علماء الأعصاب بالعالم يتحدون لحل أهم ألغاز الدماغ واساليب عمله

أطلقت مجموعة كبيرة من علماء الأعصاب في العالم مشروعاً طموحاً للكشف عن واحدٍ من أكبر الأسرار في كل العصور: كيف يقرر الدماغ ما يجب القيام به؟ فهل يستطيعون يوما التحكم في قرارات الإنسان أو يساعدونه على اتخاذ قراراته؟

وسوف يستفيد هذا الجهد الدولي من خبرة 21 مختبراً مختلفاً في الولايات المتحدة وأوروبا للكشف لأول مرة عن أين ومتى وكيف تستقبل الخلايا العصبية في الدماغ المعلومات من العالم الخارجي، وتعالجها لتجعل لها معنى، وكيف تقوم بالعمل للاستجابة لتلك المعلومات، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

إذا تمكن الباحثون من كشف ما يحدث بالتفصيل، فسيكون ذلك بمثابة قفزة هائلة إلى الأمام في فهم العلماء لعملية غاية في الأهمية تتمركز حولها حياتنا بالكامل، كما أن لها تأثيراً كبيراً في نهاية المطاف على الذكاء والإرادة الحرة.

يقول ألكسندر بوجيت، عالم الأعصاب المشارك في هذا المشروع في جامعة جنيف: “إن الحياة تتعلق باتخاذ القرارات”، متابعاً “إنه قرار تلو الآخر، وفي كل مرة هناك مقياس، من الأمور الدنيوية إلى الأمور الأساسية والمصيرية في حياتك. هذا هو جوهر ما يدور حوله الدماغ”.

بدعم أولي يبلغ حوالي 10 ملايين جنيه إسترليني (ما يقابل حوالي 14 مليون دولار) مُقدم من مؤسسة سيمونس ومقرها الولايات المتحدة وصندوق ويلكوم ترست، يجمع هذا المسعى علماء الأعصاب من العديد من المختبرات المختلفة معاً في مجموعة أبحاث افتراضية تُسمى المختبر الدولي لأبحاث الدماغ (آي بي إل).

نصف هؤلاء الباحثين في المختبر الدولي لأبحاث الدماغ (آي بي إل) سيقومون بإجراء التجارب والنصف الآخر سوف يركزون على النماذج النظرية لكيفية صنع الدماغ للقرار.

كيف جاءت الفكرة؟

ولد المختبر الدولي لأبحاث الدماغ (آي بي إل) إلى حد كبير من إدراك أن العديد من المشاكل في علم الأعصاب الحديث من الصعب جداً لمختبر واحد القضاء عليها.

ولكن العلماء المؤسسين يشعرون أيضاً بالإحباط من الطريقة التي يتم بها إجراء البحوث اليوم.

ففي حين أن العديد من علماء الأعصاب يعملون على نفس المشاكل، فإن المختبرات المختلفة تتنوع في التجارب التي تجريها وطريقة تحليل البيانات التي تحصل عليها، وغالباً ما يكون من المستحيل مقارنة النتائج عبر المختبرات المختلفة لبناء صورة واضحة لما يحدث حقاً في الدماغ.

وقالت آن تشرشلاند، عالمة الأعصاب المشاركة في المشروع في مختبر كولد سبرينج هاربور في نيويورك: “في كل مرة نقرأ فيها ورقة بحثية جديدة نجد أنها تحمل نتائج مختلفة، ولا نعرف على وجه التحديد ما إذا كان ذلك يرجع لأسباب علمية عميقة، أو لأن هناك اختلافات صغيرة في الطريقة التي تتم بها تلك التجربة”.

وأضافت “في الوقت الحالي، كل مختبر لديه طريقته الخاصة للقيام بهذه الأمور”.

ويأمل هذا المختبر الدولي الجديد في التغلب على هذه العيوب. وسوف يعمل العلماء في المشروع على نفس المشاكل على وجه التحديد بنفس الطريقة بدقة.

فالتجارب الحيوانية، على سبيل المثال، سوف تستخدم سلالة واحدة من فئران التجارب، وسيتم تدريبها جميعاً واختبارها وتسجيلها بنفس الطريقة. وهي استراتيجية لا يؤخذ بها عادة في العلوم والأبحاث.

وتقول تشورشلاند: “في نهاية المطاف، فإن السبب الذي دفعنا لذلك، هو كما جاء في أحد الأمثال: “وحدك يمكن أن تذهب بسرعة أكبر، ولكن معاً يمكننا الذهاب أبعد”.

سيتم تحليل نتائج المختبر (آي بي إل) باستخدام نفس البرنامج وستتم مشاركتها مع الأعضاء الآخرين على الفور.

ويشبه هذا التعاون الطريقة التي يعمل بها الفيزيائيون في سيرن (المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية التي تضم 20 دولة)، وهو مختبر فيزياء الجسيمات الأولية بالقرب من جنيف، وهو المختبر الذي يضم المصادم الهادروني الكبير.

وفي الوقت الراهن، يضم فريق (آي بي إل) الذي يبحث أسرار المخ باحثين من جامعة كاليفورنيا، وبرينستون، وستانفورد، وكولومبيا، وإيكول نورمول بباريس، ومركز تشامبا ليمود في لشبونة، ولكن على مدى 10 إلى 15 عاماً من عمر المشروع، من المتوقع انضمام المزيد من العلماء.

القرارات التي سيركزون عليها

صنع القرار هو مجال دراسي منفصل في حد ذاته، لذلك سوف يركز الباحثون بالمختبر الدولي ببساطة على ما يسمى القرارات الإدراكية: وهي تلك القرارات التي تنطوي على الاستجابة للمشاهد أو الأصوات.

على سبيل المثال. في كل اختبار قياسي، سوف يقوم العلماء بتسجيل الطريقة التي تنطلق بها الخلايا العصبية في الفئران أثناء مشاهدة بعض النقاط الخافتة التي ستظهر على الشاشة ثم إدارة عجلة “ليغو” لتوضيح ما إذا كانت النقاط تقع على اليسار أو اليمين.

تُخطئ الفئران غالباً عندما تكون النقاط خافتة، وهذه هي النقطة الهامشية التي أثارت اهتمام العديد من العلماء.

ماتيو كارانديني، عالم الأعصاب المشاركة في مختبر (آي بي إل) في كلية لندن الجامعية، يقارن المهمة براكب إحدى الدراجات الهوائية وهو يقترب من إشارة المرور في المطر.

“إذا كان الضوء أخضر، تذهب، وإذا كان أحمر، يمكنك التوقف، ولكن هناك غالباً شيء من عدم اليقين. في كثير من الأحيان لا يمكنك أن ترى سوى قليل من اللون الأحمر، ولا تكون متأكداً في تلك اللحظة من أنه قادم من إشارة المرور، ولكن مازال عليك أن تتخذ أحد القرارات”.

ليس لدى الكتب والمراجع العلمية الحديثة في علم الأعصاب سوى وصف تقريبي لكيفية اتخاذ القرارات الإدراكية.

عندما يضرب الضوء القادم من إشارة المرور العين، تقوم الشبكية بتحويله إلى نبضات كهربائية يتم إرسالها إلى القشرة البصرية للدماغ. التي تقوم بتفسير ومعالجة الصورة، وفي مرحلة ما يتم اتخاذ القرار بغض النظر عن إطلاق الخلايا العصبية في القشرة الحركية من عدمه والعمل على الاستجابة.

وعبر البيانات التي سيتم تسجيلها من خلال آلاف الخلايا العصبية في جميع أنحاء أدمغة الفئران، يأمل علماء المختبر الدولي (آي بي إل) في معرفة كيف ومتى يتم سحب الخلايا العصبية في هذه العملية.

ولكن المختبر الدولي لأبحاث الدماغ (آي بي إل) لم يضع بعد رؤيته لتوضيح كيفية اتخاذ القرارات المعقدة: على سبيل المثال أي شقة يمكن استئجارها، من هم الذين يمكن إنشاء وتكوين شراكة معهم، لمن أُصوت. ولكنها تُعد بداية جيدة.

وتعلق الغارديان عندما يتعلق الأمر باستجابات الإنسان للعالم الخارجي، لا يمكن لعلم الأعصاب أن يفسر كثيراً القرارات غير المحسوبة والمندفعة.

ويقول كارانديني: “ما لا يدركه الناس في كثير من الأحيان أنه كعلماء ليس لدينا أي فكرة عن كيفية عمل الدماغ”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى