دلائل ومؤشرات اولية على عدد من التحولات في المواقف السعودية من سوريا وايران واليمن

 

قام رشدي العاني, السفير العراقي لدى الرياض, وعبد العزيز الشمري, القائم بأعمال سفارة السعودية لدى بغداد امس بزيارة منفذ “جديدة عرعر” ومنفذ “عرعر” الحدودي العراقي واطلعا على كافة التجهيزات.

وقد تفقد المسؤولان، امس الاثنين، قسم الرقابة الصحية والمستشفى الموسمي في منفذ “جديدة عرعر”.

وبين السفير العراقي أنه تلقى طلبا من المملكة لفتح قنصلية سعودية عامة في محافظة النجف بالعراق.

من جهته، قال القائم في أعمال السفارة السعودية لدى بغداد عبد العزيز الشمري إن “اليوم يوم مميز في تاريخ العلاقات السعودية العراقية”.

وأفاد بأن جني ثمار هذا التقدم جاء نتيجة لزيارات الوزراء العراقيين للمملكة خلال الأشهر الماضية، وخلال الاجتماعات التي تم خلالها الاتفاق على كثير من الاستثمارات والمشاريع التي تخدم البلدين.

وأكد الشمري أن المنافذ البرية مغلقة رسميا منذ 27 عاما، علما أن منفذ “جديدة عرعر” كان يستخدم فقط لاستقبال الحجاج خلال الأعوام السابقة والحالية.

ويأتي هذا الاجراء الحدودي في اطار تطورات في الرؤية السياسية السعودية، ربما تكون بداية لتغيير القيادة من الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى نجله، محمد بن سلمان، وربما تكون بناء على أوامر أمريكية أو صفقات سياسية، وبعيدًا عن أسباب تغيرها، فإن التوجه الجديد ظهر جليًا في الانعطافة السعودية تجاه الأزمة السورية ورؤيتها حول نظام الرئيس بشار الأسد، وطريقة تعاملها مع المعارضة، حيث أبرزت مرونة قد تتبعها المملكة قريبًا مع إيران، في محاولة لحلحلة الأزمة الخليجية الإيرانية المستمرة منذ أعوام.

ومن مؤشرات هذه الاستدارة السعودية, ملف الحج الذي كان من أبرز الملفات تعقيدًا واشتباكًا وساهم في تغذية التوترات بين المملكة وإيران لأشهر طويلة، أصبح الآن من أبرز الملفات التي يجتمع عليها الطرفان، حيث شهد توافقًا وتنسيقًا سعوديًا إيرانيًا غير مسبوق، ظهر مؤخرًا في وصول وفود من الحجاج الإيرانيين إلى المملكة منذ 31 تموز الماضي، وتأكيد نائب وزير الحج السعودي، عبد الرحمن البيجاوي، استعداد المملكة الكامل لحل أي مشكلة قد يتعرض لها الحجاج الإيرانيون، قائلا، لدى لقائه الوفد الإيراني لرعاية شؤون الحجاج في المدينة المنورة المكوّن من 10 دبلوماسيين، إن الرياض تلتزم بتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن بمن فيهم الحجاج الإيرانيون.

في الإطار ذاته، أعلنت وسائل الإعلام في طهران، أن رئيس المنظمة الإيرانية للحج والزيارة، حميد محمدي، افتتح السبت الماضي، مكتب بلاده لشؤون الحج في المملكة بمدينة مكة المكرمة، مشيرة إلى أن البعثة تقدم خدمات وتسهيلات للحجاج الإيرانيين، وذلك بعد إغلاق المكتب لأكثر من عامين عقب قطع العلاقات الدبلوماسية بین طهران والریاض، فيما أكد عضو اللجنة الثقافية في البرلمان الإيراني، أحمد سالك، وجود مشاورات مع السعوديين لإيفاد قوافل العمرة بعد انتهاء موسم الحج الحالي.

ملف الحج لم يكن المؤشر الوحيد على عودة التنسيق والحديث السياسي بين المملكة وإيران، فتصريحات وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الأخيرة بشأن الأزمة السورية تعتبر أيضًا مؤشرا واضحا على تغير السياسة السعودية والسعي إلى التقارب مع طهران وتطبيع العلاقات بين الطرفين، حيث فجّر الجبير قبل أيام مفاجأة من العيار الثقيل، عندما أبلغ الهيئة العليا للمفاوضات “منصة الرياض” أن الرئيس السوري باقٍ في منصبه، وعلى الهيئة الخروج برؤية جديدة، وإلَّا ستبحث الدول عن حل لسوريا من دون المعارضة، منوهًا إلى أن الوقائع تؤكد أنه لم يعد ممكنًا خروج الأسد في بداية المرحلة الانتقالية، مضيفًا: يجب أن نبحث مدة بقائه في المرحلة الانتقالية وصلاحياته في تلك المرحلة.

تصريحات الجبير أثارت غضب المعارضة ودفعت نحو التساؤل حول ما إذا كانت تمهيدا لتخلي المملكة عن المعارضة السورية التي طالما دعمتها سياسيًا وعسكريًا وماليًا لمواجهة النظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد، وطالبت مرارًا بضرورة تنحيه وعدم وجود مستقبل له في سوريا، فيما ربطها بعض المراقبين بإجراءات أمريكية مماثلة تشير إلى تخلي إدارة الرئيس ترامب عن دعم المعارضة أيضًا ووضع إدارة الملف السوري برمته في يد روسيا حليفة النظام السوري، لكن في النهاية، فإن هذه التصريحات تصب في اتجاه تغير اللهجة السعودية مع الأزمة السورية واستدارة المملكة نحو المعسكر الروسي الإيراني السوري الذي يكاد يكون الوحيد الفائز خلال سنوات الصراع الماضية.

إلى جانب المؤشرات السابقة، تواردت أنباء مؤخرًا لاقت اهتماما دوليا وعالميا، فيما لم يبد المسؤولون السعوديون أية ردة فعل عليها، بشأن رسالة سلام ودية بعثها ولي العهد، محمد بن سلمان، إلى طهران، وتحدث عنها وزير الداخلية العراقي، قاسم الأعرجي، أمس الاول الأحد، فيما عادت لتنفيها الوزارة اليوم الاثنين، حيث قال الأعرجي إن ولي العهد السعودي طلب رسميًا من بغداد خلال زيارته الشهر الماضي، التوسط بين السعودية وإيران لخفض التوتر بينهما، وأن الملك سلمان بن عبد العزيز، أيضًا كان قَدم طلبًا مشابهًا من قبل، وسبقت تصريحات وزير الداخلية العراقي تلميحات إعلامية خليجية عن دورٍ عراقي محتمل في تصحيح العلاقة مع إيران، وإعادتها إلى سكّتها الصحيحة.

ورأى مراقبون في المصافحة المثيرة للجدل بين وزيري خارجية إيران، محمد جواد ظريف، والسعودية، عادل الجبير، على هامش الاجتماع الطارئ لمنظمة التعاون الإسلامي، الشهر الماضي، بداية لذوبان الجليد بين الطرفين، فيما رأى آخرون أنها تأتي ضمن الأعراف الدبلوماسية والاحترام المتبادل بين الطرفين.

ويرى بعض المراقبين أن أحد أهم أسباب تغير اللهجة السعودية في التعاطي مع الكثير من القضايا، يعود إلى فشل جميع رهانات المملكة سواء في الأزمة السورية، خاصة بعد سيطرة الجيش السوري على معظم الأراضي التي كانت تحت سيطرة الجماعات الإرهابية، أو في الأزمة اليمنية المستمرة منذ أكثر من عامين ولم تحقق أيًا من الأهداف السعودية، بل أضفت المزيد من الأعباء الاقتصادية والسياسية وجلبت المزيد من الانتقادات الدولية والحقوقية للمملكة، أو الأزمة الخليجية مع قطر وغيرها مع إيران، الأمر الذي أدرك على إثره القادة السعوديين موخرًا أنه لا سبيل أمامهم سوى التنازل عن سياسة العنجهية والتعنت مع باقى الدول والجيران، وأن السبيل الوحيد لحل جميع القضايا العالقة هو الجلوس على طاولة مفاوضات مع طهران على اعتبار أنها قوة كبيرة ومسيطرة على العديد من الملفات التي تورطت فيها السعودية مؤخرًا، سواء سوريا أو اليمن أو الأزمة الخليجية.

في الإطار ذاته، فإن المملكة في الوقت الحالي تعاني من ضائقة اقتصادية غير مسبوقة، إضافة إلى حالة اضطراب سياسي على أراضيها خاصة بعد أحداث مدينة العوامية، والانقلاب داخل البيت الحاكم على ولي العهد السابق، محمد بن نايف، الأمر الذي يشكل بركانًا داخل المملكة تسعى القيادة الحالية إلى إخماده قبل فورانه، فالمملكة بحاجة إلى تحقيق نوع من الاستقرار على الساحتين الداخلية والخارجية.

وعلى هذا الصعيد قال موقع “ميدل إيست آي” إن ابن سلمان، يريد الخروج من اليمن، بعد سنتين من الحرب، وإنه لا يمانع التقارب الأمريكي من إيران، وفقا لبريد مسرب للسفير الإماراتي لدى واشنطن، يوسف العتيبة.

وفي الرسالة التي حصل عليها الموقع، اعترف ابن سلمان للسفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، مارتن إنديك، ومستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، ستيفن هادلي، قبل شهر واحد من الأزمة الخليجية مع قطر، واتهامها بالتواطؤ مع إيران.

وكما في التسريب فقد قال إنديك: “لقد كان محمد بن سلمان واضحا، يريد الخروج من اليمن، ولا اعتراض لديه على التقارب الأمريكي من إيران”.

وبعد عامين على الحرب في اليمن، قتل أكثر من 10 آلاف شخص، وأصيب 40 ألفا آخرين، وتفشى وباء الكوليرا في البلاد.

وشن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية “عاصفة الحزم” في اليمن، لاستعادة البلاد من الحوثيين، ليصبح ثلثا سكان البلاد بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، ويعاني فيها سبعة ملايين من سوء التغذية.

وجاءت التفاصيل في المحادثة بين العتيبة وإنديك، والتي حصلت عليها مجموعة “غلوبال ليكس”.

وفي التفاصيل، فقد كتب العتيبة في 20 نيسان: “في بعض الأحيان يرفع وزراء الخارجية سقف التصريحات قليلا، لكني اعتقد أن محمد بن سلمان أكثر براغماتية مما نسمعه عن المواقف العامة للمملكة”.

وردا على البريد كتب إنديك بعد نصف ساعة تقريبا: “نعم أتفق معك على ذلك، لقد كان (محمد بن سلمان) واضحا مع ستيفن هادلي بشأن رغبته في الخروج من اليمن، وأن لا مشكلة لديه في التقارب الأمريكي الإيراني (بعد الاتفاق النووي) طالما أن أهداف التقارب واضحة”.

وردا على ذلك قال العتيبة: “لن نرى في المنطقة زعيما أكثر براغماتية من محمد بن سلمان، لذلك فإن إشراكه مهم جدا وسوف يعطي نتائج التي نرغب بها من المملكة”.

وتابع إنديك ردا على العتيبة: “نحن نبذل قصارى جهدنا للقيام بذلك”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى