في الحاجة إلى مبادرات شعبية قومية اعتراضية ؟

يكاد هذا الصمت العربي الشعبي عل نطاق الوطن العربي أن يثير الريبة والأسى والتساؤلات الكثيرة ، ويكاد في الوقت نفسه وفي جوانبه السلبية أن يصبح مدعاة  لاطمئنان  الأنظمة الرسمية العربية بأن عهد الجماهير وثوراتها قد اندثر وولّى ، وأن لا أحد في الساحة واقعاً وحالاً سوى الأنظمة الرسمية المزعزعة المتآكلة وكل ما يرتبط بها من أزمات وتناقضات وقدرات هائلة على تطوير وإعادة انتاج الاستبداد والاستمرار في الحكم .

ويكاد الوعي الوطني والقومي يتبعثر في المرحلة الانحطاطية الراهنة ويتوزع على مقولات متناثرة وباهته لا تكاد تجد لها الصدى المناسب من القبول والتداول والحث على الاستنهاض ، كما أدى استدخال كل ألوان العصبيات والأصوليات والمذهبيات إلى تغيير مسارات الواقع الفكري الراهن وحرف الحوارات وإزاحتها عن صراطها النهضوي إلى درك الفكر اليومي الهوياتي الانقسامي المنغلق والمسطح .

وتغيب في هذا الزمن  العربي الخانق المبادرات الشعبية والمجتمعية الخلاقة ويزداد الفراغ اتساعاً حتى بتنا لا نرى إلا الآفاق المسدودة والعجز والاحباط والظلامية المحيقة  ، وأسهم كل ذلك في زيادة التأزم وانعدام البدائل  والضياع بين المفردات والضلالات التي تبثها وتطرحها وسائط الاعلام المبرمجة وما تمارسه من جرائم على العقل العربي بغية تعميق متاهته والاستغراق في أزماته .

ويبقى السؤال المؤرق والطاغي : إلام سيستمر فينا هذا الضياع واتساع الفراغ    ،  وإلام سنبقى بمواجهة الاطلال والبكاء عليها ؟ وكيف سنولد في ذاتنا وفي واقعنا العربي حس التغيير والانقلاب على هذا الواقع المرير ؟

تلك أسئلة يمكن أن نفتتح بها لحظة حوار نقدية ضرورية حول الواقع العربي الراهن ونسعى من خلالها إلى إيقاظ الوعي القومي والحث على المبادرات الشعبية التي يمكن أن تسهم في اخراجنا  من المأزق الحالي أو أن تضع الناس أمام مسؤولياتهم التاريخية بطريقة حافزة  ،  وكل حوار بهذا الصدد سوف يؤدي حتماً إلى توليد رؤى وأفكار جديدة يمكن أن تنقلنا إلى صعيد جديد .

ما أقصده بالمبادرات الشعبية هو أي محاولات قومية جادة ومؤثرة تقوم بها الأحزاب والمنظمات والجمعيات والروابط القومية  للدعوة الى عملية استنهاض عربية تتأسس على رفض الواقع الراهن وما أصبح يتبدى فيه من ملامح التذرر والانحطاط وتشخيصه تشخيصاً واقعياً موضوعياً يفضي إلى فتح الآفاق المسدودة وينطوي على بدائل يمكنها أن تنقل واقعنا العربي الراهن من حالة التكلس والانحسار إلى مستوى جديد من التفكير والحث والعمل على تغيير الوقائع الراهنة وتكون في الوقت نفسه قوة ضاغطة على الأنظمة الرسمية توقف مروقها وانزلاقاتها المدمرة .

ما نحتاجه – وقد شهدنا كل أنواع النكوص والظلامية في العقود الأخيرة – هو تجديد الحديث عن أفكار قومية استنهاضية جامعة يمكنها أن تعيد ترتيب عقلنا العربي باتجاه ايجابي وتأخذنا إلى صعيد جديد من الادراكات الحافزة والعقلانية والالتزام بمسؤولية تاريخية تدفعنا إلى العمل الشعبي التاريخي الانقاذي ، ونرى بأن ذلك لن يكون إلا في حالة أن تنهض كل تيارات التغيير العربية بمهماتها وأن  تقترح وتباشر أفعالا ترتقي إلى مستوى التحديات وتطرح أفكاراً وخيارات بديلة وجاذبة قد تشكل نقاط بداية لفعل تاريخي على مستوى الأمة وقد تكون خطوة باتجاه الخروج من العقم والانسداد .

إن أسوأ ما نشهده في وضعنا الراهن هو غياب الجماهير عن دورها واستسلامها للواقع الراهن بكل سوءاته ومخاطره والسكوت عن كل ما يحدث من كبائر وموبقات سياسية وكل ما يدبر في السرّ والعلن في المديين القريب والبعيد ، والعجز عن طرح مبادرات تحاور في حدودها الدنيا الأزمة العربية الراهنة ، وتبقي جمرة الاحتجاج والتغيير مشتعلة  ، وتقترح وتجترح خيارات وممكنات للخروج من حالة الاحباط والتأزم المتفاقمة .

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى