ماذا سيفعل مشعل بعد تركه رئاسة حماس؟

 

بعد 20 عاما، يترجل خالد مشعل عن رئاسة حركة حماس في عملية انتقال ديمقراطي، حظيت بإشادة فلسطينية وعربية دولية، وحتى إسرائيلية، باعتبارها صورة فريدة تفتقدها تنظيمات أخرى.

وأكمل مشعل جمال الصورة حين أعلن بنفسه فوز إسماعيل هنية برئاسة حماس خلفا له، وتأكيده أن “الحركة بكامل أعضائها والتزاماتها تصطف حول القيادة الجديدة برئاسة هنية”، علما أنه أول رئيس للمكتب السياسي يُنتخب من غزة.

ولم يرغب مشعل مع ترك موقعه إلا أن يتوّج عقدين من الزمن في رئاسة حماس بإنجاز ملفين على قدر كبير من الأهمية، الأول إتمام انتخابات الحركة بقدرة عجيبة في التغلّب على صعوبات الجغرافيا، والظرف السياسي الدقيق والحساس، إضافة إلى إصدار “الوثيقة السياسية” التي اعتبرت بمنزلة “خريطة طريق” جديدة لحماس.

هذه الشخصية المكتنِزة بعقل سويّ، وخبرة طويلة راكمتها وعركتها تجارب الحياة، وقادت حماس في أقسى ظروفها، أوجب بديهيا السؤال عما يمكن أن تفعله بعد مغادرة قُمرة القيادة.

التقدير أن أبو الوليد سيواصل تأثيره من خارج المكتب السياسي، انطلاقا من أنه ترك إرثا سياسيا لا ينتهي بانتهاء سنوات خدمته في رئاسة حماس، وبالتالي فإن دوره سيكون في التالي:

أولا: مرجعية للأطر الحركية، وجهة استشارية يمكن العودة إليها في الخارج عند الاختلاف السياسي، وفي المحطات المفصلية، التي تتطلب أن يحكم فيها صوت العقل، وهذا ما حدث فعلا قبل 4 سنوات حين ضغطت حماس على مشعل لإرغامه على العدول عن قراره عدم الترشح لانتخابات رئاستها.

ثانيا: سيسمح خروج مشعل من عباءة قيادة حماس لأن يتحول إلى “شخصية وطنية” تمارس دورها في الملف الفلسطيني، متحللا من قيود التنظيم وضوابطه، بمعنى أنها فرصة للانطلاق في فضاء العمل الوطني، وهذا ربما ما أشار إليه في قوله: “أنا فقط عضو مجلس الشورى العام للحركة، لأني أريد أن أخدم حركتي وشعبي وأمتي بصرف النظر عن المواقع”.

فمشعل يتمتع بشخصية توافقية، قادرة على استيعاب الكل الوطني، بمن فيهم خصوم حماس السياسيين، لدرجة أن صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين، وصفه ذات مرّة بأنه “رجل صادق وأمين ومخلص”، إلى جانب أن مشعل يتميز بالقدرة على طرح المقاربات الوطنية، التي يمكن أن تشكل نقطة التقاء لكل الفصائل، إضافة إلى شجاعته الفريدة في الاعتراف بالخطأ دون حرج.

ولا يمكن تجاهل إمكانية أن توظّف هذه التجربة الغنية على صعيد العمل الحركي الإسلامي في المنطقة، التي تمرّ بحالة عدم استقرار، بأن يعمم مشعل خبرته في قيادة حماس.

ثالثا: سيكون أبو الوليد أشبه بصمام أمان للحركة، فيما يتعلق بعلاقاتها الإقليمية ببعض الدول المركزية في المنطقة، مثل قطر وتركيا، وهذا يمكن أن يخدم القادم الجديد لرئاسة حماس، من خلال الانشغال والاهتمام بإعادة ترميم علاقات الحركة مع دول أخرى وازنة ومؤثرة، والتي تأثرت بفعل أحداث الربيع العربي، والإشارة هنا إلى إيران.

رابعا: سيمكّن خروج مشعل من قيادة الحركة لأن يكون الجهة التي يمكن أن يجري الاتصال بها، من الأطراف التي كانت تتحرج من إعلان الاتصال بحماس تحت ضغط تصنيفها “حركة إرهابية”، والمقصود هنا الأطراف الأوروبية التي ستصبح أكثر تحررا في إجراء اتصالات علنية، سواء بصفة رسمية أو غير رسمية، وهذا ما يمكن أن تساعد به أيضا الوثيقة الجديدة لحماس، التي حرصت فيها الحركة على تقديم صيغ مدنية لأدبياتها بما يتوافق مع القانون الدولي.

خامسا: أن يتفرّغ مشغل إلى توثيق وتدوين سيرته الذاتية، وتجربته في رئاسة أقوى تنظيم فلسطيني على مرّ 20 عاما، كلّفته أن يتجرّع سمّ الموساد الإسرائيلي، في أشهر محاولة اغتيال له، وكواليس قيادة حماس، واستعراض أهم إنجازاته، وأحلك المحطات التي انحنت فيها الحركة.

إن كتابة هذه السيرة هي “الوثيقة الثالثة” التي يجب أن تتبناها حماس، لأن قيادة مشعل قصة تستحق الكتابة، وكتابتها تستحق القراءة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى