بعدما قوض اركان تركيا.. اردوغان يتولى الآن ادارة ازمة انهيارها

رأى الباحث مايكل روبن في مقاله ضمن مجلة “ناشونال ريفيو” الأمريكية أنّ دونالد ترامب “لم يكن مخطئاً” في أيارحين قال إنّ تركيا شكلت “حصناً ضد التوسع السوفياتي”.

أردوغان، وخلال 15 سنة في السلطة، دمّر المؤسسة التي بني عليها الاستقرار التركي. وتعزيز صلاحياته لا يترك أي شخص مؤهلاً لاستبداله أكان بعد وفاته أو الإطاحة به  لكن كان ذلك في زمن سيطر عليه قلق أساسي من الاجتياحات البرية، وسمح فيه موقع تركيا الجغرافي بأن تكون قاعدة أنجرليك مصلحة أساسية لواشنطن. غير أنّ هذه الأيام انتهت بحسب روبن الذي شدّد على أن عصر صواريخ الكروز سمح للولايات المتحدة بأن تحقق أهدافها التي تطلبت سابقاً استخدام تلك القاعدة العسكرية.

من ناحية ثانية، تم استبدال الأسئلة المرتبطة بالتزام أنقرة بالديموقراطية واحتمال انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي بسؤال أكثر إلحاحاً: “هل تركيا على مسار الفوضى، الانهيار، أو الدولة الفاشلة؟” وكتب الباحث: “الجواب يمكن أن يكون نعم”.

وانطلق روبن في تحليله من النظام السياسي التركي حيث يرى رجب طيب أردوغان نفسه كرجل قوي. فهو قاد حزبه إلى سبع انتصارات في انتخابات محلية وبرلمانية ورئاسية وهو الآن حكم تركيا طوال المدة نفسها التي ترأس فيها أتاتورك الدولة التركية تقريباً.

وعقب نتائج الاستفتاء على التعديل الدستوري في نيسان الماضي، تحدث أردوغان عن تفعيل “أهم إصلاح حكومي في تاريخنا”. لكن هذه النتائج بنيت على تصويت “ليس حراً ولا عادلاً” بحسب مراقبين محايدين، الأمر الذي أدى إلى تآكل ما بقي من فصل للسلطات. وكأنّ ذلك لم يكن كافياً، إذ عمد أردوغان إلى تمديد حال الطوارئ وحكم بالمراسيم فيما سجن خصومه.

ولكن أردوغان ليس الرجل القوي، يؤكد روبن. فهو فاز بغالبية الأصوات في مرتين فقط، الأولى في انتخابات الرئاسة سنة 2014 ثمّ في الاستفتاء الأخير. لكن هذا الفوز كان بشقّ الأنفس، مع تأكيده على غياب العدالة في هذا الانتصار. كذلك، يحكم أردوغان مجتمعاً تركياً مستقطباً بشكل “خطير”، بحيث يشبه ما يجري اليوم أحداث ستينات وسبعينات القرن الماضي التي شهدت معارك شوارع بين عصابات اليمين واليسار واغتيالات سياسية. وفي كل مرة استولى فيها الجنرالات الأتراك على السلطة سارعوا إلى ضرب المجموعات الراديكالية يميناً ويساراً. ومع أن ذلك ساهم في إعادة النظام، لكن كل انقلاب كان ذا كلفة باهظة لأن التدخلات العسكرية أعطت الإسلاميين والأكراد الانفصاليين إحباطاً كبيراً “ممتازاً” كي يجنّدوا على أساسه جيلاً جديداً من المتطرفين.

وجاء الانقلاب الفاشل الأخير في تركيا كـ”هدية من الله” على حد وصف أردوغان نفسه لأنه أمّن له عذراً من أجل محاربة خصومه السياسيين. ويشير روبن إلى أنّ الرئيس التركي صرف إلى الآن 140 ألف مسؤول واعتقل رسمياً 50 ألفاً إضافياً وهو “رقم يزداد كل يوم”. الأسر تُركت في حال من العوز والشبان الذين طردوا من المدارس أو الجامعات يمكن أن يتسببوا بمئات من العمليات الانتقامية. وبدون إعادة تصويب لهذه الحالات من خلال القانون أو حتى بانتخابات عادية يمكن أن تكون تركيا قريبة جداً من الفوضى.

ويمكن أن تواجه تركيا، إلى جانب غياب الاستقرار السياسي، تهديداً إرهابياً في وقت تبدو دفاعاتها ضعيفة. ويكتب روبن أنّ أردوغان اعتقد بأن بلاده محصنة ضد ارتداد الإرهابيين على دولته فانخرط في دعم القاعدة وفروعها وسهّل دخول المقاتلين ليلتحقوا بداعش في سوريا. لكنّ الإرهابيين أعادوا توجيه أنظارهم على تركيا. وفي السابق، أمكن للقوى الأمنية التركية أن توقف هذه الهجمات، “لكن ليس بعد الآن”. وفي الماضي تمكنت المخابرات التركية من توقيف عدد كبير من الإرهابيين على حدودها، إن لم يكن قبلها حتى. لكن اليوم، فإنّ هذه المخابرات ساعدت الإسلاميين المتطرفين على اجتياز الحدود بحسب صحافيين أتراك انتهى بهم المطاف في السجن بعد توثيقهم لهذه الأحداث.

ويكتب روبن أيضاً عن أمل طويل ساد الغربيين لإنهاء النفوذ العسكري في السياسة التركية مع تطوير الديموقراطية، من دون أن يعلموا بأن تقييد هذا النفوذ بدون خلق توزان رقابي فعلي بين السلطات أولاً، يمكن أن يكون خطيراً. وشجّع أردوغان هذه النظرة ولعب على أوتارها فقام بإضعاف بعض الجنرالات وتهديد بعضهم الآخر. إذاً حتى لو أراد الجيش أو الشرطة التركيين أن يحموا بلادهم، فإنهم عاجزون عن ذلك الآن بحسب الباحث. فالتطهير السياسي أنهى خدمة آلاف الأمنيين من ذوي الخبرة في مكافحة الإرهاب أو في الميدان العسكري. ولاستبدالهم، رفّع أردوغان من أعطوه الولاء عوضاً عمّن يتمتعون بالأهلية والكفاءة.

ومع الأكراد، استعمل الجيش التركي الوحشية عوضاً عن الدقة محولاً مدناً مثل نصيبين وسيرناك وسور وغيرها إلى مناطق شبيهة بحلب، بحسب توصيف كاتب المقال. وفي الوقت نفسه، خرجت مناطق من جنوبي شرق تركيا عن سيطرة الحكومة. وبإرسال قواته إلى سوريا، لمحاربة الأكراد السوريين عوضاً عن داعش، ساهم أردوغان في “صب الزيت على النار”.

اما بالنسبة للاقتصاد التركي مع رئيس البلاد اقترب من حافة الانهيار. وهذا من “سخرية القدر” لأن أردوغان ركب موجة استياء شعبي من الفساد والتضخم والضعف الاقتصادي. فصحيح أنّ القدرة الاقتصادية التركية تبدو صلبة مع كونها تحتل المرتبة 17 عالمياً، لكنّ ذلك لا يستطيع أن يغطي مؤشرات التحذير الجادة. فخلال خمس سنوات خسرت العملة التركية نصف قيمتها أمام الدولار، فيما التضخم الكبير دخل سنته التاسعة. وارتفع الدين الخاص بشكل جنوني واضعاً البنوك أمام المخاطر، لدرجة أنّ المقرضين الدوليين يتجنبون الآن المصارف التركية. وكل ما فعله أردوغان هو إنكار الحالة أو اتهام المحللين الماليين بالتآمر. ولجعل الأمور أكثر سوءاً، شمل التطهير الاقتصادي الأردوغاني 1500 مسؤول في وزارة المال ووضع يده على المصارف والأعمال العائدة لخصومه السياسيين بائعاً إياها إلى عائلته وأصدقائه بأسعار متدنية جداً.

 

وختم روبن مقاله مؤكداً أنّ أردوغان، وخلال 15 سنة في السلطة، دمّر المؤسسة التي بني عليها الاستقرار التركي. وتعزيز صلاحياته لا يترك أي شخص مؤهلاً لاستبداله أكان بعد وفاته أو الإطاحة به. “السؤال الذي يجب أن يأخذه البيت الأبيض أو البنتاغون بالاعتبار ليس كيفية إقامة شراكة بأفضل طريقة مع تركيا، لكن عوضاً عن ذلك، كيفية إدارة انحدار تركيا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى