استخدامها لإسقاط طائرة روسية من طراز سو-25، ومصرع طيارها الذي لقي حتفه على الأرض بعد هبوطه من طائرته المحطمة. فاستخدام هذا النوع من الصواريخ الأميركية المضادة للطائرات، مع أن أميركا نفت أن تكون قد سلمتها لجبهة النصرة، لا يمكن أن يصل الى هذا التنظيم الإرهابي من أي جهة أخرى حليفة لواشنطن من دون إذن أميركي،أو بالأحرى من دون قرار أميركي.
وردا على تلك الحادثة جرى قصف روسي مكثف لذلك التنظيم بأسلحة بالغة الدقة في المنطقة التي تسيطر عليها جبهة النصرة الإرهابية في محافظة إدلب حيث أطلق الصاروخ على الطائرة الروسية سو-25 ما أفضى إلى مصرع أكثر من 30 مسلحا من كوادر جبهة النصرة. ومنذ بدء التدخل الروسي في أيلول عام 2015 لمحاربة الإرهابيين الذين تلقوا الدعم والمؤازرة الأميركية فقدت روسيا أربع طائرات مقاتلة وأربع طائرات هوليكبتر. ولقد تم تصميم سو -25 لتدمير الأهداف الأرضية الثابتة والمتحركة المحدودة الحجم، فضلا عن الأهداف الجوية المنخفضة السرعة.
ويحمل الإعلان الروسي في طيّاته مقدّمات محتملة لعملية عسكرية واسعة النطاق في إدلب ضد «جبهة النصرة» («جبهة فتح الشام» حالياً، والمكون الأساسي في «هيئة تحرير الشام»)، بعدما كانت موسكو أكدت مطلع العام أن هدفها المقبل في سورية هو القضاء على التنظيم.وحذّر الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف من أن «المصدر الرئيس لعدم الاستقرار في سورية، وليس في إدلب فحسب، يبقى جبهة النصرة فرع القاعدة». وأضاف: «ما يدعو الى القلق هو حصول إرهابيي النصرة على منظومات مضادات طيران محمولة يمكن أن تستخدم ليس فقط في سورية وضد الطائرات العسكرية»، معتبراً أن «تنظيم القاعدة أداة مطيعة في أيدي الدول المتقدمة تكنولوجياً غير الراضية عن الدور الرئيس لروسيا في تحرير سورية».
رابعًا:احتدام الصراع بين حلفاء الولايات المتحدة الأميركية ،الجيش التركي الغازي وحزب العمال الكردستاني (PKK) والوحدات المرتبطة به المسيطرة على عفرين في شمال سوريا،والذي تجسد في العدوان التركي على مدينة عفرين السورية بذريعة منع إقامة كيان كردي انفصالي على الحدود مع تركيا يشكل تهديدا للأمن القومي التركي.. ويرى مراقبون أن العملية العسكرية التركية في عفرين وبالهدف الحقيقي لها ستؤثر بشكل مباشر على العلاقة بين أنقرة وواشنطن وقد وصلت في الآونة الأخيرة إلى الحضيض، وغالباً يفسر أسباب هذا الصدع في العلاقة بتزايد استبداد أردوغان وتعليقاته المعادية للأجانب، لكن ثمة من يرى أن القادة الأمريكيين أخفقوا مراراً وتكراراً في الوفاء بوعودهم لتركيا بخصوص «حزب الاتحاد الديمقراطي» وإزالة قلق اردوغان بشأن توسّعه.
أخيرًا، العدوان الصهيوني الجديد هو جزء من الاستراتيجية الأميركية المستمرة التي تعمل على دعم إرهابيي «جبهة النصرة» من خلال حصولهم على منظومات الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف والتي يمكن استخدامها في سورية وخارجها، بهدف استنزاف روسيا و الجيش العربي السوري، و إطالة أمد الحرب ، ومنع تقدم الجيش العربي السوري الكبير في جبهات الشمال ، لا سيما في ضوء التصميم السوري-الروسي على تحرير مدينة إدلب، بينما يكمن مخطط أميركا الوحيد في سوريا، في رفض التسوية السياسية للأزمة السورية، و العمل على تقسيم سوريا.