انتزاع كركوك من قبضة البرزاني يزلزل كردستان وينعش حزب الطالباني

دخول القوات العراقية لكركوك وانسحاب البيشمركة منها وسط انقسام كردي واضح خلط الأوراق فهل تبدد الحلم الكردي، لاسيما أن أكراد العراق كانوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمهم بتشكيل دولة مستقلة بعد الاستفتاء التاريخي.

يبدو أن الخلافات المتواصلة بين حكومة بغداد وقيادة إقليم كردستان بخصوص استقلال الإقليم ليست في طريقها لأن تحل قريبا، خاصة بعد التصعيد العسكري الأخير على إثر تدخل القوات العراقية واستعادة سيطرتها على مواقع حيوية من مدينة كركوك بما في ذلك مبنى المحافظة. وتشكل كركوك الغنية بالنفط والغاز إحدى المناطق المتنازع عليها بين الأكراد والسلطة المركزية في بغداد بالإضافة إلى محافظة نينوى وديالى وصلاح الدين، لكنها لا تنتمي رسميا لأراضي إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ سنة 1974.

وخلافا للتوقعات والمخاوف، لم يسفر تدخل القوات العراقية في كركوك عن مواجهات مع قوات البيشمركة التابعة لقيادة الإقليم حيث انسحبت الأخيرة مفسحة المجال للقوات العراقية للسيطرة على مبنى المحافظة ومواقع حيوية فيها دون مقاومة. فما الذي تعنيه سيطرة بغداد مجددا على كركوك بالنسبة للحلم الكردي؟

انسحاب غير متوقع

كركوك عادت إلى الواجهة مؤخرا بعد أن أشعل إشراكها في استفتاء إقليم كردستان العراق الخلافات الموجودة أصلا بين بغداد وقيادة كردستان، بسبب استفتاء يسعى من خلاله أكراد العراق للاستقلال، بينما ترفضه بغداد وتعتبر نفسها غير ملزمة بنتائجه. وبالإضافة إلى مواردها النفطية الكبيرة وكونها خامس أكبر مدينة عراقية من حيث السكان، تتميز كركوك بتنوع القوميات التي تعيش فيها من أكراد وعرب وتركمان وسريان بالإضافة إلى أقليات أخرى. وتسيطر البيشمركة على المدينة منذ 2014 بعدما نجحت في تحريرها من مقاتلي داعش وهو ما رأت فيه قيادة كردستان تبريرا لضرورة إشراك كركوك في الاستفتاء.

وكان الجيش العراقي واجه انتقادات كبيرة وقتها بعدما فرت قواته من المدينة مفسحة المجال لمقاتلي تنظيم داعش للسيطرة على المدينة. التوتر بسبب كركوك وصل إلى تحذيرات ووعيد متبادل بين أربيل وبغداد لدرجة اعتبار بغداد إرسال قوات من حزب العمال الكرسدتاني إلى كركوك بمثابة “إعلان حرب” رغم أن القيادة الكردية نفت ذلك. بالتالي فإن انسحاب البيشمركة بهذه السهولة من المدينة يثير الكثير من التساؤلات. ويعزو الخبير المصري والباحث في مركز الأهرام بشير عبد الفتاح هذا الانسحاب إلى أن القوات العراقية كان لديها إصرار كبير على استعادة المدينة وكانت مرفوقة بقوات الحشد الشعبي التي سبق وأن اتهمت بتنفيذ عمليات تنكيل بحق أقليات أخرى، ما يعني أن أي مواجهة من البيشمركة كانت ستعني معارك عنيفة وربما حدوث مجزرة، وقوات البيشمركة لا تريد بأي حال من الأحوال حدوث ذلك خاصة وأنها تُروج دائما لفكرة أن الاكراد مسالمون ولم يقاتلوا سوى داعش. بالإضافة إلى أن حدوث مجزرة كان سيؤثر أيضا على الرأي العام الكردي وسيحمل برزاني مسؤولية تحويل الاستفتاء من وعد بالاستقلال والأمان إلى الدخول في معارك وخراب وهذا ما سيؤثر بالتأكيد على مستقبله السياسي. لهذه الأسباب يرى عبد الفتاح أن الأكراد ارتأوا التنازل عن كركوك رغم أهميتها الكبرى بالنسبة لهم.

انقسام كردي

ولكن الأمور تبدو أكبر من ذلك، ففي الوقت الذي انسحبت فيه البيشمركة بشكل منظم فيما يوحي بوجود اتفاق ما مع حكومة بغداد، لمحت إليه بعد المصادر، علقت القيادة العامة لقزات البيشمركة في بيان لها اليوم بالقول إن “الحكومة العراقية ستدفع ثمنا باهظا لحملتها على كركوك”، واتهم البيان نفسه فصيلا من الاتحاد الوطني الكردستاني، أحد الحزبين الرئيسيين في الإقليم، ب”الخيانة لمساعدته بغداد في العملية”. التضارب في المواقف حيال حملة بغداد جاء ليعزز ما راج في السابق عن وجود خلافات داخل الدوائر الكردية نفسها بخصوص موضوع الاستفتاء وتوقيت تنظيمه كما أنه أضعف الموقف الكردي، وهو ما يؤكده الخبير المصري عبد الفتاح في تصريحات ل dw عربية بالقول: “بالتأكيد توجد خلافات حول الاستفتاء برمته خاصة بعد الضغوط لإقليمية والدولية، إذ كانت فئة كبيرة من الأكراد متحمسة للاستفتاء في البداية لكن في الأخير أصبحت تفضل العيش في إقليم يتمتع بحكم ذاتي مستقر وآمن على الدخول في مشروع دولة محفوف بالمخاطر تعارضه قوى إقليمية كبرى تحيط به. من جهة أخرى بغداد استغلت الانقسام الموجود بين الاكراد وسهل عليها دخول كركوك”.

ويضيف عبد الفتاح أن الدخول في مشروع الاستفتاء في هذا التوقيت بالإضافة إلى مسألة ضم كركوك أمور غير متفق عليها كرديا، وتواجه بانتقادات من كتل سياسية كردية بما فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه برزاني نفسه، إذ تعتبر بعض الأصوات الكردية، بحسب عبد الفتاح، أن هذا الاستفتاء بهذا الشكل وهذا التوقيت هو مشروع شخصي لبرازني، يسعى من خلاله لتجديده شرعيته السياسية، أكثر منه استفتاء استقلال بالمعنى الحقيقي”. ولا يستبعد عبد الفتاح وجود اتفاق بالفعل بين البيشمركة وبغداد تم بموجبه الانسحاب من كركوك دون مقاومة.

هل يتبدد الحلم الكردي؟

وكان إقليم كردستان العراق نظم استفتاء على استقلاله في الخامس والعشرين من سبتمبر المنصرم رغم التحذيرات من حكومة بغداد وقوى إقليمية ودولية على رأسها إيران وتركيا. وجاءت نتائج الاستفتاء مؤيدة بغالبية ساحقة للاستقلال فيما وصفه برزاني ب”الانتصار الكبير” متحديا بغداد التي أعطته مهلة زمنية لتسليم المطارات.

ويواجه استفتاء الإقليم معارضة شرسة بالخصوص من تركيا وإيران اللتين تخشيان من أن يشجع قيام كيانات كردية مستقلة على أراضيهما أيضا.

وعن الخيارات المطروحة الآن أمام القيادة الكردية وما إذا كان سقوط كركوك سيؤثر على الحلم الكردي بإقامة دولة مستقلة، يقول عبد الفتاح إن استعادة  بغداد للسيطرة على كركوك لن يلغي مشروع الاستقلال لكنه سيؤجله لسنوات أخرى وسيهدئ الأمور.

ويرى مراقبون في استعادة بغداد لكركوك، تعزيزا لموقف الحكومة العراقية التي ستصر الآن أكثر مما قبل على شروطها قبل أي مفاوضات مع الأكراد، خاصة فيما يتعلق  بالسيطرة على المنافذ الحدودية والنفط والمطارات. لكن ذلك لا يعني أن بغداد ستستمر في معارضة الاستقلال، حسب بشير عبد الفتاح، الذي يعتبر أن بغداد لا مانع لديها في التنازل عن الاقليم شريطة عدم مطالبة الأكراد بمناطق النزاع غير الخاضعة رسميا لكردستان العراق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى