تفاقم العلاقة بين تركيا المتقاربة مع ايران وامريكا المؤيدة للاكراد

وضعت جملة من الأمور العلاقات الثنائية بين أمريكا وتركيا على المحك، جعلتها تسوء وتمر بأسوأ مراحلها منذ الحرب الباردة، حيث كان قرار تعاطي واشنطن مع مخاوف أنقرة من تسليح الأكراد في سوريا المصنفين عندها على قائمة “الإرهاب” بعدم الاكتراث بمصالح تركيا ومخاوفها من تصاعد طموح الأكراد في تشكيل إقليم حكم ذاتي بمحاذاة الحدود التركية، بالأخص بعد تجاوز ذلك التسليح الحد المعقول!، ومن ثم جاءت محاولة الانقلاب الفاشلة وعدم تسليم فتح الله غولن المقيم في أمريكا لتركيا بعد مطالبات كثيرة له. وكانت تركيا أغاضت واشنطن بعدما سربت معلومات القوات الأمريكية في سوريا وهو ما اعتبرته واشنطن قرارًا انتقاميًا من نوع خاص.

إلا أن سوء العلاقة بين البلدين آخذ بالتطور، إذ فتح القضاء الأمريكي ملفات يقول إنها قضية مساعدة تركيا لإيران في التهرب من العقوبات الدولية خلال السنوات الماضية مستهدفًا بذلك وزيرًا سابقًا ومسؤولين مقربين من الحكومة التركية والرئيس أردوغان. إضافة إلى فرض عقوبات على تركيا تقضي بمنع بيع الأسلحة لحرس الرئيس التركي أردوغان عقب هجوم الحرس على متظاهرب أثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن، حيث اتهمت تركيا المحتجين بالصلة بحزب العمل الكردستاني.

وقد ردت الحكومة التركية على توجيه القضاء الأمريكي الاتهام لمرافقين لأردوغان بضرب نشطاء أكراد في واشنطن على هامش زيارة قام بها الرئيس التركي في أيار الماضي، بأنه منحاز وقالت بأنها “تحتفظ بالحق في التصرف بالطرق القانونية ضد هذه الاتهامات العارية عن الأساس”. ومن المتوقع أن يصدر القضاء الأمريكي أوامر باعتقال العديد من حراس أردوغان وهو ما سيغيض أنقرة ويجعل العلاقة تسوء أكثر.

تزامن هذا الأمر مع ما عرضه القضاء الأمريكي قبل أيام حول مساعدة تركيا لإيران في التهرب من العقوبات الدولية عليها في السنوات الماضية، إذ بدأت الولايات المتحدة تتحدث عن دور تركي في مساعدة إيران التي كانت تتعرض لعقوبات دولية بسبب برنامجها النووي في التحابل والتهرب من تلك العقوبات. وقد وجهت السلطات القضائية الأمريكية الأربعاء الماضي تهمة القيام بصفقات تقدر بمئات ملايين الدولارات لحساب الحكومة ومنظمات إيرانية، من بينهم تسعة أشخاص بينهم ثمانية أتراك منهم وزير الاقتصاد السابق ومسؤولون مقربون من الحكومة التركية والرئيس أردوغان.

ومن المتوقع أن تتصاعد الخلافات بين أنقرة وواشنطن في حال إصدار قرار اعتقال بحق أولئك الأشخاص من المتوقع أن يُحول للشرطة الدولية “الإنتربول”. ومن أبرز المتهمين المتوقع أن تُصدر السلطات الأمريكية قرار اعتقال بحقهم، محمد ظافر شاغليان الذي كان آنذاك وزيرًا للاقتصاد وسليمان أصلان، ولاوند بلقان، وعبد الله حباني، وجميعهم مسؤولون في المصرف المركزي التركي ومتهمون بتبييض أموال عائدة لإيران وإتاحة المجال أمامها للوصول إلى النظام المالي الأمريكي لقاء ملايين الدولارات من الأموال والذهب.

وكانت الحكومة التركية اعتقلت قبل أكثر من عام رجل الأعمال التركي الإيراني الأصل، رضا زراب، إلى جانب محمد حقان، ووجهت لهم تهمًا في خرق العقوبات الأمريكية على إيران. ومن المتوقع أن تبدأ محاكمتهما في 30 تشرين الأول في نيويورك ويواجهان عقوبة بالسجن تصل إلى 30 عامًا بسبب قيامه بتجاوز العقوبات المفروضة على إيران بتهم الإرهاب.

بالنسبة لأنقرة فقد ردت على تلك التهم بأنها محاولة للنيل منها، بالأخص أن جميع من وجهت التهم  لهم مقربين من الحكومة، أما الرئيس التركي أردوغان اعتبر قرار القضاء الأمريكي، “قرارًا سياسيًا موجه ضد الدولة التركية”، وقال “هذه الإجراءات سياسية بالكامل” واعتبره “إجراء اتخذ ضد الدولة التركية”.

كما علق نائب رئيس الوزراء، المتحدث باسم الحكومة التركية بكر بوزداغ، الإثنين الماضي، إنّ علاقات بلاده التجارية مع إيران والتعاملات الحالية في البنوك التركية، مطابقة للقوانين المحلية والدولية، وتخضع للرقابة. واعتبر هو الآخر أن “القضاء الأمريكي بات آلة لتصفية حسابات منظمة فتح الله غولن الإرهابية مع الحكومة التركية، عبر قضية الإيراني رضان زراب”.

يُشار أنه بعد اشتداد وطأة العقوبات المصرفية زادت طهران من مشترياتها من الذهب من تركيا بشكل كبير، عبر رجل الأعمال التركي من أصل إيراني رضا زراب. ووفقًا لبيانات تجارية للحكومة التركية بلغت صادرات الذهب من تركيا لإيران 1.8 مليار دولار. وكانت إيران تعمد إلى إخفاء شحنات الذهب التي تشتريها من تركيا خشية لفت أنظار الولايات المتحدة التي تضغط على الدول في أنحاء العالم لتقليص علاقاتها الاقتصادية مع إيران.

وبعد اعتقال رضا زراب في الولايات المتحدة على أثر إدلائه بيانات خاطئة حول كمية الأموال التي يحملها، اكتشفت السلطات بعد تحقيقات معه مراسلات بينه وبين حاكم المصرف المركزي الإيراني يخططان لتجاوز العقوبات الأمريكية على طهران وأن له عددًا من الشركات الوهمية في تركيا ودبي ومصر ولبنان. وأنه يستخدمها لنقل كميات نقد إلى المركزي الإيراني تعدت المياري دولار مقابل حصوله على عمولة من إيران. وتم ضبط حمولة ذهب تقدر بـ 1.5 طن على متن طائرة تعود له وصلت لاسطنبول من غانا قبل أن تتوجه إلى إيران.

وقد تمكن زراب من فتح فجوة في العقوبات الأمريكية والغربية على إيران وأن يمهد الطريق لبيع النفط مقابل الذهب في عملية معقدة تمت عبر 11 شركة وهمية تأسست في تركيا والصين ومناطق أخرى.

لماذا فتحت واشنطن هذه القضايا الآن؟

لا يمكن فهم أسباب تحريك هذه القضايا ضد أنقرة في هذا الوقت بالذات، إلا في سياق العلاقة المتوترة بين واشنطن وأنقرة في العديد من التوجهات وبالأخص في سوريا. ولعل أمريكا أردات الرد على تركيا بعد نشرها المعلومات السرية الخاصة بالجيش الأمريكي في سوريا عبر التصعيد في هذه القضية الآن، كرد على فعلة أنقرة.

إلا أن واشنطن قد لا تهتم بأمر صغير كهذا بقدر ما هو أكبر من ذلك!، وهو التقارب الذي حصل بين إيران وتركيا في المرحلة القريبة الماضية، ومن جهة أخرى التقارب مع روسيا أيضًا والذي أدى إلى عقد صفقة إس -400 بين البلدين، وهو ما أثار مخاوف أمريكا من انحراف حليفتها في حلف الناتو وحصولها على أسلحة روسية استراتيجية.

فبينما سعت أمريكا لعدم حصول أنقرة على أي جزء من سوريا بل تهديد أمنها القومي عبر تسليح الأكراد وربما منحهم منطقة حكم ذاتي في الشمال، بينت تحالفات أنقرة مع طهران وموسكو، عن صفقة تتضمن مقايضة وجود عسكري لتركيا في إدلب مقابل سيطرة إيرانية على جنوب دمشق وتوسيع منطقة السيدة زينب. وهو ما أثار حنق الإدارة في واشنطن.

وبحسب ما أورده إيراهيم الحميدي في تقرير له على الشرق الأوسط أمس الاول الثلاثاء فقد أشارت المصادر إلى أن الاتفاق سيقر في اجتماع آستانة اليوم الخميس ويوم غد الجمعة. حيث ضغطت موسكو على دمشق لقبول الوجود العسكري التركي شمال سوريا بطريقة أعمق من دور الجيش التركي ضمن عملية “درع الفرات” في شمال حلب، بحيث تبدأ فصائل المعارضة عملية برية ضد “هيئة تحرير الشام” تحت غطاء جوي روسي وتركي نهاية الشهر الحالي.

إلى جانب ذلك فقد أعلن الرئيس التركي أردوغان أمس الاول الثلاثاء عن توقيع عقد مع روسيا لشراء منظومات صواريخ إس – 400 المضادة للطيران، هو الأكبر بين البلدين حتى الآن وهو الأكبر الذي توقعه تركيا مع دولة خارج حلف الناتو، حسبما نقلت عنه وسائل الإعلام التركية، التي أفادت عن الرئيس أنه تم تسديد دفعة أولى. وهو ما يثير قلق الدول الأخرى وفي مقدمتها واشنطن، حيث حذر البنتاغون من أنه من الأفضل “بصورة عامة أن يشتري الحلفاء معدات تعمل معًا.

وربما بعد فشل جميع الضغوط السياسية التي نفذتها أمريكا على تركيا، قد تدرس واشنطن خيار العقوبات الاقتصادية ففتح قضية خرق تركيا للعقوبات على إيران قد ينجم عنه قرارات من هذا الحجم إذا لم يتم معالجة القضية والتفاهم بين الحكومتين حيال هذا الأمر.

مع ذلك يبدو خيار فرض أمريكا لعقوبات اقتصادية على تركيا، قرارًا جريئًا وقد يؤدي لعواقب غير محسوبة بالنسبة لأمريكا. أبرزها تشكل حلف ثلاثي بين روسيا وإيران وتركيا لمواجهة العقوبات الأمريكية إذ سيكون المشترك في هذا الحلف العقوبات الأمريكية عليها، وهذا من شأنه أن يبرز قوة أكبر ضد واشنطن في المنطقة.

أضف أن أي عقوبات أمريكية على أنقرة سيؤدي بها للتوجه نحو الصين والارتماء في حضنها بشكل أكبر وبالأخص في الشق الاقتصادي وهو ما سترحب به بكين، التي تسعى لإقامة نظام مالي وسياسي بديل عن النظام الأمريكي الموجود منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. بالإضافة إلى هذا كله، فإن أوروبا حليف واشنطن ستكون من البلدان التي قد تعاوض هذه العقوبات بسبب الأضرار التي قد تلحق بها من جراء هكذا قرار. لذا من المتوقع أن تفكر واشنطن مرتين قبل أن تفرض أي عقوبات اقتصادية تستفز بها أنقرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى