اردوغان يرغب بزعامة المسلمين ولكن مصالحه الاسرائيلية ومنافساته العربية تخذلانه

توّضح عدة مؤشرات وجود رغبة لدى أردوغان بتقديم نفسه زعيماً إسلاميا في مواجهة إسرائيل وترامب، لكن عبئاً ثقيلاً يكبلّه، خاصة اتفاقيات التعاون بين أنقرة وتل أبيب، ونظرة الشكّ التي تواجهه بها الكثير من الأنظمة العربية.

مرة أخرى، يتصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المشهد الإسلامي كواحد من أكبر المندّدين بالسياسات الإسرائيلية والأمريكية في موضوع النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، فقد كان صاحب اللهجة الأقوى بين أغلب زعماء العالم الإسلامي عندما قال إن القدس خط أحمر رداً على خطوة ترامب الاعتراف بهذه المدينة التاريخية عاصمة لإسرائيل،  ووصف أردوغان هذه الأخيرة في القمة العاجلة لدول منظمة المؤتمر الإسلامي، التي احتضنتها أنقرة امس الأربعاء ، بـ “دولة احتلال وإرهاب”.

غير أن هناك عوائق عدة تواجه أردوغان الباحث عن زعامة إسلامية، أكبرها علاقات بلده المعلنة وغير المعلنة مع إسرائيل، خاصة وأن تركيا هي أوّل دولة إسلامية تعترف بإسرائيل، وكان ذلك عام 1949. فمنذ ذلك الحين هناك تعاون وثيق يجمع الطرفين وإن تخلّله توتر كبير بين الفينة والأخرى بسبب الخلاف على موضوع النزاع مع الفلسطينيين. كما يُواجه أردوغان منافسة من دول عربية لا تنظر بعين الود إلى أنقرة، خاصة فيما يتعلّق بدعم هذه الأخيرة لحركات الإسلام السياسي، فضلاً عن تحديات داخلية متعددة داخل تركيا، كلها عوامل قد تجعل من قيادة أردوغان للعالم الإسلامي أمراً صعباً.

رغبة في عودة مجد العثمانيين

يتذكر الكثير من المتتعبين اللهجة الحادة لأردوغان عندما التقى بشمعون بيريز، في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس السويسرية عام 2009، إذ قال له: “أنتم تقتلون الناس، أتذكر موت الأطفال على الشواطئ. أتذكر كيف قال رئيسان للوزراء في بلدكم إنهما كانا فرحين بدخولهما فلسطين على متن دبابات”. لهجة أردوغان ارتفعت مع واقعة اعتراض الجيش الإسرائيلي للقافلة البحرية التركية “مافي مرمرة” على سواحل غزة، ومقتل تسع نشطاء مدنيين أتراك خلال الاعتراض (ما عرف بأزمة أسطول الحرية)، فقد قرّرت أنقرة تخفيض مستوى علاقاتها مع تل أبيب إلى الحد الأدنى، واستدعى كل طرف سفير الطرف الآخر للاحتجاج.

في هذا السياق يؤكد كريستيان براكل، رئيس فرع مؤسسة “هاينريش بول” في تركيا، أن أردوغان يقدم نفسه في بعض الأحيان ” كمنقذ للمسلمين الذين يعانون من الاضطهاد والإساءة، وهو ما يكون أكثر سهولة عندما يتعلّق الأمر بالقدس، كون هذا الموضوع يخصّ مدينة تحظى بمكانة خاصة في قلوب الكثير من المسلمين”. ويضيف براكل لـDW أنه في بلد مثل تركيا، حيث تجري الانتخابات بشكل دوري، يبقى موضوع مثل انتقاد إسرائيل أداة جيدة لكسب أصوات الناخبين.

وفي تحليل لموقع “ميدل إيست أي”، يرى الكاتب سوراج شارما، أن الدفاع عن القضايا الإسلامية يتوافق مع المعتقدات الدينية لأردوغان، ويتوافق أيضاً مع رغبة الرئيس التركي بعودة مجد الإمبراطورية العثمانية كقائدة للعالم الإسلامي. ويستفيد أردوغان هنا من “إعجاب العالم الإسلامي بمن يتحدث باسمه حتى ولو يقم بأيّ أفعال واضحة، كما يستفيد من قيام بلده بإرسال مساعدات إنسانية لأكثر من منطقة يعاني فيها المسلون كبورما والصومال”، يقول الكاتب الذي أشار إلى استطلاع رأي قام بها المركز الأمريكي بيو/ Pew  أظهر أن شعبية أردوغان لا تزال قوية مقارنة مع بقية زعماء المنطقة.

تعاون اقتصادي وعسكري مع تل أبيب

لكن أكبر ما يواجه أردوغان في مسعاه تنصيب نفسه زعيماً للمسلمين ضد إسرائيل، هي الحديقة الخلفية التي تجمع أنقرة بتل أبيب. الصادرات التركية في اتجاه إسرائيل بلغت على سبيل المثال حوالي 2.5 مليار دولار (2.1 مليار يورو) عام 2016، وارتفعت خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2017 بنسبة 14 في المئة. هذه الأرقام يقدمها هاتيس كارهان، أكبر مستشاري أردوغان، في تصريحات لـDW، إذ يؤكد أن إسرائيل، تعدّ واحدة من الأسواق العشرة المهمة التي تستقبل السلع التركية، مشيراً إلى أن العلاقة بين الطرفين هي “رابح-رابح”، فـ”تركيا تصدّر السيارات والحديد والصلب والأجهزة الإلكترونية والبلاستيك إلى إسرائيل، بينما تستورد منها سلعا متنوعة في مقدمتها مصادر الطاقة”.

وجمعت مشاريع متعددة البلدين، منها التفكير في إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى تركيا. وقد عاد هذا المشروع إلى الواجهة بقوة بعد توقفه عدة سنوات بسبب أزمة “أسطول الحرية”، إذ اتجهت أنقرة إلى هذا المشروع  بسبب التوتر الذي يطبع علاقتها مع روسيا بين الفينة والأخرى، لاسيما وأن الأخيرة تزوّد تركيا  بما يزيد على 60 في المائة من حاجتها للغاز. بهذا يكون أردوغان، حسب تعبير كريستيان براكل، “رجلا سياسياً واقعياً”، إذ يبحث عن شركاء اقتصاديين في المنطقة بينهم  إسرائيل.

وحتى على الصعيد السياسي، فقد طوت أنقرة خلافها مع تل أبيب حول “مافي مرمرة”، وأعلنتا رسمياً استئناف العلاقات في تموز 2016. كما أن هناك توقعاً بعودة التعاون العسكري بين البلدين إلى سابق عهده، أي قبل واقعة “مافي مرمرة”، إذ كان الطرفان على علاقة عسكرية عقدا من خلالها عدة صفقات تسلح. وقد سبق لرئيس الأركان الإسرائيلي السابق غابي أشكنازي أن صرّح في الكنيست الإسرائيلي عام 2010 أن العلاقات العسكرية بين البلدين قوية. كما يذكر تحليل لمجلس سياسات الشرق الأوسط (مقرّه بأمريكا)، عدة أسباب، لتطوّر العلاقة العسكرية بدءًا من التسعينات، منها عدم إحساس تركيا بالأمن من جيرانها العرب، والثورة الإيرانية التي هدّدت الأنظمة العلمانية المجاورة.

نظرة عربية مشكّكة

ليست العلاقات مع إسرائيل وحدها الكابح الوحيد أمام طموحات أردوغان، فالتنافس بين قوى عربية مؤثرة كالسعودية والإمارات وبين تركيا يظهر بشكل جلي رغم تقاربهما في بعض الملفات كالشأن السوري. منبع الخلاف يعود إلى دعم النظام التركي لحركات الإسلام السياسي، ورفضه نظام السيسي في مصر، وإيوائه عدة رموز من الإخوان المسلمين، فضلاً عن وقوفه إلى جانب قطر خلال الأزمة الخليجية، واستمرار علاقته بإيران حيث زار أردوغان طهران قبل مدة قصيرة.

ومن مظاهر هذا الخلاف هو عدد القادة العرب المتغيبين عن القمة الإسلامية الطارئة التي تحتضنها أنقرة، ومن أبرز المتغيبين قادة السعودية والإمارات ومصر والمغرب وتونس والجزائر، إذ اختارت بعض هذه الدول تمثيلاً ديبلوماسياً منخفضاً في هذه القمة. بالمقابل حضر قادة الأردن والكويت وقطر واليمن والسودان ولبنان والصومال إضافة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس. كما حضر في القمة الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.

على الصعيد الداخلي يواجه أردوغان تحديات عديدة تؤثر على وصفه بالزعيم الديمقراطي، خاصة قيامه بعملية تطهير للدولة ممّن يقول إنهم أعضاء أو متعاطفون مع جماعة فتح الله غولن، شملت حتى الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان، فضلاً عن تبينه خياراً عسكرياً صارماً في مواجهة حزب العمال الكردستاني. وقد استغل نتنياهو هذا الأمر بشكل جلي عندما رّد على أسئلة الصحفيين مؤخراً: “لست متعوداً على استقبال دروس في الديمقراطية من حاكم يقصف قرى الأكراد في بلده، ويسجن الصحفيين، ويساعد إيران  في الالتفاف على العقوبات الدولية”.

في هذا السياق يعلّق كريستان براكل بالقول: “عندما يحاول نتنياهو وأردوغان إعطاء دروس في الديمقراطية لبعضهما البعض، فالأمر يشبه محاولة دجاجة تعليم بِطريق كيفية الطيران. فلا أحد منهما قدم ما يلزم حتى يُنظر إليهما كحاميين للديمقراطية ولحقوق الإنسان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى