الغرب يدعم المعارضة التركية لكي ينقذ اردوغان من دكتاتوريته

اكدت صحيفة إيكونوميست أن حصول الرئيس التركي رجب أردوغان على صلاحيات إقصاء مسؤولين منتخبين دليل جديد على مدى استبداده وتحوّله نحو الدكتاتورية، منوّهة إلى أنه خلال العام الماضي اوعز باعتقال أكثر من 80 عمدة في جنوب شرق تركيا، واستعاض عنهم بأمناء عينتهم حكومته، بالإضافة إلى تلاشي المعارضة داخل حزب العدالة والتنمية نفسه، وتقلص مساحات المعارضة في كل مكان آخر.

وقد كلفت عمليات التطهير التي أطلقها الرئيس أردوغان منذ محاولة الانقلاب الفاشلة العام الماضي حوالي 60 ألف شخص حرياتهم، و150 ألف شخص وظائفهم، وفق إيكونوميست، التي تضيف أن هناك الكثير من عمليات الاعتقال التي تطال مختلف الفئات، من ذلك احتجاز الشرطة لعثمان كافالا، وهو رجل أعمال وناشط بارز في المجتمع المدني في 18 تشرين اول الماضي، واعتقلت قبل ذلك ببضعة أيام أيضا سابان كارداس، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في الشرق الأوسط.

وفي أوائل شهر تشرين اول الماضي ألقت قوات الشرطة في إسطنبول القبض على موظف تركي في القنصلية الأميركية بتهمة الإرهاب، الأمر الذي أدى إلى تصاعد التوتر في العلاقات بين واشنطن وأنقرة وأفضى إلى تعليق الولايات المتحدة خدمة التأشيرات داخل تركيا.

ويصنّف ألفرد ماكوي، أستاذ التاريخ في جامعة وسكنسون، اردوغان ضمن القادة الشعبويين، ويقول إن “أردوغان بصفته شعوبيا إسلاميا استعرض قوته عن طريق عملية قمع دموية للأقلية الكردية في البلاد. ويشرف منذ منتصف 2016 على عملية تطهير بالجملة وملأ السجون التركية في أعقاب محاولة انقلاب فاشلة”.

وترجع إيكونوميست تصاعد حملة الاعتقالات إلى تراجع شعبية الرئيس التركي، حيث تظهر أحدث استطلاعات تزايد في أعداد الناخبين المترددين بشأن منح صوتهم لأي حزب. وتذكر أنه بموجب حكم الطوارئ الذي تم تمديده مؤخرا إلى ثلاثة أشهر أخرى، يتمتع الرئيس بسلطات غير مقيدة، بيد أن تحويل حرب التطهير إلى استهداف عمدة حزبه، تكشف شعورا بالقلق حول مستقبله.

وفي مطلع العام الحالي، بالكاد تم تمرير استفتاء منحه المزيد من السلطة، وعلى الرغم من محاولات حكومته في تذليل كل الصعاب لصالحه، كان التصويت بـ”لا” هو السائد في إسطنبول وأنقرة، مركزي نفوذ أردوغان.

ويفرض انهيار المؤسسات الديمقراطية في تركيا تدخل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وفق الخبير في الشأن التركي والكاتب في صحيفة العرب ويكلي، ستيفن ستار، الذي يرى أن الحل لا يكمن في تسليط العقوبات على تركيا وانتقاد أردوغان بل في دعم المعارضة التركية بشكل كبير.

وكانت دول الاتحاد الأوروبي عقدت مؤخرا قمة بحثت قرارات تجميد المساعدات المقدمة إلى تركيا. وفي الخامس والعشرين من تشرين اول الماضي صوّت برلمان الاتحاد الأوروبي على خفض المساعدات بمقدار 80 مليون يورو، أي ما يعادل 94 مليون دولار، بحجة وضع حقوق الإنسان في تركيا.

ويقول ستيفن ستار “الشجب وإبداء الأسف لتراجع الأحداث في تركيا هو كل ما استطاع الغرب فعله. والسبب وراء هذا التجاهل لواحدة من أقوى المجموعات السياسية المعارضة في الشرق الأوسط مازال مجهولا”، والمجموعة التي يقصدها هي حزب الشعب الجمهوري، أكبر حزب تركي معارض.

وتتبنّى أحزاب المعارضة في تركيا مجموعة واسعة ومتنوعة من المصالح والأيديولوجيات، ولكن نظرا لأن الأحزاب السياسية يجب أن تفوز بما لا يقل عن 10 بالمئة من الأصوات الانتخابية للدخول إلى البرلمان، فإن الأتراك الذين لا ينتمون إلى الأوساط العلمانية أو الأوساط اليمينية المحافظة لا يمتلكون الحق في التصويت. تتكوّن المعارضة البرلمانية التركية من ثلاثة أحزاب: حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية والحزب الديمقراطي الشعبي.

وفي الوقت الذي يعمل فيه حزب الحركة القومية اليميني عن كثب مع حزب العدالة والتنمية الحاكم للنهوض بجدول أعماله المعادي للأكراد، يتشارك الحزبان الشعب الجمهوري والديمقراطي الشعبي، على الأقل رسميا، رؤية اجتماعية ديمقراطية وسط يسارية. وهذان الحزبان يشكلان تهديدا مباشرا لحزب العدالة والتنمية الحاكم.

ويرى ستار أن رفض الغرب التعامل مع هذه الأحزاب هو أمر محيّر بالنظر إلى أحزاب المعارضة الأخرى في جميع دول الشرق الأوسط التي كان الغرب يدعمها في الماضي.

وعلى سبيل المثال، في عام 2012، عندما سارعت واشنطن بالتدخل وأغدقت الأموال على المعارضة السياسية السورية. لكن للأسف لم تُجد تلك الجهود نفعها، حيث استعاد النظام السوري نفوذه وأصبح له اليد العليا في إدارة الأمور. وقبل ذلك، دعمت الولايات المتحدة أيضا أحزاب المعارضة العراقية خلال فترة حكم صدام حسين لدرجة مدمرة، حدث على إثرها الغزو الأميركي للعراق والحرب في العام 2003.

ومع ذلك، تتمتع معارضة تركيا بثبات ورصانة أكثر من الأحزاب المعارضة في الدول الأخرى، وهو تكتل ظهر بالأساس في خضم التغييرات الدستورية المضادة للديمقراطية التي قام بها الرئيس رجب طيب أردوغان في أعقاب استفتاء نيسان الماضي.

تدعي أوروبا والولايات المتحدة أنهما تطالبان أردوغان بمحاربة عناصر تنظيم داعش في العراق وسوريا والسيطرة على تدفقات اللاجئين إلى القارة الأوروبية. ولكن هذه الحجة غير منطقية، حسب ستار، فمع حاجة الغرب لتركيا لتنفيذ تلك المخططات، فإن نجاح هذه القضايا لا يعتمد على مجهودات أردوغان وحده.

ويرى أن من بين أسباب تجاهل الغرب لرموز المعارضة التركية أنهم لا يمثلون هذا النوع من الديمقراطيين الذين يرغب الغرب في دعمهم، على الرغم من أن العديد من هؤلاء المعارضين الأتراك يعتبرون أنفسهم علمانيين، حيث كانت الحكومات العسكرية التركية العلمانية السابقة مسؤولة عن ارتكاب البعض من الجرائم المنتهكة لحقوق الإنسان خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي التي دفعت دول الغرب إلى الابتعاد عن الشؤون التركية. لكن الأمور تغيّرت، ولم يعد الجيش يمثّل الآن قوة سياسية في تركيا.

ومن البديهي ألاّ يصبح تغيير النظام في تركيا أمرا يبعث على الاهتمام من قبل الحكومات أو المؤسسات الغربية إما علنا وإما خفية. حيث أن نسبة المعاداة للولايات المتحدة لاقت أعلى معدلاتها في تركيا (73 بالمئة)، وفقا لاستطلاع للرأي أجرته منظمة بيو ريسيرش في عام 2014 مقارنة بمعظم الدول الأخرى في نفس المنطقة المعادية للولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإن جذور الأيديولوجية اليسارية المتطرفة المضادة للإمبريالية متعمقة في التفكير التركي.

بدلا من السعي إلى الإطاحة بأردوغان، يجب على الغرب أن يضمن حصول المعارضة السياسية التركية المعزولة على مزيد من الاهتمام والدعم إذا أراد ضمان عدم اندثار الديمقراطية هناك بشكل كلّي.

يقول ستيفن ستار “لم يعد أردوغان حليفا يمكن الاعتماد عليه بالنسبة للغرب، ولكن لا تزال تركيا تلعب دورا مهما. وكما فات الأوان على حماية الديمقراطية في العراق وإيران وسوريا، دعونا لا ننظر إلى تركيا حتى تنضم إلى هذا الجمع”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى