هل حان الوقت لتدفع قطر ثمن مغامراتها الطائشة وتحالفاتها الاخوانية ؟

تجمع مراجع خليجية سياسية على أن السجال الإعلامي الذي فجرته تصريحات أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني كشف عن أزمة داخل مجلس التعاون الخليجي في التعايش مع خيارات الدوحة الخليجية كما في سياستها الخارجية على المستويين الإقليمي والدولي.

وترى هذه الأوساط أن ردّ الفعل على التصريحات التي نشرتها وكالة الأنباء القطرية (قنا)، يعكس عدم احتمال دول الخليج القبول بالتعايش مع “حالة” قطر التي ما برحت تغرّد خارج السرب الخليجي لمصلحة أجندات لا تستقيم مع قواعد الحوكمة في الخليج، ولا تتوافق مع مصالح مجلس التعاون الخليجي.

ويُنقل عن مصادر دبلوماسية خليجية أن لجوء قطر إلى نفي هذه التصريحات والادعاء أنها نتاج قرصنة تعرض لها موقع الوكالة، يعكس تفاجؤ الدوحة بالغضب الذي أثارته تلك التصريحات، ما يشي بتبدل في مقاربة العواصم الخليجية للمواقف القطرية، بحيث لم يعد لدول المنظومة الإقليمية الخليجية صبر القبول بالسلوك القطري، الذي بات يشكل تحديا لدول المجلس، ويعمل على نحو معاكس تماما لقواعد العمل المشترك، ويشكّل خطرا على أمن واستقرار تلك الدول على المستوى الداخلي كما على مستوى علاقات المجلس مع دول العالم.

ويلفت مراقبون خليجيون إلى أن السجال الأخير بقي إعلاميا تولته وسائل إعلامية ولم يرتق إلى مستويات سياسية رسمية. وفي ما عدا التصريحات الرسمية التي صدرت عن مراجع رسمية قطرية تنفي التصريحات وتعلن عن القرصنة، فإن العواصم الخليجية لم تعلّق رسميا على ما جاء على لسان أمير قطر، إلا أن وسائل الإعلام عبّرت بشكلي جليّ عن رفض دول الخليج لتلك التصريحات التي تأتي، للمفارقة، متناقضة مع روحية القمم الثلاث التي عقدت في الرياض مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وتساءل مسؤولون خليجيون عن الحكمة من إطلاق مواقف أمير قطر التي تنسف ما انتهت إليه القمم السعودية الخليجية العربية الإسلامية الأميركية التي اعتبرت حدثا تاريخيا غير مسبوق، وعن مغزى الخروج عن هذا الوفاق الأميركي مع دول المنطقة، وعن مرامي إحداث انشقاق داخل مجلس التعاون الخليجي في مسائل وقضايا تمسّ أمن دول المجلس واستقرارها داخل التحولات الكبرى الجارية في العالم.

ويستغرب مسؤولون خليجيون مواصلة الدوحة اعتماد سياسات لا تمتّ إلى البيئة الخليجية وتقاليدها، لا سيما أن العواصم الخليجية سبق لها وأن أبدت رفضا لهذه السياسات وصلت إلى حد القطيعة وسحب السفراء من الدوحة في عام 2014، وأن الأمور عادت إلى طبيعتها بعد تعهّد قطر وأميرها (أمام العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز) بالكفّ عن انتهاج سلوكيات تتعارض مع مصالح دول الخليج.

وتضيف هذه الأوساط أن أمير قطر أطلق تصريحاته الأخيرة وهو يعرف أنها ستكون مرفوضة ومستهجنة من قبل جيران قطر الخليجيين، على نحو يطرح أسئلة عمّا إذا كانت الدوحة قد أصدرت هذه المواقف (ونشرتها على موقع وكالة الأنباء القطرية الناطقة باسم الحكومة)، بغية تفجير الخلاف داخل المجلس، وبالتالي الإطاحة بالتوافق الذي مثّلته قمم الرياض. علما أن حدث الرياض يمثل تبنيا أميركيا كاملا لرؤية الخليجيين السياسية في مقاربة شؤون الشرق الأوسط، والتي قوبلت قبل ذلك ببرودة سلبية من قبل الإدارة الأميركية السابقة برئاسة باراك أوباما.

واعتبرت مصادر عربية متابعة أن تصريحات أمير قطر لم تحمل جديدا في مضمونها وهي تتّسق تماما مع مواقف قطرية سابقة، وأن الادعاء بأنها مفبركة قد تم ضخها عبر قرصنة إلكترونية لا يتناقض مع كونها (أي التصريحات) متوافقة تماما مع سياسات قطر.

ولاحظت هذه المصادر أن الدوحة تحدثت عن القرصنة، أي أنها رفضت الشكل الذي قُدّمت به هذه التصريحات، لكن لم يصدر عنها ما يرفض أو يتبرّأ من مضمون هذه التصريحات، فيما أن مواقف دول الخليج مستاءة من فحوى المواقف القطرية التي تعبّر تصريحات الشيخ تميم عن تمسك قطر بها، إضافة إلى أن هذه العواصم تكتشف من خلالها أن قطر أساءت قراءة المشهد الدولي الجديد الذي تتّضح معالمه بشكل جليّ في ما انتهت إليه القمم الثلاث وفي ما خلص إليه “إعلان الرياض”.

وكشفت مصادر خليجية متابعة أن دول المجلس تعرف جيدا استمرار العلاقات القطرية مع إيران على رغم الموقف الخليجي. وتدرك جيدا سعي الدوحة للعب دور منفصل عن الإجماع الخليجي لصالح طهران. ورأت هذه المصادر أن دول الخليج تدرك أن لقطر مصالح حدودية مع إيران تتعلق بالطاقة، لكنها ذكّرت أن لإيران أيضا مصالح مع قطر في هذا القطاع بما لم يمنع طهران من اتخاذ موقف معاد للخليجيين، فلماذا المطلوب من الدوحة أن تهمل الموقف السياسي من أجل مصالح تفصيلية اقتصادية.

ونقلت بعض المصادر القطرية تبرّما داخليا من السياسات التي تعتمدها الدوحة حيال قضايا تمسّ أمن وسيادة وخيارات الدول الخليجية الأخرى.

وتقول هذه المصادر إن الضجيج بدأ يعلو داخل النخب الاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية القطرية والتي تعبّر عن قلق القطريين ممّا يمكن أن تجره المواقف السياسية من أخطار على مصالح البلاد واستقرارها الداخلي، كما على موقع البلد داخل الخارطة الجيواستراتيجية. وتفيد بعض المعلومات أن الجدل قد بدأ يجري داخل العائلة الحاكمة نفسها حول نجاعة الخيارات التي عبّر عنها أمير البلاد في تصريحاته الأخيرة، فيما لا تخفي أوساط قطرية الجهر عن تبرمها من الأجندات القطرية الإقليمية التي عملت الدوحة عليها منذ عهد “الأمير الوالد” الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والتي لا تتناسب مع حجم قطر ووظيفتها المنطقية داخل بيئتها الخليجية ثم العربية الإسلامية.

وتؤكد مصادر دبلوماسية خليجية أن عواصم الخليج تأملت بقلق الدور المشبوه الذي تقوم به قطر منذ تسعينات القرن الماضي. وتضيف المصادر أن الدوحة سخّرت مواردها المالية وثرواتها المفرطة ليس من أجل المساهمة في ازدهار البلاد ونقل هذا الازدهار نحو دول المنطقة عن طريق الاستثمارات البناءة، بل إنها سعت من خلال ذراعها الإعلامية المتمثلة بقناة الجزيرة إلى تنشيط ورش التحريض والتخريب داخل كلّ المنطقة العربية معتمدة على جماعات الإسلام السياسي وتنظيماته داخل المجتمعات العربية. وأضافت هذه المصادر أن مواقف الدوحة وأدواتها الإعلامية سببت قطيعة وجفاء بين دول العالم العربي وقطر، كما رفعت مستويات الريبة من خلفيات الدور القطري والأجندات التي تقف وراءه، وطُرحت كثير من الأسئلة حول الجهات التي تعتمد عليها هذه الدولة الصغيرة لتناكف دولا كبرى وأساسية في المنطقة.

ويرى باحثون في الشؤون القطرية أن الدوحة انتهجت طريقا مختلفا عن بقية دول المنطقة في الطموح نحو القيام بدور إقليمي يتجاوز الحجم الجغرافي والديمغرافي والتاريخي لقطر.

ويعتقد هؤلاء أن استراتيجية الدوحة تستند على التبرع بالقيام بمهمات ووظائف لصالح أجندات كبرى، وأن صغر حجم هذه الدولة وعدم تشكيلها أيّ خطر مباشر على مصالح القوى الكبرى، جعلها تتحرك برشاقة لتنفيذ أدوار بالوكالة ضد هذه الدولة أو تلك لصالح هذه العاصمة أو تلك.

ولفت الباحثون إلى أن أجندات مختلفة تقاطعت في الدوحة بسبب استعداد قطر لخدمة مصالح متعددة في وقت واحد، بحيث أن علاقاتها المتقدمة والمعلنة مع إسرائيل تعايشت مع علاقة متقدمة في وقت سابق مع حزب الله وحتى هذه الأيام مع حركة حماس، وأن علاقاتها مع الولايات المتحدة، لدرجة استضافة أكبر قاعدة عسكرية جوية أميركية في العالم في العديد، تعايشت مع علاقاتها مع جماعات الإخوان المسلمين كما مع الجماعات الجهادية متعددة المشارب والتسميات.

واعتبر الباحثون أن قطر لم تعد بلدا بل مهنة ووظيفة يومية لصالح أجندات لا تمتّ للمصلحة العربية والخليجية بأيّ صلة، وأن ما كان يُعتبر منطقيا في الوظيفة القطرية في زمن الضبابية التي أرستها واشنطن على رأس العالم الغربي على مدى السنوات الثماني لولايتي الرئيس باراك أوباما لم يعد كذلك هذه الأيام، ليس فقط بسبب تبدل المزاج الأميركي الرسمي في عهد ترامب، بل بسبب المزاج الدولي العام الذي يجهد لمكافحة الإرهاب في نسختي داعش والقاعدة وضرب التطرف الذي تمارسه طهران.

ويرى مراقبون أوروبيون أن تبدّلا كبيرا طرأ على العقائد التي كانت تحكم السياسات الغربية حيال العالمين العربي والإسلامي، وأن هذه العواصم صارت مدركة لخطر الإسلاموية على الأمن الدولي وأنها لم تعد تفرّق بين مزاعم التطرف والاعتدال لدى جماعات الإسلام السياسي، خصوصا أن كافة أفكار التطرف خرجت من عباءة فكر الإخوان، وأنها أدركت خطأها السابق في التعويل على هذه الجماعة لاحتواء التطرف الإسلامي.

ويضيف هؤلاء أنه إذا ما كانت قطر قد استفادت من سوء الفهم الغربي إزاء الإسلاموية وقدّمت نفسها وسيطا يروّج للإخوان المسلمين بديلا، فإن العالم قد تغيّر وأصبحت لندن وباريس وبرلين وواشنطن تنظر إلى هذه الجماعة بنفس النظرة التي تنظر بها إلى القاعدة وداعش وبقية الجماعات الجهادية التابعة، على نحو يفترض أنه فرّغ تماما الوظيفة القطرية، لا بل بات يعتبرها متواطئة مع الإرهاب على ما تكشف التقارير المتخصصة في أوروبا والولايات المتحدة.

وتكشف المقالات الصادرة في الصحف الأميركية عن ضيق حقيقي متعلق بالسلوك القطري، بحيث لم تعد الإدارة الأميركية تحتمل التعايش معه. وتعرض الـ”فورين بوليسي” سلسلة من الاتهامات التي تنتقد ارتباط قطر بالإسلام السياسي وحركة حماس وحزب الله والجماعات الجهادية. وتتهم الصحيفة المتخصصة الدوحة بأنها “حوّلت الربيع العربي إلى شتاء عربي أغرقت خلاله ميادين الاضطرابات بالإسلاميين”.

وينصح جون هانا كاتب المقال إدارة ترامب “إلى ممارسة ضغوط لتغيير ممارسات قطر المناهضة لأميركا”. ويرى هانا أنه “إذا كانت إدارة ترامب تبحث عن مكان لتبدأ فيه بجهودها الرامية إلى جعل حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج أكثر منفعة في دعم المصالح الأميركية، قد تكون قطر المكان الأنسب للبدء”.

لكن الآراء النظرية تنعطف على خطط تشريعية تناقش داخل الكونغرس للتعامل بحزم مع الحالة القطرية. ونقل عن إدوارد رويس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي قوله، أثناء مشاركته في ندوة نظمت في واشنطن في 23 من الشهر الجاري تحت عنوان “قطر وحلفاء الإخوان: الإدارة الأميركية الجديدة تدرس سياسات جديدة”، إنه بصدد الإعداد لمشاريع قوانين تهدف إلى فرض عقوبات على الدول التي توفر الدعم لـ”العناصر الإرهابية للإخوان المسلمين”، وخصوصا لحركة حماس. وأن أمر العقوبات سينسحب آليا على قطر.

تغير الزمن وتغير العالم وبات على قطر أن تتغير، وما السجال الذي انفجر “إعلاميا” ردّا على تصريحات أمير قطر، إلا دليل على أن العالم بأجمعه لم يعد يقبل بما أهمله سابقا، وأن المجموعة الخليجية باتت متحررة من مزاج دولي سابق وصارت أكثر قدرة على الحزم والحسم للتعامل مع حالة باتت ورماً يهدد وحدة وأمن واستقرار الخليج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى