هكذا خططت الاستخبارات البريطانية لاطاحة عبد الناصر في عقد الخمسينات

كشفت وثائق سرية أفرج عنها الأرشيف البريطاني في ايلول الماضي، فتح السير ستيوارت منزيز، مدير جهاز إم آي 6، في مرحة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حسابا سريا يتم تمويله مقابل تنفيذ عمليات نوعية لزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واستخدم هذا الحساب السري من أجل تمويل عمليات سرية التي تتمثل في عمليات اغتيال وإطاحة بنظم الحكم التي اعتُبرت حينها مزعجة للبريطانيين.

وظل هذا الحساب السري، الذي كان يضم مبلغا بقيمة 1.4 مليون جنيه إسترليني (أي ما يعادل تقريبا 39 مليون جنيه إسترليني في الوقت الحالي)، مخبأً بعيدا عن أعين المسؤولين الحكوميين، وحتى من المدير المالي في جهاز الاستخبارات نفسه.

وحذرت الوثائق من أن هذا التمويل قد أعطى الفرصة لرئيس الاستخبارات البريطانية القوي، المعروف حركيا بلقب “سي”، بتنفيذ سياسته الخارجية غير الرسمية.

وتنص الوثائق على أن “استخدام ’سي’ لمثل هذا التمويل غير الرسمي من دون الحصول على موافقة مسبقة من وزارة الخارجية، كان على وشك من أن يمكنه من تنفيذ سياسات غير تلك التي وافقت عليها وزارة الخارجية ومن دون علمهم”.

وأوضحت الوثائق أن صندوق التمويل السري قد أُنشأ فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، وقال السير ستيوارت حينها إن الأموال تم الاحتفاظ بها في حال احتاج إلى تقديم رشوة للمسؤولين الأجانب أو حماية دوائر الخدمة السرية من خفض الميزانية.

ولا تزال مصادر تلك الأموال التي احتفظ بها السير ستيوارت لتمويل عمليات الاغتيال وزعزعة استقرار الشرق الأوسط، يشوبها الغموض، ولكن يتكهن الخبراء أن تكون الولايات المتحدة قد ساعدت في هذه الاستراتيجية.

وتشير الملفات السرية إلى عمليات تحت مسمى “سانت” و”سكريم” و”سوداست” و”ستراغل”، وإرسال فرق سرية خاصة ضد السودان وعمان ولبنان وسوريا ومصر. وقد تم إنفاق حوالي 200 ألف جنيه إسترليني فى عملية “سوداست” من أجل التخلص من الرئيس المصري حينذاك جمال عبدالناصر.

وكانت عملية “سوداست” تقوم على نشر الأخبار الكاذبة وتبني استراتيجية دعائية تهدف إلى التأثير على الروح المعنوية للمصريين، ودفعهم إلى الثورة على عبدالناصر، في وقت كانت الإمبراطورية البريطانية تتحلل عمليا.

واستخدم في هذه العملية صحافيون وإعلاميون، بالإضافة إلى قوى سياسية ودينية كبيرة في مصر، لكنها في نهاية المطاف لم تأت بأي أثر.

وكان عبدالناصر قد خرج للتو منتصرا من حرب السويس، التي ينظر إليها على نطاق واسع بين الخبراء البريطانيين باعتبارها نقطة التحول الرئيسية في مسار تراجع الإمبراطورية البريطانية بشكل متسارع. وشعر السير منزيز وقتها أن مرحلة ما بعد السويس ستشكل ضربة قاصمة بالنسبة لوكالة إم آي 6.

ويقول ليال “يمكن تلخيص قدرة الاستخبارات البريطانية في أن جذورها تعود إلى حملة مدبرة وبسيطة من الأخبار الزائفة، حيث جعل الخيط بين الحقيقة والخيال ضبابيا بشكل متعمد لأسباب سياسية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى