“القوة الحادة” تشكل مع القوتين الصلبة والناعمة مثلث السيطرة والنفوذ

اذا ما أردنا تعريف القوة “الحادة” فلابد من المرور على القوتين (الصلبة – الناعمة) سريعا، لندرك ماهية القوة “الحادة” بسلاسة.

وهنا يأتي المثل الشهير لفهم الفرق بينهما، “اذا كان شخص ما يضع بندقية على رأسك ويطالبك باعطائه محفظتك، فذلك يدل على أن السارق لا يهمه ما تريده أو ما تفكر به، وهذه الاستراتيجية هي ما يطلق عليها بالقوة “الصلبة”، أما اذا كان الشخص يحاول اقناعك بالتخلي عن محفظتك بملئ ارادتك، فذلك يعني أن القرار في تلك اللحظة يعود بالأساس الى ما تريده أو ما تفكر به، وتسمى هذه الاستراتيجية بالقوة الناعمة.

وفي السياسة الدولية يمثل مصطلح القوة الناعمة قدرة التأثير على الآخر من خلال الجذب والاقناع بدلا من استخدام القوة القسرية، التي تشمل اعتماد الاكراه.

وعلى هذا الأساس تدخل القوة العسكرية والحرب الاقتصادية في قائمة القوة “الصلبة” وعلى الجانب الآخر يدخل كل ما يبث عبر شاشات التلفزة والاعلام على اختلافه وكافة الفنون وأبرزها السينما والمسرح في دائرة القوة “الناعمة”.

وبما أننا قمنا بتوضيح كلتا القوتين الناعمة والصلبة فيما سبق بات من الأهون علينا إيصال فكرة القوة الحادة التي تعدّ واحدة من أهم القوى المتّبعة في عصرنا الراهن.

“القوة الحادة” مصطلح جديد يصف حربا قديمة ما تزال حاضرة حتى اليوم، ابتكره “كريستوفر ووكر جيسيكا لوديغ” من المؤسسة الوطنية للديمقراطية للإشارة الى حرب المعلومات التي تقودها القوى الكبرى الاستبدادية اليوم، باستخدام أدوات متعددة في فرض هيمنتها من دون استخدام القوة المباشرة، مثل توظيف المعلومات الزائفة “الشائعات” لأغراض عدائية وهذا ما لجأت اليه الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، وخلال ثمانينيات القرن الماضي، نشر جهاز الاستخبارات السوفيتية شائعات تفيد بأن الايدز كان نتاج تجارب أجرتها الحكومة الامريكية بالأسلحة البيولوجية، وقد بدأت الشائعات من خلال بعث رسالة مجهولة المصدر الى صحيفة نيودلهي الناشئة ثم تم نشرها عالميا عن طريق إعادة صياغة هذه المعلومة وتكرارها بصفة مستمرة.

كما انها استخدمت من قبل الحكومات الاستبدادية منذ فترة طويلة في صناعة الاخبار المزيفة والاضطرابات الاجتماعية للحد من جاذبية الديمقراطية.

عندما يصبح الأمر منوطا بخدعة ما، وهو ما يحد من الخيارات العفوية، فإنه يصبح نوعا من الاكراه، بناءا على ذلك، فإنه المعيار المعتمد للتمييز بين القوة الناعمة والقوة الحادة، ولكن لسوء الحظ ليس من السهل دائما ملاحظة الفرق بين القوتين.

واذا ما ذكرنا أعلاه بأن الاعلام يعد قوة ناعمة، الا أنه يختلف عندما تدعم دولة ما بالسر مؤسسات إعلامية في بلدان أخرى، فهي بذلك تستعمل القوة “الحادة” ما يستوجب الكشف عن مثل هذه الممارسات، فدون الكشف المتكامل يتم انتهاك مبدأ العفوية والتطوع، وينطبق هذا التمييز على الدبلوماسية الامريكية عندما مولت الأحزاب المناهضة للشيوعية سرا في الانتخابات الإيطالية سنة 1948، فيما قدمت وكالة المخابرات المركزية الدعم لكونغرس الحريات الثقافية بشكل سري أيضا. وهو ما يعد استخداما صريحا للقوة الحادة.

ولكن هنا لابد من التمييز، فلا يمكن تصنيف كل أشكال الدعم الحكومي للمؤسسات التعليمية أو الإعلامية تهديدا للقوة الحادة بالضرورة، فبعض تلك المؤسسات رغم حصولها على الدعم لكنها تتمتع باستقلالية بما فيه الكفاية لتبقى أداة قوة “ناعمة” وينحصر تأثيرها بشفافية ومصداقية عالية، ولكن عندما يتجاوز الدعم حدوده بالتعدي على مساحة انفتاحها المتبعة يصنف على أنه أداة للقوة “الحادة”.

خلاصة الكلام: في محاولة لوصف القوة “الحادة” نشرت مجلة “الايكونوميست” كلمة افتتاحية تحت هذا العنوان للتركيز على السلوك الصيني الذي يتسم بالصرامة والصلابة والإصرار والقدرة على فرض ما يحقق مصالح الصين بحسم وبإيقاع منضبط ومرن في آن واحد، دون استخدام العنف بالرغم من امتلاكها للقوة العسكرية فهي تهدف أن تكون قادرة على تأمين الحماية الجادة لعنفوانها أو القوة البازغة حسب وصف البعض، والغاية من اطلاق هذا المصطلح هو ما يلخص القوة الصينية وتمددها الكوني المرعب لواشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى