الحكومات العربية صنعت من كرة القدم مشروعاً تتوارى خلفه

منذ قيام ثورة 23ي وليو 1952 تحملت الدولة في تلك المرحلة مسؤولية التنمية الشاملة بداية من إعادة تنظيم للمجتمع، وإنشاء الآليات اللازمة للتخطيط الشامل وتفعيلها ؛ سواء فى مجالات الإنتاج أو الخدمات، واتباع السياسات اللازمة لحفز الاستثمار المحلى والأجنبى على التوجه نحو دعم قدرات الاقتصاد القومى، فضلاً عن انشاء جهاز قادر على صياغة سياسة عامة، اجتماعية واقتصادية، ورياضية للدولة حرصاً على تحقيق أكبر قدر من التناسق، وتفادى السلبيات التى تترتب على الإجراءات المرسلة والمتضاربة. وشهد عام 1955 وما تلاه قدراً كبيراً من الإجراءات والتحولات التى مهدت للانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل النهضة الوطنية.

بدأت الخطة الخمسية الأولى لجمال عبد الناصر 1960-1965, وكان المهام الأساسية للخطة زيادة الدخل القومي بنسبة ( 39.7 % ) خلال السنوات الخمس 1960-1965 , وقد تحققت أهداف الخطة بنسبة ( 97 % ) , وكذلك تحققت خطة رأس المال عموما بنسبة ( 96 % ) . وفي نفس الوقت تعدت الزيادة في العمالة والأجور النسب المحددة لها في الخطة .

كان المشروع الحضارى والتنموى لجمال عبد الناصر يهدف الى تطور مصر فى جميع المجالات من خلال ميكانيزم يساير التقدم العلمى والتطور , فتقدمت الرياضة , وصارت فى خدمة المجتمع ورفع شعار الرياضة للجميع والعقل السليم فى الجسم السليم , وبدت كل الرياضات والألعاب تسير فى نسق محدد يهدف الى رقى الشعب والمجتمع وخلق جيل رياضى قوى قادر على خوض الصعاب فى كل مجال .

حين غادر عبد الناصر اِلى رحاب الله , دمرت كل منجزاته , بفعل كامب ديفيد , ووثبت قوى الرأسمالية والصهيونية العالمية الى مصر تنشر جراثيمها وأذنابها من الرأسمالية المحلية لتصوغ الحياة فى مصر وفق أمانى الأمبريالية العالمية للقضاء على عقل المواطن العربى وبث سموم الأنانية والفردية والأنتهازية بين عرى الشعب لأنفصامها , ومن هنا صارت الرياضة تجارة , ومن أجل ذلك جبهت مع رأسمالية البترودولار الخليجى , وأنصاعت لأمبراطورية “الفيفا” حيث اختزلت الرياضة العربية فى كرة القدم , وصرنا ننقاد وراء مافيا كرة القدم فى أوروربا وأنفتحت الدول العربية سوقا رائجا لمنتج كرة القدم الأوربى ,وبدأت فرقنا العربية لاتقوى على الدخول فى غمار هذه السوق أو المنافسة لضعف المستوى , وعلى ذلك دشنت فى دول الخليج ومصر أمبراطورية اعلامية , تصب فى خدمة أمبراطورية كرة القدم الأوربية , ولتسطيح الشعب العربى وجره الى جدل سفسطائى ,لزيادة النعرة المذهبية والتعصب لفرق بعينها , وجعل فوز فريق الكرة بمثابة فعل قومى يفوق أنتصار الجيوش فى الحرب , بما يجعل كرة القدم بديلا عن المشروع القومى الحضارى والتنموى للوطن .

وحكوماتنا العربية لعبت على الوتر الحساس لكرة القدم , فجُلها لاترى من المستقبل اِلا أنها تريد أن تحكم أكثر فترة زمنيه فى البلاد العربية وسبيلها الى ذلك هو الديكتاتوريه وتغييب أرادة الشعوب ووعيها , بل الأدهى أنها تعمل على تأليب أفراد الشعب كل داخل دولته على بعضه ونشر المذهبية والطائفية والبغضاء بين أفراد المجتمع لعلهم يتشابكون فيما بينهم وينسون سرقات حكامهم وتجريفهم لثروات الأوطان التى يحكمونها , وهو ما يجعل أفراد المجتمع -بعد شرذمته- تتوق كل شرذمه الى نفاق الحاكم وكسب وده والتملق لأذناب حكمه خاصة القوى البوليسية , لعلها تجد فى ذلك مايخيف باقى شرذمات الشعب , فتتفرد الشرذمة التى تمكنت من كسب ود السلطة الحاكمة وتفرض سطوتها على الباقين فتصنع مركز قوة -خاصة مايسمى بالبلطجية واصحاب المال الحرام وكل من يتاجر بقوت الشعب- وعلى المستوى القومى العربى يكون قطع اوصال الشعوب بين البلدان العربية أسهل , وهو هدف أمبريالى صهيونى بأمتياز وهنا تأخذ الطبقات الحاكمه الدرس من القوى الاستعماريه بتبنيها المبدأ الاستعمارى “فرق تسد”.

وسبيل الحكومات الى ذلك الأله الأعلانيه والأعلاميه التى تنفث سمومها منذ معاهدة كامب ديفيد فى أثير الفضاء العربى ليستنشقها شعبنا العربى فتدمر خلايا مخة وعقله , وتهدم الثوابت والمبادىء وتحيل كل أسباب الفشل اليها ,وتطالب بالعرى والنكاح العلنى وتغرسة فى المفاهيم ليسود أن هذا هو التحرر والحريات وأعتبارذلك أساس لحرية العقيدة , والمرأة وحق من حقوق الانسان , وأن الوحدة العربية وتبعا القومية العربية هى من أدت الى الحروب والدمار وأنه لابديل عن العيش اِلا لوعشنا كل فى حاله, ليس له صالح بأنتماء قومى ولاعربى ولا حتى وطنى فى المستقبل , وأن اجتناب العدو هو ان نسلم له وَنَبِيعه حتى النفس والعرض والمال .

كان رأس المال البترودولارى الخليجى الصهيونى , قد بدأ يُفَعِل أستراتيجية الصهيونية بتدمير خلايا أمخاخ شعبنا العربى , فمارس ومازال أقذر أنواع ” الديماجوجيه” على شعبنا العربى , حتى صاركل شىء يدخل فى كل شىء وصار العدو صديق والصديق عدو , وبدى أنه لا ولاء اِلا للمصلحة الذاتيه ونفاق السلطان حتى لو أدى ذلك الى أن يقتل الأخ أخيه , أو أن يبيع الرجل زوجته وبنيه , المهم ” أنا ومن بعدى الطوفان ” .ولذلك خلقوا من كرة القدم مشروعا حضاريا وطريقا وحيدا بدونه لايمكن لدولنا العربية أن تلحق بركب الحضارة والتقدم , ومن هنا صار الحكام يتبنون فرق كرة القدم ويمنحوها جُل أهتمامهم ويتنافسون على أستضافة بطولاتها القارية والعالمية , ويصرفون الغالى والنفيس على فعالياتها دون الصرف على التعليم أو المراكز البحثية أو الصحة التى تدنت الى أسوأ حالاتها , وصار لاعبو كرة القدم بديلا عن العلماء فى كل مجالات العلم , وصارت كرة القدم فى دولنا العربية هى المشروع القومى والحضارى والتنموى .

ولعل المثال الصارخ لذلك يتجلى حين أستغل جمال مبارك ” ابن الرئيس المخلوع مبارك”الوضع فكان البرنامج الأنتخابى ” الذى سيُخدر أرادة الشعب المصرى ويلهيه عن التوريث هو كرة القدم , كان الغزو الكروى لجماهير الشعب المصرى وقد وصل الى منتهاه , وصارت الوطنيه هى كرة القدم وغدى فوز فرق الكرة المصريه على أقارنها من الدول العربية والأفريقية , كأنتصار الجيش المصرى على الأعداء , وحتى على المستوى المحلى صار الولاء لأندية بعينها وكأنه ولاء للوطن أو للعائلة وصارت فرق الكره ملهاة عن العمل ورزق الابناء ( وهذ أيضا الحادث فى معظم البلدان العربيه )- من هنا عرف ” جمال مبارك طريقة الى حكم مصر – فمنح كل جهده لمنتخابات كرة القدم وتفاعل مع جماهيرها لتعميق الملهاة , ومنح اللاعبين المكافأت والأوسمه لمجرد فوز تافه , وأغدق عليهم بالاموال – وشعبه يموت جوعاُ- وكون أعلام رياضى من كل الأفاقين والمتدنين اخلاقيا وسياسيا,فساهموا فى تسطيح الشعب المصرى وخلخلة قكرة وتذبذبه وكفرة بكل قيم النضال من اجل الحق والعدالة والمساواة وصار اعلام كرة القدم هو المُسَير لحملة جمال مبارك لتوريث حكم مصر.

فى تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2009 كانت مباراة المنتخب المصرى والمنتخب الجزائرى الشقيق ,كمباراة فاصله فى الخرطوم لتحديد الفريق الصاعد الى كأس العالم فى جنوب أفريقيا ,وحين فاز الفريق الجزائرى , بدى أن مشروع جمال مبارك قد أنتهى ,فاراد أن يعيد الحياة اليه , فأخترع حرب الكرة على الجزائر , وصارت المأساة.

مازال الى الآن هذا التفكير سائدا فى أوساط عالمنا العربى خاصة دول الخليج ,فكانت مؤخرا بطوله الأندية العربية لكرة القدم التى أقيمت مباراتها النهائية بأستاد الأسكندرية , وما شاهدناه فيها من تدن فى السلوك والأخلاق وأنعدام الروح الرياضة , بما يبعدنا عن الهدف الأسمى للرياضة فى توثيق أواصر المحبة والتعاون والسلام ,وذوبان الفواصل بين الشعوب العربية من اجل وحدتها , والأرتقاء بالقيم والأخلاق , ولقد تجلى السقوط فى هذا المحفل وغيره من محافل كرة القدم لان القائمين عليها والحكومات التى تتبناها قد صنعت منها مشروعا حضاريا تتوارى خلفه وتجعله شرعية حكمها وبديلا لخيباتها فى أقامة مشاريع حقيقية -تكون الرياضة جزءا فيها – تخدم المجتمعات العربية وتصنع منها قوة اقليمية قوية قادرة على مجابهة كل الأعداء.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى