هل يفتح المبعوث الاممي غسان سلامة طريق الحكم لسيف الاسلام القذافي ؟

مع تفشي الفوضى وانقسام السلطة في ليبيا وميليشيات متعددة وجمود التسوية السياسية، تتصاعد آمال أنصار نظام العقيد معمر القذافي للعودة إلى الساحة، بعد أكثر من ست سنوات من السقوط المدوي للحكم، إثر تدخل قوات الناتو لدعم المعارضة المسلحة في العام 2011.

وتعطي خطة المبعوث الأممي غسان سلامة آمالا قوية لأنصار النظام السابق بإمكانية العودة إلى المشهد الليبي، حيث تنص خطة العمل من أجل ليبيا التي أعلن عنها في ايلول 2017 على: تعديل اتفاق الصخيرات والمؤتمر الوطني الجامع وإقرار الدستور وإصداره وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية استنادا إليه.

تعدّ هذه النقطة الأخيرة النافذة التي يمكن أن يعبر منها أنصار النظام السابق في ليبيا لدخول المشهد السياسي من جديد، خاصة وأن خطة المبعوث الأممي تؤكد على عدم استبعاد أنصار القذافي من أي تسوية سياسية توفر استقرارا لليبيا، وتشير إلى أن مجال المشاركة متاح “أمام المنبوذين والمهمشين والذين منعوا من الانضمام إلى العملية السياسية”، وذهب سلامة إلى حد القول إن “سيف الإسلام القذافي يمكن أن يترشح في الانتخابات المزمع إجراؤها في العام القادم 2018”.

وسلّط تحقيق نشرته مؤخرا صحيفة واشنطن بوست الضوء على محاولات رموز النظام الليبي السابق العودة للمشهد السياسي خاصة مع حالة الاضطراب التي تشهدها البلاد. ومن أبرز هؤلاء أحمد قذاف الدم، ابن عم الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وسيف الإسلام القذافي، نجل معمر القذافي.

كيف تلعب اللعبة ومع من

يحاول أنصار القذافي استعادة النفوذ المفقود وتجميع شمل نخبه السياسية والعسكرية، وهم على يقين أنه لا مصالحة في ليبيا تستثني قواعد رئيسية من النظام القديم وشخصيات ساهمت في بناء الدولة الليبية ومؤسستها على مدى سنوات، بغض النظر عن ما ارتكبه النظام السابق من تجاوزات.

تولدت هذه القناعة من التفسخ الحالي في المشهد الليبي، وما يملكه القذاذفة من علاقات وتأثيرات عديدة في مجتمع قبلي بامتياز. وأخذت تلك الآمال دفعة كبيرة، إثر الإفراج عن سيف الإسلام القذافي في يونيو الماضي منذ اعتقاله على يد الميليشيات في العام 2011 والحكم عليه بالإعدام، وإن ظل حتى اللحظة مختئبا، وغير معروف مكانه بعد إطلاق سراحه، ولا يزال مطلوبا لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لاتهامه بارتكاب جرائم ضد المدنيين.

تحظى الروابط القبلية في ليبيا بأهمية مركزية. وعرف القذافي الأب كيف يبني شبكة ولاءات لدى زعماء القبائل خاصة من خلال منحهم امتيازات محسوبة. ويتم تحديد هذه الامتيازات حسب حجم القبيلة ومنطقتها وحاجة النظام إلى دعمها، إلخ. ومازالت بقايا هذه الشبكة موجودة وابن عم القذافي وابنه وأنصاره يعرفون كيف تُلعب اللعبة ومع من.

وينشط أغلب أنصار القذافي في المنفى محاولين إعادة تركيز النظام القديم وإخراج بلدهم من الفوضى. وفي سعيهم هذا يتلقون بعض الدعم من الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية التي بدأت تفهم أخطار الفوضى في ليبيا، وهي أخطار تظهر يوميا عبر مآس متكررة للاجئين يحاولون الوصول إلى أوروبا من السواحل الليبية، وانتشار التنظيمات المتطرفة وتعدّد الميليشيات المسلحة.

وتوفر تلك الإشارات وغيرها زخما لأنشطة أنصار القذافي في عواصم كثيرة، خاصة القاهرة التي لجأ إليها الكثير منهم بعد عمليات استهدافهم في الداخل الليبي، وفي مقدمتهم، أحمد قذاف الدم، الذي كان مسؤولا عن ملف العلاقات المصرية الليبية فترة طويلة، والذي قدمته الواشنطن بوست بصفته متحدثا باسم العائلة والقبيلة.

ويراهن قذاف الدم على أن الأوضاع الليبية الحالية تدفع باتجاه استيعاب أنصار نظام القذافي. ويقول في مقابلة مع الصحيفة الأميركية إن “الأمم المتحدة والدول التي دمرت ليبيا ترغب في أن نكون جزءا من الحوار وجزءا من عملية استعادة السلام مرة أخرى في ليبيا”. ويضيف “لن يكون هناك سلام دوننا، نحن نمثل غالبية الليبيين، ونرغب في تصحيح أخطاء الماضي”، في إشارة إلى أن استبداد القذافي قاد إلى تدخل الناتو، ومقتله على يد ميليشيات في مدينة سرت في 2011.

وكان قذاف الدم صرح في حوار سابق مع “العرب” بأن “هناك حاجة كبيرة لحوار حقيقي يضم جميع الأطياف السياسية، وفي مقدمتها أنصار ثورة الفاتح من سبتمبر، الذين لا يمكن تجاهلهم، إذا أراد المجتمع الدولي سلاما راسخا، أما إذا كان مصرّا على تهميش هذا التيار، وإبعاده عن المشهد السياسي، ستكون هناك صعوبات في التئام اللحمة الوطنية في البلد المنهك”.

ويلعب قذاف الدم على وتر الغضب الشعبي على أداء النخبة السياسية والعسكرية الحالية، وغياب حكومة وطنية مركزية باستطاعتها العمل على بناء الائتلاف القبلي. ولم تلبّ الحاجة إلى التحالف بين القبائل والحكومة المركزية نظرا لغياب أدنى درجة من التنظيم من الجانبين ونقص أي نقطة انطلاق صالحة للشروع في عملية استقرار البلاد. والقبائل منقسمة وفي الكثير من الحالات تحارب بعضها البعض ضمن فوضى عامة يعكسها استمرار تواجد حكومتان متنافستان تديران البلاد، واحدة في طرابلس وأخرى في طبرق.

عودة القذافي الابن

استبعد المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي، في تصريحات سابقة عقب الإفراج عن سيف الإسلام، الإشاعات عن عودة القذافي الابن، وصرح مؤخرا قائلا “هو الآن ورقة محروقة”. لكن الخبراء يقولون إن سيف الإسلام القذافي يرى أن لديه دورا ليلعبه، وذلك ما يفسر رفضه عرضا روسيا روسيا بالحصول على اللجوء السياسي في موسكو.

وكان محامي عائلة القذافي خالد الزايدي صرّح أن سيف الإسلام “يعمل في السياسة الآن من مقره في ليبيا مع القبائل ومع المدن ومع صناع القرار”.

ولا ينفي عز العرب أبوالقاسم، المتحدث الإعلامي باسم المؤتمر العام للقبائل والمدن الليبية، أن هناك أجواء اجتماعية تدعم عودة سيف القذافي إلى المشهد باعتباره “شخصية توافقية قادرة على التأثير في المجتمع الليبي الذي يعتبر مجتمعا قبليا بامتياز”. وتحدث مع “العرب” عن “محاولات الجماعة الإسلامية التواصل مع رموز القذافي في سجن الهضبة في طرابلس في سياق التحضير والتمهيد لمصالحة ليبية شاملة، وأسفرت هذه المحاولات عن الإفراج عن بعض قيادات نظام القذافي من السجن من أجل تحقيق هذه الفكرة بما يضفي المزيد من الشرعية على وجود تلك الميليشيات في السلطة”.

وأكد أبوالقاسم أن “ضغوطا مورست على هؤلاء من أطراف خارجية (قطر وتركيا وفرنسا وإيطاليا) لتجاهل هذه الفكرة تماما من المشهد الليبي قبل أن تعود مرة أخرى مع ظهور سيف القذافي وخروجه من السجن”.

مع أنّ ثمة دعما أمميا لاستيعاب أنصار القذافي في المرحلة الليبية المقبلة كأحد مداخل استقرار البلاد، إلا أن ذلك الأمر يظل رهنا بقبول المجتمع من عدمه، حيث لا يزال إرث النظام السابق دافعا لرفضهم خاصة في غرب ليبيا.

ويشدد عبدالحفيظ غوقة، نائب رئيس المجلس الوطني الليبي سابقا، في تصريحات صحفية على أن “الحديث في هذا الموضوع مضيعة للوقت لأنه لا يزال مطلوبا من الناحية القانونية، والإفراج عنه تم بشكل مشكوك فيه من خلال فصيل عسكري دون الرجوع للقضاء، وهو مطلوب من المحكمة الجنائية، لذلك فالعودة مشكوك في صحتها”.

وتابع غوقة أن “الاجتماعات التي تجري في هذا الصدد بالقاهرة لا تمثّل الشعب الليبي، لما يتحمّله هؤلاء من مسؤولية حول ما آلت إليه الأمور في البلاد، والنظام المصري غير معني بهذه التصرفات من شخصيات ليبية تعمل بصورة منفردة”. وقال إن “القاهرة معنية فقط بمسألة توحيد الجيش الليبي والتمهيد لمرحلة الانتخابات، ويكون الصندوق هو الذي يحدد من يحكم ليبيا”.

وأضاف مصدر على صلة وثيقة بملف المصالحة الليبية يقول، أن مصر غير معنية بالفكرة، وتهتم فقط بالحفاظ على ليبيا بعيدا عن العنف والتطرف. ولفت المصدر إلى أن عودة أنصار النظام السابق إلى المشهد السياسي مرفوضة إلى حد الآن، ”من قبل أطياف كثيرة، فالمشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي لن يتخلى عن المكاسب التي حققها لصالح سيف الإسلام”.

عوائق متعددة

صحيح أن تعثّر المشهد الليبي بعد الثورة قد يجعل هناك قابلية لعودة أنصار القذافي بثوب جدية يتواءم مع متطلبات الوضع الراهن ومتغيراته، لكن ليس من اليسير تجاوز الصراعات القبلية العميقة على السلطة والموارد، والتي تعمّقت أكثر مع التناحر الميليشياوي في مرحلة ما بعد القذافي.

ومع الاتجاه العام للمصالحات القبلية في بعض المناطق الليبية والتي تسهل عودة أنصار القذافي للمشهد السياسي، تظل المعضلة المزمنة أنه من دون سلطة قوية في هذا البلد لا يمكن لتلك المصالحات أن تكون موضع التنفيذ، خاصة وأنها تتضمن قضايا معقدة، مثل، عودة المهجّرين والتعويضات لمن فقدوا ممتلكاتهم ومنازلهم.

الأهم، أن عودة أنصار القذافي تستدعي نمطا من تكريس ثقافة الصفح والنسيان الاجتماعي، كي لا يكون الحديث عن استبداد نظام القذافي وما فعله من إقصاء طيلة حكمه مدخلا للتذكير بالثأر أو تحفيز دورة العنف ثانية، إضافة إلى معضلة غياب عدالة تصالحية، حيث تعثرت بالفعل بعد الثورة الليبية في ظل هشاشة السلطة ذاتها، بما يعني أن هنالك قضايا وخصومات عالقة بين أنصار القذافي والقبائل الأخرى لم تحسم حتى اللحظة.

يبدو رهان أنصار القذافي على فكرة تصاعد “الندم” بسبب حالة الفوضى الراهنة، كما ظهر في حوار قذاف الدم مع صحيفة واشنطن بوست، ربما لا يكون مدخلا لعودة تصالحية لهم، وإنما على الأغلب يشكل مدخلا صراعيا يحفّز التحالفات القبلية والميليشياوية المضادة ويعمّق مخاوفهم من عودة حالة الهيمنة، وهو ما يحتاج أنصار القذافي ذاته إلى الإعراض عنه، كي تكون عودتهم للساحة السياسية، ضمن تعددية ليبية تتجاوز إرث الماضي وتكفل الاستقرار لهذا البلد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى