فايز الصيّاغ ينتقد ضعف حركة الترجمة بالاردن ويطلق “مؤسسة ترجمان”

أكد الدكتور فايز الصياغ أن الترجمة، من العربية وإليها، شأنها شأن الكثير من جوانب الثقافة العربية المعاصرة، تعاني أزمة متعددة الجوانب، واصفاً حركة الترجمة في الأردن بـ “أقل من متواضعة”، على الرغم من بعض المساهمات الفردية المتميزة والمبادرات الحميدة في هذا الميدان.

ورأى الصياغ، في كلمته التي ألقاها خلال مشاركته في المؤتمر الدولي الأردني الرابع للترجمة الذي عقد بجامعة اليرموك مؤخراً، أن الترجمة، بتقديره، هي ترجمة “ثقافة إلى ثقافة، لا لغة إلى لغة”. وتابع أن مواصفات المترجم الناجح تكاد تنحصر في عنصرين جوهرييِن لازمين: أولهما التمكن والتمرس باللغتين وبالثقافتين، المترجَم إليها والمترجَم منها على حد سواء.

غير أن محتوى الأعمال المترجمة، وفق الصياغ، ما زال يتراوح، في أغلب الأحيان، بين نقل الكتب الرائجة المتصلة بالترفيه العابر أو بالشؤون الحياتية اليومية، وصولاً إلى المؤلفات البحثية والعلمية والأكاديمية الوقورة.

الصياغ: محتوى الأعمال المترجمة ما زال يتراوح، في أغلب الأحيان، بين نقل الكتب الرائجة المتصلة بالترفيه العابر أو بالشؤون الحياتية اليومية، وصولاً إلى المؤلفات البحثية والعلمية والأكاديمية الوقورة.

واستعرض الصياغ تجربته الشخصية مع الترجمة وكيف التقت اهتماماته واشتغالاته الأدبية والسوسيولوجية والأكاديمية والترجمية، في نقطة واحدة في وقت لاحق، لتبقى الترجمة شغله الشاغل وهمه؛ حيث دفعه تدني مستويات ترجمة بعض المراجع الجامعية عند انضمامه إلى مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، والأزمات التي يمر بها التعليم بمجمله في الأردن والبلاد العربية عموماً، من حيث التردي الواضح في نوعيته وجودته، ولاسيما في المرحلة الجامعية، إلى إطلاق “مؤسسة ترجمان” كهيئة أهليّة اعتباريّة تُعنى بتعريف قادة الرأي والنخب التربوية والسياسية والاقتصادية العربية بالإنتاج الفكري الجديد والمهم خارج العالم العربي، في المجالات الواقعة ضمن اهتمامات الأوساط العربية.

كما تُعنى المؤسسة، بحسب الصياغ، عن طريق النشر وتنظيم الندوات التخصصية، وعبر أنشطة ووسائل متنوعة، بالترجمة الأمينة الموثوقة المأذونة، وعن اللغات الأصلية قدر المستطاع، للأعمال والمؤلفات الأجنبية الجديدة أو ذات القيمة المتجددة في هذه المجالات.

ونوه الصياغ إلى أن حركة الترجمة في الأردن ما زالت “أقل من متواضعة”، على الرغم من بعض المساهمات الفردية المتميزة والمبادرات الحميدة في هذا الميدان، ومنها “قيام جمعية المترجمين الأردنيين، ووزارة الثقافة، في محاولة يتيمة واحدة حتى الآن، بتكريم اثنين من المترجمين المرموقين، ولكن في مجال الترجمة الأدبية فحسب لا في المجالات الفكرية والبحثية”.

وقال إن ما يثلج الصدر أن أقساماً مستقلة أو شبه مستقلة قد أنشئت ونشَطت، في الجامعة الأردنية واليرموك، بيد أن القسط الأكبر من نتاج المترجمين الأردنيين إنما يصب فيما تقوم به هيئات عربية أخرى معنية بقضايا الترجمة، مثل؛ “المنظمة العربية للترجمة”، و”عالم المعرفة” في الكويت، و”كلمة” في أبو ظبي، و”المركز القومي للترجمة” في مصر ومشروع “نقل المعرفة” في البحرين، مشدداً على أن هذه الهيئات والمراكز العربية تؤدي دوراً حيوياً ومشهوداً في دعم حركة الترجمة وتعزيزها.

وللخروج من “أزمة الترجمة”، دعا الصياغ إلى بناء نموذج جديد وصارم ومُمأْسَس للترجمة في العالم العربي، يتجسد في استراتيجية ذات أهداف واضحة، ومشروعات وبرامج دقيقة محكمة، وآجال وآليات إنجاز محددة، وتستفيد مما اعتور الخطط السابقة من أخطاء أو فشل، متابعاً أن مثل هذا النموذج المقترح لن يستهدف الدمج أو التوحيد بين الهيئات العربية القائمة، بل سيحاول تأطيرَها والتنسيقَ بينها وتشبيك بعضها مع بعض، وربما الأهم من ذلك، تقديم الدعم لها قياساً على الإنجاز الفعلي الكفؤ المبرمج، وفق خطة واضحة من جانب هذه المؤسسات الراهنة أو المقبلة.

واقترح أن تتبنى هذه الاستراتيجية في التنسيق والمساندة المأمولة مؤسسةُ عربيةٌ قادرةٌ ومؤهلة، بسياساتها وأهدافها المعلنة، ومقدراتها المادية المرصودة، واتساع الآفاق المفتوحة أمامها على الصعد العربية والإسلامية والدولية، تتولى الدعم والتكليف والمتابعة.

ورغم أن هذه المهمة قد تكون، بحسب وصف الصياغ، عسيرة أو مستعصية، وقد تكون يوتوبية هذه الأيام التي يواجه فيها عالمنا العربي أزماتٍ وتحدياتٍ أخطر بما لا يقاس من أزمة الترجمة والقصور في حفز روح البحث والاستقصاء لدى الأجيال الجديدة. غير أن ما لا يُدرك كلُّه، كما يقال، لا يُترك كلُّه. ولا ضير في هذا المقام أن نعود إلى ما نسميه في الأردن بــ “المقدور عليه”!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى