الفساد والبيروقراطية تحولان دون انتشار بنوك الفقراء بالعالم العربي

تعتبر تجربة القروض الصغيرة أو المجهرية في العالم العربي حديثة العهد, نظرا لانها قد بدأت في تسعينيات القرن الماضي، مقارنة ببنك الفقراء في بنغلاديش الذي تأسس في العام 1976، ثم إن نسبة الفائدة التي تحققت في البلدان العربية لا تزال متواضعة أيضًا ولم تصدر تجربة فريدة للعالم في هذا السياق. فـ 1% فقط من القروض المصرفية في مصر مثلاً، يُخصّص للمؤسسات الصغيرة والمجهرية، وأكثر من مليونين من تلك المؤسسات لا تصل إلى التمويل.

وإجمالاً المنطقة العربية هي الأسوأ عالميًا، بعد أفريقيا جنوب الصحراء، من حيث عدد القروض وحسابات الودائع قياسًا بعدد السكان الإجمالي. ويعد بنك الأمل للتمويل الأصغر في اليمن هو أول بنك من نوعه يقدم خدمات مالية لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر في تسعينيات القرن الماضي، إضافة إلى تقديمه الخدمات المالية التي تتمثل في الاقتراض والتحويل وأيضًا الادخارات بالإضافة إلى قضية التأميم.

بنك الفقراء في بنجلاديش

تعد القاعدة العامة في بنوك الفقراء سواءًا في الوطن العربي وفي العالم عمومًا بأن للفقراء الحق في الحصول على الخدمات المالية التي يحصل عليها الأغنياء، فعادة ما يقتصر دور القطاعات المصرفية في العالم كله وفي الوطن العربي بشكل خاص على تمويل أصحاب المشاريع الكبيرة أو رجال الأعمال الكبار، فيما يتم تجاهل الفقراء وأصحاب الدخل المحدود لأسباب تتعلق بعدم كفاءتهم المالية، بأنهم غير جديرين بالإقراض، وغير أهل للائتمان.

فالتقديرات تشير إلى أن أكثر من 94% من القروض البنكية العربية تذهب لرجال الأعمال ذوي الوزن الثقيل، وتأتي الدول العربية في ذيل قائمة الدول التي تمنح قروضا للفقراء كي ينشئوا بها مشروعات صغيرة. في بنغلاديش انتبه إلى هذه الثغرة في التمويل الاقتصادي، محمد يونس، مؤسس بنك غرامين أو بنك القرية أو ما اصطلح على تسميته “بنك الفقراء”، الذي حاز جائزة نوبل للسلام في العام 2006. بدأت التجربة في العام 1976 عبارة عن مشروع اقتصادي ربحي يقوم على تدوير المال واستثماره، وذلك بإقراض المال لعملائه من الفقراء.

ويتخذ البنك من الوسائل الكفيلة لاستعادة هذا المال من خلال نظام مالي وإداري صارم قائم على ضمان الجماعة المحلية، إضافة إلى رقابة ومتابعة موظفي البنك للمقترض، حيث يستطيع المستفيد الحصول على القرض، وعليه الالتزام باستثماره في الغرض المطلوب من أجله خلال الأسبوع الأول من استلام القرض.

تتواجد فروع بنك جرامين في المناطق الريفية، فهو يعمل على أساس أن الفقير لا ينبغي أن يذهب إلى البنك، وإنما على البنك أن يذهب إليه. ويتعامل البنك مع سبعة ملايين شخص في أكثر من 77 ألف قرية، كما يعطي الأولوية للنساء اللاتي يشكلن 96% من مقترضي البنك، ويعمل على تحسين أوضاعهن في أسرهن بإعطائهن القدرة على التملك. وتتراوح قيمة قروضه بين 10 و250 دولارًا حسب نوع القرض، واللافت فيه أن نسبة سداد القروض وصلت لـ 99%، وبعد نيل البنك صفته المصرفية سنة 1983 قدّم منذ نشأته حوالى 69.4 مليار دولار كقروض صغيرة سدّد المقترضون 99% منها.

التقديرات تشير إلى أن أكثر من 94% من القروض البنكية العربية تذهب لرجال الأعمال ذوي الوزن الثقيل، وتأتي الدول العربية في ذيل قائمة الدول التي تمنح قروضا للفقراء كي ينشئوا بها مشروعات صغيرة.

وعمل البنك لاحقًا على استحداث برنامج للشحاذين سماه “برنامج الأعضاء المكافحين”، التحق فيه نحو 100 ألف شحاذ تحولوا إلى مواطنين منتجين. بنك غرامين وصاحبه محمد يونس أسس تجربة فريدة أثبتت أن الفقراء لا يحتاجون لمن يتصدق عليهم بالسمكة بل لمن يعطيهم إمكانيات صيدها.

كما بدأت مؤسسات جديدة تابعة للبنك بالعمل في مجالات جديدة، مثل مؤسسة “جرامين كريشي” التي ظهرت عام 1991 وتهدف إلى تحسين نظام الري، والعمل على إدخال التقنية ومساعدة المزارعين على زيادة محاصيلهم، والعمل على زراعة الأراضي غير المستغلة، وزيادة فرص التوظيف للنساء الفقيرات في مختلف الأنشطة الزراعية. وبفضل قروض جرامين للنساء العاملات في الغزل والنسيج تبوأت بنجلاديش المركز الثاني عالميا بعد الصين في صناعة الملابس الجاهزة.

حاجة بنك الفقراء في الوطن العربي 

تعد الحاجة لمثل هذا البنك ماسة جدًا وخصوصًا في مثل الحالة التي تمر بها البلاد العربية من عدم قدرة الحكومات على خلق وظائف جديدة، واتباع سياسات الخصخصة دون الاكتراث بالمواطنين من ذوي الدخل المحدود والفقراء. فهناك أكثر من مائة مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، تقول التقديرا بأن هناك أكثر من 15 مليون عربي يعانون من البطالة ويلامس الرقم عشرين مليونًا بسبب سوء الأحوال المعيشية التي اكتسحت البلدان العربية في الأعوام القليلة الماضية.

تعامل غرامين مع 7  ملايين شخص في أكثر من 77 ألف قرية، كما يعطي الأولوية للنساء اللاتي يشكلن 96% من مقترضيه، ويعمل على تحسين أوضاعهن في أسرهن بإعطائهن القدرة على التملك.

قدر حجم قطاع التمويل متناهي الصغر في العالم العربي في العام 2009 بنحو 5.5 مليار دولار أمريكي. فيما تشير الإحصاءات إلى أن هناك حوالى 60 مليون شخص في العالم العربي يعيشون بمعدّل دخل يقل عن دولارين يوميًا وأنه حتى العام 2009 تمّت تلبية الطلب على منتجات التمويل متناهي الصغر وخدماته بنسبة أقل من 10% فقط، ولاسيما أن القطاع المالي يفضل التركيز على قطاع السوق الأغنى لأن مخاطره أقل وربحيته أعلى.

وتعد مصر واحدة من الدول التي ترتفع فيها معدلات الفقر، فهناك 11.8 مليون مواطن ينفقون أقل من 333 جنيهًا في الشهر، كما أن 27.8%  في العام 2015 من سكان مصر فقراء ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الغذائية وغير الغذائية،  بعدما كان 30% عام 2000 ومن المرشح أن يرتفع الرقم إلى أكثر من ذلك خلال السنوات القادمة بسبب الأحوال السيئة التي تعاني منها البلاد.

في حين أن بنغلاديش تمكنت من خفض معدلات الفقر بنسب كبيرة جدًا، قبل حلول 2015، فنسبة الفقر هناك تقلصت من 44.2% عام 1991 إلى 18.5% عام 2010، ثم إلى 13.8% عام 2015 بناء على بيانات البنك الدولي.

يعد الوطن العربي من أقل الأقاليم اعتمادًا على آلية القروض الصغيرة والقصيرة الأجل في مجال مكافحة الفقر”، وأن “عدد الفقراء الناشطين اقتصادياً في البلدان العربية كان حتى نهاية العام 2007 قد بلغ نحو 2,2 مليون عميل بمحفظة قروض 900 مليون دولار بحسب تقرير “التمويل متناهي الصغر ودور البنوك المركزية في الرقابة والإشراف عليه” الذي أصدره صندوق النقد العربي في العام 2010.

في الواقع فإن أبرز العوائق التي تحول دون تطبيق تجربة غرامين في العالم العربي، هي البيروقراطية وهي من المشاكل البنيوية التي تعاني منها البلدان العربية إضافة إلى كل من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وثمة مشكلات مهمة تتعلق بمؤسسات الإقراض الصغير أو المتناهي الصغر نفسها وعدم تطبيقها معايير الجودة وقياس الأداء ورفع التقارير حول عملياتها إلى مؤسسات محايدة ومتخصصة، فضلاً عن عدم اعتمادها أفضل الممارسات والتطبيقات العملية في هذه الصناعة وعدم تنويع أو ابتكار منتجات تمويلية جديدة تنافس احتياجات هذه السوق وتلائمها بهدف وصولها إلى مرحلة الكفاية التشغيلية والتمويلية.

ومن المشكلات أيضًا ما يتعلّق بضعف مشاركة القطاع الخاص وتحديدًا البنوك التجارية وانخفاض حجم الاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع، فضلاً عن غياب أو ضعف القدرات والكوادر البشرية التي تقع عليها مسؤولية النهوض بالبناء المؤسّسي ورفع مستوى قدرات العاملين في هذا القطاع. أمام كل تلك المشكلات التي تواجه التمويل الصغير والمتناهي الصغر في العالم العربي فإنه من غير الممكن أن ينمو هذا القطاع، إذ يحتاج للحد الأدنى من العوامل الآنفة الذكر للينمو ويزدهر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى