صعاليك العرب.. كلهم فقراء وجلهم شعراء ومهنتهم الفروسية والغزو

يعود مصطلح “صعلوك” في تاريخ الادب العربي الى ما قبل الجاهلية حيث تردد كثير في الجزيرة العربية على ألسن الشعراء وتعددت معانيه واختلفت التسميات.

كلمة الصعاليك كلمة ذات تاريخ قديم، فقد كانت تطلق في فترة ما قبل الإسلام على جماعة معينة من العرب، كانوا يعيشون في الجزيرة العربية وينتمون إلى قبائل مختلفة ومتعددة.

معنى كلمة صعلوك في اللغة

وتعددت مفاهيم كلمة صعلوك لغويًا وجاء منها الفقير الذي لا يملك المال، أو قطاع الطرق، ولكن الصعاليك في العصر القديم امتهنوا مهنة غزو القبائل وكان قصدهم هو أخذ الأموال والغنائم من الأغنياء وإعطاء الفقراء والمحتاجين، متمردين على كل عادة ومتحررين من المعاهدات مع القبائل ولم يعترفوا بها.

وتجدر الاشارة الى ان الصعاليك امتازوا بقدرتهم البارعة في كتابة الشعر والأدبيات، فكانت تشير معظم قصائدهم إلى قوتهم وشجاعتهم وقدرتهم على تحدي المجتمعات والقيود.

وقد ميز الباحثون في تاريخ العرب قبل الإسلام بين ثلاث مجموعات منهم: مجموعة من الخلعاء الشذاذ الذين خلعتهم قبائلهم لكثرة جرائرهم مثل حاجز الأزدي وقيس بن الحدادية وأبي الطحان القيني. ومجموعة من أبناء الحبشيات السود، ممن نبذهم آباؤهم ولم يلحقوهم بهم لعار ولادتهم مثل السليك بن السلكة وتأبط شرًّا والشَّنْفَرى. ومجموعة ثالثة احترفت الصعلكة احترافًا، وحينئذ قد تكون أفرادًا مثل عروة بن الورد العبسي، وقد تكون قبيلة برمتها مثل قبيلتي هذيل وفهم اللتين كانتا تنزلان بالقرب من مكة والطائف.

شعارهم

تتردد في أشعارهم جميعًا صيحات الفقر والجوع، ويمتازون بالشجاعة والصبر عند البأس وسرعة العدو؛ حتى ليسمون بالعدائين، وحتى لتضرب الأمثال بهم في شدة العدو؛ فيقال: “أعدى من السليك” و”أعدى من الشنفرى”، وتُروى عنهم أقاصيص كثيرة في هذا الجانب؛ من ذلك ما يقال عن أحدهم ويسمى تأبط شرًّا من أنه “كان أعدى ذي رِجلين وذي ساقين وذي عينينِ، وكان إذا جاع لم تقُم له قائمة؛ فكان ينظرُ إلى الظباء، فينتقي على نظره أسمنها، ثم يجري خلفه، فلا يفوته، حتى يأخذه فيذبحه بسيفه، ثم يشويه فيأكله.”

وإلى ذلك عرف هؤلاء الصعاليك الشعراء بجرأتهم وإقدامهم على اقتحام المهالك ويمتازون بالشجاعة والصبر وسرعة العدو فكانوا من العدّائين الذين لا يجارون في سرعة عدوهم، فالحياة والموت سواء في نظرهم وكانوا يغيرون على البدو والحضر، ويقطعون الطريق ويغيرون على القوافل فيقتلون ويسلبون فيسرعون في النهب.

كما كانوا يعطفون على الفقراء والمساكين، وكثيراً ما كان هدف الغزوة توزيع الغنائم على ذوي الحاجة. وتوجه غزواتهم عادةً إلى الأغنياء والبخلاء.

فلسفتهم

 لقد كان الصعلوك يبدأ فقيرًا ثم يحاول أن يتغلب على الفقر الذي فرضته عليه أوضاع اجتماعية أو ظروف اقتصادية، وأن يخرج من نطاقه ليتساوى مع سائر أفراد مجتمعه، ولكنه -من أجل هذه الغاية- لا يسلك السبيل التعاوني، وإنما يدفعه موقفه البائس، وشخصيته غير المتعاونة إلى سلوك سبيل الصدام والصراع.

إن الصعلوك كان يصطدم بمجتمعه الذي يرى في هذه الفوضوية الفردية مظهرًا من مظاهر التمرد، وتنقطع الصلة بين المجتمع والصعلوك، فيتخلى المجتمع عنه، وتحرمه قبيلته حمايتها، ويعيش الصعلوك خليعا مشرّدًا، أو طريدًا متمردًا، حتى يلقى مصرعه، أما أعداؤه فقد استراحوا من هذا الفزع الذي كانوا يترقبونه كل حين كما يترقب غائبا “منتظرَاَ أهلُه” -على حد تعبير زعيم الصعاليك عروة بن الورد.

لقد استمرت مشكلة الصعاليك لفترة طويلة، يغيرون ويأكلون وينفقون على أنفسهم ومن يرونه فقيرا مثلهم من مال الأغنياء الأشحاء، ثم في أوقات الصفاء أو الكدر والعناء يبرعون فيما يبرع فيه العربي القديم، في الشعر، وقد ساعدهم على استمرار وجودهم طبيعة الجزيرة العربية القاسية، حيث الجبال والوديان الوعرة، وصعوبة اللحاق بهم، أو العثور عليهم بسهولة.

ولذلك لا عجب أن تجد في شعر العرب عامة، والصعاليك خاصة ما يصور لنا جانبا من طبيعة البيئة القاسية التي كانوا يحيون فيها، فتارة يصفون شدة البرودة، وتارة شدة الحر والهجير والرمضاء، فهذا أحدهم يقول:

ويوم من الشّعرى يذوبُ لوابه                  أفاعيه في رمضائه تتململُ

أمير الصعاليك!

ومن اشهرهم عروة بن الورد العبسي، وقد سمي بعروة الصعاليك كما يقول بعض المؤرخين؛ لأنه “كانَ إِذا شكا إِليه فَتى من فتيَان قومه الفقر أعطَاهُ فرسا ورمحا وقال لهُ: إِن لم تستغنِ بهما فلَا أَغنَاك الله”. لذا كان عروة فارسًا لا يرى نفسه إلا مع الفقراء، ولا يحبّ إلا أن يكون الفقراء أقوياء، حتى ولو أغاروا على قبائلهم أو أعدائهم، وكان يجمعهم ويقوم على أمرهم ويعطيهم إذا أخفقوا في غزواتهم.

ومع ذلك كان عروة يكره الفقر، ويرى مآسيه في الناس والقبائل مِن حوله، لقد كان يأنف من أن ينظر الناس إليه بمنقصةٍ أو ازدراء، ولم يكن يمكث في بيته إلا قليلا، يحبّ أن يملك المال والطعام دوما، يقود الصعاليك من الشعراء والفرسان ويغير بهم على أحياء العرب، وحين سألته زوجته ذات مرة عن وجهته رد عليها قائلاً:

ذريني للغنى أسعى فإنّي.. رأيتُ الناسَ شرّهم الفقيرُ

وأبعدُهم وأهونُهم عليهم.. وإن أمسى له حَسب وخيرُ

ويُقصيه النّديّ وتزدريه.. حليلتُه وينهرُه الصغيرُ

وتلقى ذا الغِنى وله جلال.. يكادُ فؤادُ صاحبِه يطيرُ

قليلٌ ذنبُه والذنبُ جمّ.. ولكنّ الغني ربّ غفورُ 

لقد كان عروة أميرا للصعاليك، محبا للصحراء والغزو، وقد كان من كبار فرسان عبس مثل عنترة ثم من كبار فرسان العرب، وقد اعترف القريب والبعيد بفروسيته وتميزه، بل حين طلق عروة زوجته، قامت في جمع الناس تعترف بخصاله قائلة: “أما أنك والله الضّحوكُ مُقبلاً، السَّكوت مدبرا، خفيفٌ على ظهر الفرس، ثقيلٌ على مَتن العدوّ، رفيع العماد، كثير الرماد (كريم)، تُرضي الأهلَ والأجانبَ”.

وهكذا كان الصعاليك، شرذمة من العرب أتعبهم الفقر، وكونوا لأنفسهم مجتمعا موازيا بقوانين خاصة بهم، ساعدهم عليها اتساع الجزيرة العربية، ووعورة مسالكها التي اتخذوها مسكنًا وملجئًا، وفوق ذلك وجود الظلم الطبقي الذي كان يرفع الناس على أصول من الحسب والنسب والمال، فكانت إغارتهم مقاومة وغصبا في آن.

وأخيرا يجدر التنويه بأن لقب صعلوك ليس لقباً سيئاً كما يستعمل في عصرنا الحالي، وكما ذكرنا في تقريرنا ان اشهر فرسان العرب لقبوا بهذا اللقب نظرا لقساوة الحياة في تلك الفترة من الزمن والفقر الشديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى