تداعيات وصراعات ما بعد الانتصار في سورية  

من الواضح أن الحرب العدوانية على سورية بخاصة، وربما العراق والمنطقة العربية بعامة، على وشك الانتهاء لغير صالح القوى المعادية لسورية، وهو ما يسلم به حتى من شنوا الحرب على سورية والمنطقة، من عواصم غربية ورجعية إقليمية، وعصابات إرهابية باعت نفسها لتلك العواصم وللرجعية بذريعة إقامة شرع الله؛ فيما استشهد على يدي إجرامهم غالباً مسلمون أبرياء وغير مسلمين، وأنفقت أموال شعوبهم بأرقام خيالية على مذابح القتل المجاني، وهدرت طاقات ودمرت معالم حضارية، وزرعت عميقاً شروخ وفتن، وبعثت من القبور ثارات غبية.

وحيث لم تحقق الحرب العدوانية غاياتها الاستراتيجية حاصدة فشلاً ذريعاً، رغم كل ما أحدثته من دمار، فقد باتت المرحلة تحمل مؤشرات بعث وولادة الأمة من جديد.. ولادة تُذهب معها كل الزوائد والفطريات والأمراض والدمامل والفيروسات، الديموغرافية والسياسية والسلوكية.. ولادة ستندثر معها رجعيات إقليمية، عربية وتركية، وقناعات جهالية متخلفة، ويتكشف زيف “مسرحية الدقيقة ونصف الدقيقة” التي استخرجها أردوغان من جرابه، تلك المسرحية المتفق عليها مع واشنطن لسحب الرصيد الشعبي الذي حصلت عليه المقاومة اللبنانية وإيران وسورية في أعقاب العدوان الصهيوني الإسرائيلي على لبنان والمقاومة، استدراجاً للفوضى الخلاقة والخريف الأمريكي، واستباقاً لمشاركة تركيا في الحرب العدوانية على سورية والعراق، ولحرف بوصلة الصراع عن القدس باتجاه صراعات طائفية ومذهبية وإثنية وعرقية.

من هنا، ولأسباب تتصل بطبيعة النظام الأمريكي على اختلاف الإدارات المتعاقبة عليه، وبمؤسسات رأس المال العالمي الامبريالي، والغرب بعامة الذي يتصف بدموية وحشية توسعية تجلت حتى في حروبه الداخلية وتوسعاته الاستعمارية في العالمين القديم والجديد، ولأهمية المنطقة العربية التي دون الإمساك بخناقها فلن تكون امبراطورية عالمية قادرة على حكم العالم وسرقته، فإن الامبريالية العالمية ستبتدع بكافة “مرجعياتها” أشكالاً جديدة  من الصراع، خاصة وأن توابعها الرجعية فشلت بالجملة، وتحول فشلها إلى مناطحات سفيهة بينها، أما من تبقى من العصابات الإرهابية فقد بدأ بالعودة إلى بلدان المنشأ، ما يستدعي فتح ساحات صراع جديدة واختراع أشكال جديدة للصراع، من أهدافها تغطية فشلها وتعكير صفو الانتصارات المتحققة وإشغال الأمة عن استعادة عافيتها وإعادة البناء والانتقام ممن أسهم في تحقيق هذه الانتصارات، ولمعاقبة رجعيات المنطقة لإخفاقها في تحقيق المهام الموكلة إليها.

بهذا المعنى، كان التحريض المفاجئ ضد بورما بذريعة اضطهاد المسلمين هناك، وهو اضطهاد استنهض عنوة من تحت الركام الآن لمعاقبة ومشاغلة واستنزاف الصين وروسيا، والخلاص من العصابات الإرهابية وتحشيدها هناك، بدلاً من تحولها إلى أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل ودول صديقة أخرى لها، ولربما أيضاً تسريبها إلى كوريا الديمقراطية التي جعلت من أمريكا مسخرة العالم!

ومن هنا أيضاً يجري التحريض ضد إيران، والتهديد بالتنصل من الاتفاق النووي الدولي معها.

وتعمل واشنطن على استخدام بعض السوريين الأكراد كوقود في حرب تمتلك كل مقومات الخسارة في النهاية، بوعد إقامة كيان انفصالي، على غرار إسرائيل، في الخاصرة السورية الشمالية الشرقية الاستراتيجية، على الحدود مع العراق وتركيا، والقريبة من إيران، والغنية بالنفط والغاز، والتي تعتبر من أغنى المناطق الزراعية في سورية.

ورغم وجود بعض التباين التركي الأمريكي، إلا أن واشنطن ليست على خلاف جوهري مع تركيا عندما يتعلق الأمر بتمدد تركي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى