ملاحظات وإشارات عن الواقع العربي الراهن !

لا يزال الواقع العربي الراهن المريض والمشظى يولد الكثير من الظواهر والمستجدات التراجعية لدرجة يجد المرء ذاته في حالة انشداه فكري واستغراق في ملاحقة اللامعقول حد الاضطراب والمتاهة ، وتكاد تغيب عن ناظرينا البدائل والخيارات وتطغى على عقلنا التناقضات والصراعات والتحديات ، وغدونا في فوضى واهتياج جراء هذا الانئسار والانحباس ، وضعفت فينا الهمة حد التلاشي .

ولا يلومنا احد على هذه السوداوية وهذا الإنطواء على مطارح الوجع فالإشكاليات كبيرة والرؤى ضيقة والمصيبة جلل ذلك أن كوارث الأمة تتعاظم حتماً  في ظل تعمق الانسداد وتلاشي الهمة وغياب الرؤيا والاغتراب والبقاء طويلاً في عراء شامل للعقل والروح معاً ، وعندما لا يكون هناك أمل أو مخرج ينذهل العقل ويستقيل ويصبح الناس في حيرة ومتاهة !

ومع كل ما نورده من سواد وإعتام في واقعنا العربي إلا أن واقع الحال الكارثي والموجع هذا يوسّع ويفسح المجال لكي نبقى في دائرة وإلحاحات سؤال ما العمل ؟ وأين المفر؟ وماذا في الوسع أمام هذا الجدار العربي الأصمً الذي يتطاول ويسد الرؤيا ويخنق العقل ؟

وترانا ونحن على هذا الحال نبحث في كل الزوايا عن بارقة الأمل وعن الممكنات الكامنة والخيارات المتاحة ذلك أن في الميدان ( ومن خلال رؤية تاريخية تفاؤلية ) الكثير مما يمكن للإرادة أن تحركه وتستنهضه وتعيد  بنائه ،لا سيما وأن زمن الأمة منذ بزوغها وتكونها التاريخي وهي في هذا المخاض وهذه المدارات ، مدارات السقوط والنهضة ، لكن تجذّر الحس التاريخي فيها كان يوقظها على دورها ومهماتها ويعيدها إلى مسارات النهضة والانبعاث ، ويبعث فيها حس الانقلاب والتغيير والاستنهاض وكان ذلك ديدنها ويقينها وهو ما أنقذها في لحظات تاريخية عديدة من الاستسلام والموات والخروج من التاريخ ، وكان صوت وصدى التاريخ الحافز يتردد في كل بقاعها وأصقاعها مؤذناً بالمواجهة والمكابدة ويدعوها للتحدي والاستجابة والخروج من حالة العقم والانسداد .

لكن أحوال الأمة والعالم من حولها تغيرت وأنتجت وقائع معقدة وتحولات كبيرة ولّدت في مساراتها ومداراتها  أنماط جديدة ومركبة من الظواهر والاشكاليات والتحديات لا يمكن مقاربتها ووضع الحلول لها  كما يتبدى أحياناً  بفكر الأمنيات والإنشاء  والتهيؤات ، إذ لابد من انبثاق آليات وقراءات جديدة للتفكير بهذا الواقع المركب والمعقد ، ولا بد من اجتراح سياقات وأنساق عقلية نقدية ومجال تفكيري يسبر غور الأزمة العربية ويضع تصورات واستشرافات لحلها ولا بد من وصول هذا الانشغال الفكري إلى العقل الجمعي للأمة  لكي يتوضح المشهد وعناصره ولكي ينتقل الناس  من حالة الضياع إلى حالة النور ولكي تضعهم هذه الافصاحات – التي نأملها ونبشر بها – أمام مسؤولياتهم التاريخية  حتى يصار إلى انتاج واقع عربي مغاير وجديد تتلاقى فيها النخب مع أبناء الأمة على كافة مستوياتهم ومواقعهم من اجل اشتقاق السبل والدروب والمبادرات لاستنهاض الأمة وإزالة الغمة ، وذلك هو مغزى ومناط الكلام المسترسل عن الواقع العربي واشكالياته ومصائره !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى