ذكرى نكسة حزيران وثقافة الاستسلام

خمسون عاما مرت على ذكرى الخامس من حزيران عام 1967م ، ولا يزال الجرح عميقا نازفا والأرض سليبة حزينة ، وتتعرض لخطر التهويد يوميا ، فلم تعدها الحرب التي أعدها جمال عبد الناصر لتكون تحريرا, وجعل السادات منها تحريكا بعد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر ، وحتى بعد أكثر من سبعة وثلاثين عاما من التحريك والمفاوضات العبثية في كامب ديفيد وملحقاتها المخزية في أوسلو ووادي عربة والجري وراء السراب والأوهام, لم يحدث جديدا.

خمسون عاما والعدو واضح في سياسته وعدوانيته, وما قاله مناحييم بيغن  في وجه الخائن أنور السادات يردده نتنياهو أمام المنبطحين العرب ، حيث لا عودة للأراضي المحتلة عام 1967م ، ولا لقيام الدولة الفلسطينية حتى لو كانت بحجم حبة الأسبرين ، ولا يزال أهل الكهف من المقبور أنور السادات وحتى الساداتي الصغير محمود عباس يراهنون على التغير في سياسة العدو ما بين جناحي اليمين المتمثل بحزب الليكود واليسار المتمثل بحزب العمل, وهو الذي جاءت منه مصائب الأمة كلها حيث كان يهوش بالسلام وهو مع الحرب, وكانت نكسة حزيران وقبلها النكبة وبناء المستوطنات كلها سياسة حزب العمل وقادته الصهاينة الذي يراهن عليهم الساداتيون العرب.

خمسون عاما على نكسة حزيران ولا زالت أسرار ذلك العدوان لم تكشف بعد, فتلك الحرب لم تكن من صنع العدو الصهيوني وداعمته الولايات المتحدة فقط, ولكن هناك حكام عرب دعموا ذلك العدوان ومهدوا إليه وحرضوا عليه وسهلوا عبور الطائرات الصهيونية من بعض المطارات العربية بهدف التخلص من المشروع الوحدوي الناصري الذي قادته مصر في خمسينات وستينات القرن الماضي.

فهذا المقتول الملك فيصل آل سعود يكتب قبل النكسة بستة أشهر رسالة للرئيس الأمريكي ليدن جونسون يطالبه بضرب مصر عن طريق إسرائيل واحتلال جزء من أراضيها واحتلال الضفة الغربية ليفرض على الفلسطينيين وبالقوة القبول بأي تسوية تعرض عليهم مستقبلا ، ولكن بعد رحيل جمال عبد الناصر أو إسقاطه.

واستطرد فيصل في رسالته وإذا تأخرتم لن يأتي عام 1975م ، وهناك عرش واحد من أصدقائكم في المنطقة.

نكسة حزيران لم تكن خسارة حرب ولكن هزيمة معركة  والبعض أراد منها أن تبقى ثقافة هزيمة  تكرس في الأمة بهدف إضعافها معنويا وحضاريا وثقافيا .

أليس من المفارقات أن خسارة تلك المعركة على مرارتها قد وحدت الأمة وجعلت حتى الخونة يتظاهرون بالوطنية والحس القومي أمام شعوبهم على ألأقل ، وكما قال فيصل في رسالته الشهيرة نعطيهم الفتات حتى  نكتفي شرورهم وعدم سماع أصواتهم البغيضة .

قبل أيام قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن مصر منذ نكسة حزيران/ يونيو لم تر الخير ، فهل يوجد تكريس لثقافة الهزيمة أكثر من ذلك ؟  وأي أمة في التاريخ تقبل على نفسها تكريس ثقافة الهزيمة في شعبها نتيجة خسارة معركة في حرب وجود لا زالت مستمرة وستبقى ؟

الباحثون من أهل الاختصاص يقولون بأن السنوات الثلاثة التي عقبت الحرب كانت أعظم انجازات الزعيم جمال عبد الناصر من حيث إعادة البناء للقوات المسلحة من الصفر ووضع القيادات المؤهلة التي أسست لحرب الاستنزاف وخاضته وصنعت خطة العبور العظيم الذي خانه السادات ، ألا يحق لنا اليوم بعد كل ما رأينا وشاهدنا خلال الخمسين عاما الماضية أن نشكك في وفاة الزعيم جمال عبد الناصر المفاجئة, بعد أن أعلن كما يقول الفريق محمد فوزي في كتابه حرب الثلاثة أعوام, أن عبد الناصر قال أن عام 1971م ، هو عام الحرب واسترداد الأرض والعرض ، وأخذ السادات يسميه بعد رحيل جمال عبد الناصر بعام الحسم, فهل جاء رحيل جمال عبد الناصر ومجيء السادات من الصدف ليتحول مسار التاريخ وتصبح الحرب القادمة من تحرير لتحريك ومن تحريك للوقوف على ما تم فرضه بالقوة, فحتى عودة سيناء كانت مذلة ، فقد عادت اسما  بلا موضوع ، ولا يزال الأمن بها مفقودا لليوم وواقعها شاهد على العصر .

خمسون عاما وتاريخ العرب كله وكأنه توقف عند تلك المعركة رغم أن العدو لم يحقق نصرا عسكريا منذ تلك المعركة بل وهزم في حرب الاستنزاف ويوم الكرامة وحرب أكتوبر وحرب تموز المجيدة عام 2006م ، أمام أبطال حزب الله والمقاومة اللبنانية وفشل في غزة أمام صمود شعبنا الاعزل في القطاع، وأثبتت الأمة أنها قادرة على الحرب وهزيمة العدو عندما تتوفر لها القيادات المؤهلة.

ورغم كل ذلك لا نرى إلا تكريس ثقافة الهزيمة والاستسلام حتى من رأس الدولة في مصر اليوم ، وهناك إمكانيات مادية هائلة نفطية تحديدا خصصت بهدف تكريس الهزيمة ثقافيا حتى من خلال الفن والمسرح والسينما  والشاشة الصغيرة والصحافة .

انظروا الى حجم الأعمال التي رصدت لذلك ونال أصحابها ارفع الأوسمة, وأحدهم حاز على جائزة نوبل لأنه هاجم عصر جمال عبد الناصر, علما أن أعماله تلك نشرت في الصحافة الرسمية في الدولة وتحديدا صحيفة الأهرام في عصر عبد الناصر.

فهل كل هذا جاء من فراغ حتى أن هناك كتبة لمعت أسماؤهم صنعتهم المرحلة النفطية وفلوسها السوداء, كل انجازاتهم تتلخص في مهاجمة ثورة يوليو وقائدها جمال عبد الناصر.

كفى نواحا ولطما يا من جعلتم من نكسة حزيران كربلائكم الجديدة ، فالأمم كل الأمم تهزم ولكن لا تتحطم ولا تتكرس بين أجيالها ثقافة الهزيمة.. ولا عزاء للصامتين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى