العدوان الصهيوني على سوريا لنجدة “جبهة النصرة”

 

في ضوء مواصلة الجيش العربي السوري وحلفائه الحرب ضد التنظيمات الإرهابية في ريف محافظة إدلب الخاضع لسيطرة “جبهة النصرة” وأخواتها، حيث تمكنت القوات العاملة السورية هناك من تحرير أكثر من 60 قرية في ريف محافظة أدلب الجنوبي منذ 22 أكتوبر/تشرين الأول 2017، كما تمكنت وحدات من الجيش بالتعاون مع القوات الرديفة بريف حماة الشمالي الشرقي من استعادة العديد من القرى والقضاء على أعداد كبيرة من الإرهابيين وتدمير أسلحتهم.‏

وفي ذروة الانكسارات والهزائم التي تتلقاها الجماعات الارهابية المرتبطة بالكيان الصهيوني في غوطة دمشق الغربية حيث حرّر الجيش العربي السوري وحلفاؤه  منطقة الغوطة الغربية في ريف دمشق الجنوبي الغربي، وتم طرد “جبهة النصرة” الإرهابية من بلدتي بيت جن ومغر المير الشهر الماضي، ونقل مسلحيها الذين تتراوح أعدادهم بين 250 إلى 700 مسلح، في عشرات الحافلات إلى محافظة إدلب، إضافة إلى استعاد الجيش العربي السوري والحلفاء مناطق في جبل الشيخ والقنيطرة وحضر وغيرها من المناطق على حدود الجولان المحتل، فضلاً عن جزء من المنطقة المحاذية لتواجد واحتلال العدو الصهيوني، في أواخر شهر كانون الأول/ديسمبر2017.

وبعد أن تم إحباط آخر محاولات الإرهابيين المتمركزين في الغوطة الشرقية لدمشق (“جبهة النصرة”، و”فيلق الرحمن”، و”جيش الإسلام”)، لتعكير استقرار وأمن العاصمة دمشق على محور إدارة المركبات في منطقة حرستا، أو على جبهة إدلب، حيث يتقدم الجيش العربي السوري سريعاً جارفاً في طريقه كل المخلفات الإرهابية المرتبطة بإسرائيل وأمريكا وعملائهما في المنطقة.‏ ‏

بعد كل هذه الإنجازات المتتالية التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في مواجهة التنظيمات الإرهابية، لا سيما “جبهة النصرة”، شن طيران العدو الصهيوني ثلاثة اعتداءات متتالية على أراضي الجمهورية العربية السورية فجر الثلاثاء 9 كانون الثاني/يناير الجاري، في تأكيد جديد على الارتباط الوثيق بين كيان العدو الصهيوني والتنظيمات الإرهابية التكفيرية. وأصدرت  القيادة العامة للجيش العربي السوري بيانًا، جاء فيه، أن طيران العدو الإسرائيلي قام عند الساعة 2:40 فجر الثلاثاء الماضي بإطلاق عدة صواريخ من فوق الأراضي اللبنانية باتجاه منطقة القطيفة بريف دمشق حيث تصدت لها وسائط دفاعنا الجوي وأصابت إحدى الطائرات.‏‏ وأضافت القيادة العامة للجيش: في الساعة 3:04 كرر العدو الإسرائيلي عدوانه بإطلاق صاروخين أرض/أرض من منطقة الجولان المحتل تصدت لهما وسائط دفاعنا الجوي وأسقطتهما.‏‏ وتابعت القيادة العامة للجيش: إن طيران العدو الإسرائيلي عاود عند الساعة 4:15 عدوانه بإطلاق 4 صواريخ من منطقة طبريا داخل الأراضي المحتلة حيث تصدت لها وسائط دفاعنا الجوي ودمرت صاروخاً وسقط الباقي قرب أحد المواقع العسكرية ما أدى إلى وقوع خسائر مادية.‏‏ وأشارت القيادة العامة للجيش إلى أن هذا العدوان السافر يؤكد من جديد دعم “إسرائيل” للمجموعات الإرهابية المسلحة ومحاولاتها اليائسة لرفع معنوياتها المنهارة إثر الضربات الموجعة التي تتلقاها في منطقة حرستا بالغوطة الشرقية والانتصارات الساحقة التي يحققها الجيش العربي السوري في إدلب.‏‏

وجددت القيادة العامة للجيش العربي السوري تحذيرها من التداعيات الخطيرة لمثل هذه الأعمال العدوانية وحملت “إسرائيل” كامل المسؤولية عن تبعاتها مؤكدة جهوزيتها الدائمة للتصدي لهذه الاعتداءات ومواصلة الحرب ضد التنظيمات الإرهابية وبتر أذرع “إسرائيل” الإرهابية وإعادة الأمن والاستقرار إلى جميع أراضي الجمهورية العربية السورية.‏‏ وكانت وسائط الدفاع الجوي في الجيش تصدت في الثاني من كانون الأول /ديسمبر 2017لاعتداء كيان الاحتلال الإسرائيلي بصواريخ أرض – أرض على أحد المواقع العسكرية في ريف دمشق (مركز البحوث بجمرايا) ودمرت صاروخين منها.‏‏

يأتي العدوان الصهيوني الجديد بأطواره الثلاثة على مواقع الجيش العربي السوري، في ضوء الإنجازات المتواصلة والواسعة التي أنتجها صمود الدولة الوطنية السورية القائم على رسوخ تماسك الشعب والجيش والقيادة الذي فرض قراءات جديدة للواقع، وتفاعلات قويّة وصادمة لمخطط الاعتداء على مصالح الشعب وقضايا الوطن والأمة، صمود يحطم شعار “الشعب يريد” الذي انطلق منه المشهد الاحتجاجي العربي ليتأكد فيما بعد أن: العدو هو الذي يريد.

كما أن هذا العدوان الصهيوني، يؤكد مرّة أخرى، على محاولات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وحلفاؤهما وأدواتهما الإرهابية تأجيج الأوضاع الميدانية في سورية وجوارها مرّة بالعدوان عبر الوكالة، ومرة بالعدوان المباشر، لا سيما أن العدوان الذي قام به الكيان الصهيوني على سورية لم يكن إلا الترجمة الجديدة لمخططات هذا الكيان وانزعاجه من تطورات الميدان السوري التي رجحت كفتها بصورة متسارعة لمصلحة الدولة الوطنية السورية وخسارة التنظيمات الإرهابية للعديد من الأوراق التي كانت تلعب بها.‏ ‏

العدوان الصهيوني يعكس في أحد وجوهه مرارة الهزائم التي منيت بها التنظيمات الإرهابية على امتداد الساحة السورية، وسقوط الخيار العسكري الذي انساقت فيه لتحقيق أهداف المخطط الأمريكي – الصهيوني المتمثلة في إسقاط الدولة الوطنية السورية، وتفتيت سوريا إلى دويلات صغيرة  قائمة على أساس طائفي ومذهبي وعرقي، وانسداد أفق المسار السياسي أمام هذه التنظيمات الإرهابية أيضاً، وبالتالي هزيمة المشروع الأمريكي –الصهيوني- الرجعي العربي على صخرة صمود الدولة الوطنية السورية، وأخيراً سقوط مشروع التنظيمات الإرهابية بالكامل شعبياً وإقليمياً ودولياً، بعد أن تعرّت عقائدياً وعسكرياً وسياسياً، لجهة ارتباطها العضوي بمعسكر الإمبريالية الأمريكية و الكيان الصهيوني والأنظمة الرجعية العربية والنظام التركي، وهي الأطراف الدولية والإقليمية المتورطة حتى النخاع في الأزمة السورية، والتي نشرت الفوضى الهدامة في طول المنطقة وعرضها، واستخدمت التنظيمات الإرهابية، لتفجير الصراعات الطائفية والدينية والعرقية في كل إقليم الشرق الأوسط، على مدى السنوات السبع الماضية.‏‏

وليس غريباً على إسرائيل وأمريكا هذا النهج العدواني الخطير الذي تتبعانه في آلية التعاطي مع أحداث المنطقة وأزماتها، فهما من نشرا الفوضى الهدامة في طولها وعرضها ولكن واشنطن وربيبتها إسرائيل وتنظيماتهما التكفيرية لا يعلمون جميعهم أن اعتداءاتهم المتكررة على سورية ومحاولة تفجير المزيد من الأزمات في المنطقة لم ولن تنجح في تحقيق أهدافهم المشؤومة بتقسيم المنطقة وتفتيتها بفضل صمود شعوبها بوجه هذه المخططات التفتيتية الهدّامة.‏ ‏

إن تدفق الأدلة التي تؤكد علاقة إسرائيل بهذه التنظيمات يعري الكذبة القائلة بأن بعضها معتدل وبعضها الآخر متطرف فجميعها تندرج في خانة الإجرام والإرهاب ضد سورية لمجرد ارتباطها بإسرائيل وهي أولاً وأخيراً تخدم غاياتها وتحقق مراميها وهذا بطبيعة الحال يعيد طرح السؤال القديم المتجدد عن مطامح الغرب “حليف إسرائيل” في سورية ليدعم هذه التنظيمات التي باتت أعمالها الإرهابية ومغالاتها في التطرف محط سؤال العالم كله وهو أمر يترك أيضا إشارة استفهام كبيرة عند وضع الولايات المتحدة لـ “جبهة النصرة” على قائمة الإرهاب فيما تدعمها بالسلاح والمال والتدريب على أطراف سورية حسبما أفاد به حليفها السابق تنظيم “الجيش الحر” الإرهابي الذي تشرف الولايات المتحدة على تدريب مجموعاته الإرهابية.

لقد كشفت الأزمة السورية ذات الأبعاد الإقليمية والدولية طيلة السنوات السبع الماضية، أن التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، وبغض النظر عن ميولها الأيديولوجية، لعبت دور الأدوات في تنفيذ المخطط الأمريكي – الصهيوني، الذي كان ولا يزال يستهدف إسقاط الدولة الوطنية السورية، ومنع تبلور أي محور جديد من المقاومة في كل لإقليم الشرق الأوسط. في النتيجة النهائية تتشابه التنظيمات الإرهابية في الامتناع عن إدراج محاربة كيان العدو على لائحة أولوياتها، فيما يلجأ بعضهم إلى التعامل معه كما تفعل هذه الأيام “جبهة النصرة” وأخواتها في جنوب سورية وريف القنيطرة تحديداً، حيث تستخدمهم إسرائيل للعب دور “حزام أمني سلفي” يقوم بوظيفة حماية حدودها في منطقة الجولان ذات الأهمية الاستراتيجية الفائقة.

إنّ الدارس لأدبيات التيارات السلفية (العلمية والجهادية والسياسية) يجد تنوّعاً في طريقة تبرير الإحجام عن محاربة الكيان الصهيوني، لكنها تكاد تتفق على شطب هذا الأمر من سلّم أولوياتها. ويكرّس منظّر تنظيم “القاعدة” عمر عبد الحكيم “أبو مصعب السوري”، صفحات قليلة من كتابه الموسوعي المؤلف من 1600 صفحة، للعناوين التالية: “انطلاق البرنامج التلمودي الإسرائيلي، مؤتمر يالطا والحضور اليهودي، تسلط اليهود على أوروبا وأمريكا، مؤتمر بازل 1897، وهزائم العرب والمسلمين في منتصف القرن العشرين”.

لكنه يخصص أسطراً قليلة للقضية الفلسطينية، حيث يقول: “يؤمن الجهاديون كافة.. بأنّ فلسطين جزء من العالم الإسلامي من النهر إلى البحر، وبأنّها حق واجب في عنق أجيال الأمة وأنّ الجهاد فرض لاسترجاعها. وهم يرفضون مبادئ الصلح والتطبيع والسلام مع اليهود” (“دعوة المقاومة الإسلامية العالمية”، ص. 793). إلا أنّ عبد الحكيم لا يتطرّق في كتابه إلى تجربة الجهاد ضد الكيان الصهيوني، وذلك برغم حرصه على التأريخ للحركات الجهادية في العالمين العربي والإسلامي، في النصف الثاني من القرن العشرين، وصولاً إلى العام 2004.

التبرير الأوضح صدر عن د. عبد الله عزام، الذي يشدد على البدء بالجهاد بأفغانستان قبل فلسطين، وإن كان لا ينفي بأنها: “قضية الإسلام الأولى وقلب العالم الإسلامي وهي الأرض المباركة”. يورد عزام حججه التي تجعل الجهاد في أفغانستان أولوية على الشكل التالي: “أولاً، “إنَّ الذين يقودون الجهاد في أفغانستان هم أبناء الحركة الإسلامية وليسوا “خلطاء” منهم المسلم الصادق ومنهم الشيوعي ومنهم المسلم المعادي كما هو الحال في قيادة المقاومة الفلسطينية. ثانياً، إنّ الراية في أفغانستان إسلامية واضحة. ثالثاً، إنّ القضية في أفغانستان ما زالت بيد المجاهدين، وما زالوا يرفضون المساعدة من الدول المشركة، بينما اعتمدت الثورة الفلسطينية كلياً على الاتحاد السوفياتيّ. رابعاً، إنّ حدود أفغانستان مفتوحة أمام المجاهدين، أما في فلسطين فالحدود مغلقة والأيدي موثقة” (“الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان”، ص. 16ـ17).

السبب الرئيسي إذاً في تقديم الجهاد في أفغانستان على فلسطين يعود إلى أنّ “الأغيار” قد سبقوا السلفية إلى النضال والثورة في فلسطين، فانتفت بذلك أولوية البدء بالجهاد من أجل أولى قضايا الاسلام وأرضه المباركة وقلب عالمه.

أما بالنسبة لموقف السلفية السياسية في مصر من العلاقة مع الكيان الإسرائيلي، فقد شكّل لقاء رئيس “حزب النور” السلفي لشؤون الإعلام نادر بكار بوزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني في “جامعة هارفرد” في نيسان 2017، صدمة في الأوساط المصرية. هذه الواقعة دفعت ببعض الصحافيين إلى التعليق بالقول: “يحرّمون معايدة الأقباط، لكنهم يصافحون ليفني”.

يبدو السلفيون على اختلاف مشاربهم كمن يتعمّد صرف اهتمام العرب والمسلمين عن محورية القضية الفلسطينية، كونها تنافس جهادهم. بهذا السلوك تسير المجموعات السلفية بعكس إجماع الفقهاء وبخلاف ما شدّد عليه أبرز قادتها ومنظّريها. فعن “جواز الاستعانة بالكفار” يستعرض د. عزام شروطاً للفقهاء الأربعة وأبرزها: “أن يكون المسلمون أقوى من مجموع المشركين الذين استعانوا بهم والمشركين الذين يقاتلوهم. وبعضهم كمالك والشافعي اشترط أن يكونوا أي المشركين خدماً للمسلمين”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى