كسر الخواطر مؤلم جداً لانه يغير في نشاطات الدماغ وتفاعلاته

حديثنا هذا ليس موجها للسعداء في دنيا الحب، وإنما لأولئك الذين هجرهم أحباؤهم وتركوهم في حالة من الجنون قد تدفعهم تارة لإرسال 30 رسالة نصية إلى الحب الضائع في غضون 15 دقيقة، أو لترك العمل بكل بساطة تارة أُخرى. فلا أهمية لأي شيء بعد الآن طالما تقبع وحيدا مع “قلبك الموجوع”.

الجيد في الأمر -نوعا ما- هو أنك لست وحيدا فعلا، فهناك حقيقة علمية تكمُن خلف حالة الشقاء والبؤس التي تعترينا بعد الانفصال وانتهاء العلاقة.

إنها الهرمونات ببساطة. وكم هو أمر مثير للسخرية أن تدرك أنها نفس الهرمونات التي تفعل بك العجائب عند وقوعك في الحب بالمقام الأول !!

إذن، كيف تؤدي خسارة الحب إلى تغيير كيميائية الدماغ؟

أولا، علينا توضيح أن “كسر الخواطر” مؤلم حقا، أعني أنه مؤلم فيزيائيا. فقد أشارت صور بالرنين المغناطيسي لأشخاص قد انفصلوا عن شركائهم حديثا إلى وجود نشاط يتعدى الحدود الطبيعية في منطقة الدماغ المسؤولة عن الألم الجسدي. يعني هذا قيام الجسم بإفراز هرمونات الخطر والتوتر المتمثلة بالأدرينالين والكورتيزول، وبالتالي ظهور أعراض الغثيان، صعوبة التنفس، وضعف في عضلة القلب يسميه الأطباء باعتلال تاكوتسيبو أو “متلازمة القلب المنكسر” التي قد تكون مُميتة أحيانا.

ليست هذه الهرمونات الوحيدة التي تجول في الجسم في حالات كهذه. ففي عام 2010، أُجريت دراسة على عشر نساء وخمسة رجال خاضوا انفصالا حديثا لكنهم مازالوا واقعين في الحب. تم إجراء تصوير بالرنين المغناطيسي لهؤلاء أثناء قيامهم بالنظر إلى صور شركائهم السابقين. كان ذلك من أشد أنواع التعذيب الذي يُمكن لشخص يمر بتلك المرحلة أن يخوضه؛ إلا أنه زودنا برؤى مذهلة في مجال العلوم العصبية المتعلقة بحالات الانفصال عن الشريك، والشكر لجنود العلم ذوي القلوب المكسورة.

أشارت النتائج إلى وجود نشاط دماغي مشابه جدا لما يحدث لدى مدمن كوكائين يمر بفترة انقطاع عن العقار، وهذا هو الأمر الذي يجعل من الحب أمرا شبيها بالإدمان، فعندما تكون مسحورا بأحدهم؛ فإن ذلك يؤدي إلى تحرير هرمون السعادة: الدوبامين. إن ما يميز هذا الهرمون هو أنه يترك دماغك منتظرا للمزيد منه دوما، وهذا هو ما يفسر الهوس بمن نحب في بداية أي علاقة عاطفية لدرجة تمنعنا حرفيا من البقاء بعيدين عنهم، وتصبح الأمور أكثر استقرارا عند استمرار العلاقة قدما، لكن الدماغ يبقى مُنتظرا لجرعة الدوبامين عبر البقاء بقرب من نحب. وعندما يختفي هذا الشخص من حياتنا فجأة؛ فإن الدماغ يعيش المعاناة في انتظار جرعة الدوبامين القادمة. الأمر شبيه بالهوس الذي يحدث في بداية علاقة الحب لكن بطريقة مُريعة.

يبقى نظام المكافأة – مستقبلات هرمون السعادة في الدماغ- بانتظار ما يُصلحه لكنه لا يجد أي استجابة، وكشخص في أعلى درجات الإدمان؛ فإنه سيقوم بزيادة الجرعة لتحقيق الاستجابة المطلوبة. ولأن نظام المكافأة هو أحد أكثر الأنظمة بدائية؛ فإن مشاعر الشخص الذي يعيش انفصالا حديثا تتخطى حاجز الإدراك لتصبح مشابهة تماما للجوع والعطش، وهذا ينتهي بنا إلى القيام بأفعال متهورة لتعزيز أثر الدوبامين.

يُعطي تناول الطعام بشراهة بعض الراحة بشكل مؤقت، وكذلك التحديق في صور الشريك السابق، ولكن الدماغ سيكون بحاجة لإعادة هيكلة نفسه في سبيل محاولة تجاوز المحنة، وهذا -تبعا لدراسة نُشرت حديثا- يحتاج إلى ثلاث شهور وسطيا.

عند النظر إلى الجانب الإيجابي من الموضوع؛ سنجد أن الدماغ البشري مجبول على تجاوز الشدائد، فالتعافي واختفاء الألم هو أمر لابد منه في النهاية، وخلال ذلك سيكون تناول مسكن للألم كالباراسيتامول مفيدا، بالإضافة لتلقي الدعم النفسي من المُقربين ممن يُبدون التعاطف، حيث تُشير الدراسات إلى أن أفعالا بسيطة كالإمساك باليد باستطاعتها تخفيف حدة الاستجابة للألم الجسدي، ولا عجب أن لمناقشة المشكلة دور في تجاوزها بشكل أسرع. لذا -عزيزي القارئ- لا داعي لأن تشعر بالسوء حيال ما مررت به عند مواجهتك للرفض، فالأمور ستكون على ما يرام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى