ذكرى استشهاد القسام.. رحل الجسد وبقيت الفكرة

تمر اليوم ذكرى استشهاد القائد الرباني عزالدين القسام بتاريخ  19تشرين الثاني 1936، ذكرى تهز التاريخ ليستيقظ، وتفتح أبواب الأمل ليشرق من جديد، فالحياة التي يصنعها العظماء تستحق الخلود، وأفكارهم منارات على شطآن الحياة المتصارعة، فذكرى كهذه ترينا كيف يكون الرجل بأمة، وكيف تعبر الأفكار أجيالاً لتبقى خالدة، عصيّة على النسيان.

إنها ذكرى استشهاد محمد عز الدين بن عبد القادر القسام، الذي عرف بعز الدين القسام، عالم مسلم، وداعية، ومجاهد، وقائد، ولد في بلدة جَبَلة-اللاذقية سنة 1883م، وتربى في أسرة متديّنة ومعروفة باهتمامها بالعلوم الشرعية، ثم ارتحل إلى الجامع الأزهر بالقاهرة سنة 1896م عندما بلغ الرابعة عشرة من عمره، وتخرّج منه سنة 1906م، وعاد إلى بلده جبلة، حيث عمل مدرساً وخطيباً في جامع إبراهيم بن أدهم.

وقفات مع حياته

لدى عودة القسام إلى بلدته جبلة، عمل محفّظاً للقرآن الكريم، ثم أصبح بعد ذلك إماماً لمسجد المنصوري في جبلة، وهناك ذاع صيته بخطبه المؤثرة وسمعته الطيبة وذلك من خلال عمله خطيبا ومأذونا شرعيا.

بعد أن أخفقت ثورة بني صهيون ضد الاحتلال الفرنسي لسوريا، حُكم عليه بالإعدام غيابيا، وفرّ القسام وعدد من رفاقه الى فلسطين والتحق بالمدرسة الإسلامية في حيفا، ثم بجمعية الشبان المسلمين هناك، وأصبح رئيساً لها عام 1926.

كان القسام في تلك الفترة يدعو إلى التحضير والاستعداد للقيام بالجهاد ضد الاستعمار البريطاني، ونشط في الدعوة العامة وسط جموع الفلاحين في المساجد الواقعة شمالي فلسطين، فساهم في تعليمهم ومحو الأمية وتنبيههم لخطر الاستعمار، الأمر الذي أوجد له قاعدة شعبية عريضة.

جهاده

 شارك القسام في محاربة المحتل الإيطالي في ليبيا وقاوم المحتل الفرنسي في سوريا، ثم انتقل الى فلسطين لينضم عام 1932 إلى فرع حزب الاستقلال في حيفا، الأمر الذي مكنه من تكوين خلايا سرية من مجموعات لا تتعدى الواحدة منها خمسة أفراد عُرفت باسم “العصبة القسامية”، ونتيجة للثقة التي منحها الناس للقسام تبرع الكثير من أهالي حيفا له بأموالهم لشراء الأسلحة ومشاركته الجهاد.

لم يحرص القسام على إعلان الثورة بقدر حرصه على أن تتسم مجموعاته بالتنظيم الدقيق، فكانت هناك الوحدات المتخصصة كوحدة الدعوة إلى الجهاد، ووحدة الاتصالات السياسية، ووحدة التجسس على الأعداء، ووحدة التدريب العسكري.

إلى جنين حيث استشهاده

اشتدت وتيرة الأحداث في فلسطين عام 1935، وشددت بريطانيا الرقابة على تحركات القسام في حيفا، فقرر الانتقال إلى الريف حيث يعرفه أهله، فأقام في منطقة جنين ليبدأ عملياته المسلحة منها، وكانت -كفر دان- أول قرية ينزل فيها، وهناك أرسل الدعاة إلى القرى المجاورة ليوضحوا أهداف الثورة للأهالي، ويطلبوا منهم التطوع، فاستجاب له الكثير منهم.

علمت القوات البريطانية بمخبئه في قرية البارد في 15/11/1935، لكن الشيخ استطاع الفرار منها هو و15 فرداً من أتباعه إلى قرية يعبد قضاء جنين، ولحقته القوات البريطانية في 19/11/1935 فحاصرتهم وقطعت الاتصال بينه وبين القرى المجاورة، وطالبته بالاستسلام، لكنه رفض مخلدا شعاره الخالد: النصر أو الشهادة وتابع المواجهة مع القوات المحاصِرة، وأوقع فيها أكثر من 15 قتيلاً، وهناك حيث دارت معركة غير متكافئة بين الطرفين لمدة ست ساعات، ارتقى الشيخ القسام وبعض رفاقه شهداء، وجُرح وأُسر الباقون.

وبدمائه فجر القسام الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، وكانت نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية بعدها.

القسام يحلق في سماء حيفا

يرحل الجسد، لكن الأفكار الربانية لا ترحل ولا تموت، فالتاريخ الذي شهد ثورة رجل لم تكتمل أحلامه بالتحرير يشهد اليوم على حلمه الذي بعث من جديد في قلوب رجال خلفوه فحفظوا العهد وحملوا الوصية، فرفع الله ذكر القسام وجهاده، بصواريخ وصلت إلى نهاريا وحلقت في سماء حيفا ويافا.

فها هي كتائب القسام اليوم ليست امتداداً لمجموعات القسام بالأمس على الصعيد العسكري فحسب، وإنما هي بذرة الشهيد القسام التي زرعت بالأمس وسقيت بالدماء زمناً حتى أينعت وقويت، فالقسام اليوم هي فكرة القسام بالأمس، كتب الله لها القبول فامتدت وعاشت وستخلد في العالمين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى