عبدالله الريماوي مفكراً قومياً

صدرت الاعمال الكاملة للمفكر القومي عبدالله الريماوي عن مكتبة الفكر في طرابلس وتضمنت اهم اراء هذا المفكر في المسألة القومية والاقليمية الجديدة والقضية العربية المعاصرة وما يمكن اعتباره موازيا او بديلا للبيان الشيوعي الذي صدر تحت عنوانين “البيان القومي” و”النظرية المعاصرة”.

عبدالله الريماوي, واحد من اهم المفكرين القوميين الذين حملتهم وحملوا مرحلة المد القومي خلال النصف الثاني من القرن العشرين.

وتنوعت محطات حياته السياسية بين المشاركة في تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في الاردن وفلسطين, والنجاح عنه في اول انتخابات برلمانية نزيهة بعد ضم الضفة الغربية للاردن حيث اعتبر هذه الوحدة, بصرف النظر عن ظروفها مرحلة ضرورية للتأسيس لفكرة الدولة الطوق وتأكيد البعد القومي للقضية الفلسطينية مما جعله يتحفظ على تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية ويعتبرها ذريعة للتنصل من المسؤولية القومية وغطاء للاقليميات المختلفة.

اختلف عبدالله الريماوي مع رفاقه القدامى في الحزب خلال مؤتمر 1959 انطلاقا من اصراره على رؤية كل المسائل انطلاقا من فكرة الوحدة والتجربة الجديدة بين مصر وسورية وما ترتب عليها من خلاف لاحق بين عبدالناصر والبعث.

كما اختلف الريماوي مع عبدالناصر نفسه وتسليمه بالانفصال السوري حيث اعتبر هذا الانفصال المناخ الحقيقي لهزيمة حزيران 1967 كما اختلف معه في شعار وحدة الصف بدلا من وحدة الهدف.

ويجمع الذين تعرفوا عليه على سماته الشخصية الفريدة فقد كان ذكيا وشجاعا ومجادلا ومثقفا على نحو جعله واحدا من المجددين في الفكر القومي.

وللاقتراب منه اكثر, يمكن اختصار تجربته ومشروعه بالعناوين التالية:

1- في مسألة الامة ينطلق الريماوي من ان الامم تنشأ وتتطور في صيرورة تاريخية الى ان تصل اعلى درجات التطور التي تجعل منها امما مستقرة.

ويميز الريماوي بين مقومات الامة وبين العوامل المكونة لكل مقوم من هذه المقومات وهو تمييز هام بالنظر الى الخلط الذي عرفناه عند مدارس اخرى فالدين مثلا ليس مقوما اساسيا بل عامل مهم من مقوم البعد الحضاري الثقافي لكل امة.

ويحصر الريماوي مقومات الامة باللغة والوطن والتكوين الثقافي – النفسي- الحضاري, والحياة الاقتصادية المشتركة وهي غير السوق عند الماركسيين فالسوق مرتبط بالدولة فيما الحياة الاقتصادية المشتركة مرتبطة بالامة.

ويرى الريماوي ان الامة العربية استكملت تطورها مع الاسلام ودولته.

2- حربه الضروس مع الاقليمية, التي يرى انها في النهاية طارئة ورجعية وهي اقليمية راكدة ذات بعد نفسي- انفعالي واقليمية حركية تعبر عن مصالح قوى طبقية رجعية اقطاعية وبرجوازية تابعة.. وتظهر الاقليمية في اربع صور قديمة مرتبطة بالاستعمار الاوروبي- وبترولية- واخرى مرتبطة بالخطاب الشيوعي التقليدي- بالاضافة الى الاقليمية الجديدة ويرى ان هذه الاخيرة ولدت مع ولادة الوحدة بين مصر وسورية وتكرست بعد الانفصال السوري والرضوخ المصري له.

فالوحدة كشفت عجز القوى السائدة عن الارتقاء بها. والانفصال كرسها بالانتقال من شعار وحدة الهدف الى وحدة الصف.. ومن شعار الوحدة طريق التحرير الى شعار التحرير (عبر القوى القطرية) طريق الوحدة..

ولم يفت الريماوي التمييز بين الاقليمية وبين الوطنية كتعبير قومي ضد التجزئة والاستعمار والتبعية.

3- قضية فلسطين كقضية قومية وقد تميزت كتابات الريماوي عن مثيلاتها القومية بربطه بين البعد القومي العربي وحركات التحرر الوطني في اسيا وافريقيا باعتبارها متضررة من المشروع الصهيوني كأداة امبريالية.. كما تميزت بربطه الدائم بين هذا المشروع واليهودية العالمية من جهة والقوى القطرية العربية من جهة ثانية.

ولعل الاهم هنا هي الاضافة النوعية التي قدمها الريماوي بحديثه عن (الدولة الطوق) كبناء موضوعي تاريخي للوحدة وهو ما يحتاج لتمعن كبير من شأنه ان يقودنا الى فلسفة المقاومة كمكون اساسي جديد من مكونات المشروع القومي.

وليس بلا معنى اضافته لشعار التحرير للشعار القومي الثلاثي: الحرية-الاشتراكية-الوحدة.

4- تحذيراته المبكرة من سقوط التجربة السوفياتية بسبب بيروقراطيتها وموقفها من جماهير الفلاحين والمثقفين وتحذيراته المبكرة مما يعيشه العرب اليوم حيث توقع الريماوي سقوط العرب في فخ السياسة الامريكية التي غيرت تكتيكاتها من دون ان تغير استراتيجياتها الداعمة لدولة العدو وتحويلها الى دولة مقبولة بل وصديقة من موقعها كمركز اقليمي بعد عزل مصر واقامة دويلة فلسطينية وبلقنة الشرق العربي (كتاب الريماوي: استرداد اجزاء الوطن السلبية).

5- الاقتراب من الماركسية ونقدها:

فبالرغم من الملاحظات النقدية الهامة التي سجلها الريماوي على الماركسية الا انه احتفظ بقواسم مشتركة معها.

فهو يقسم التاريخ الى مراحل شبيهة بالتقسيم الماركسي: لا طبقية بدائية- طبقية- لا طبقية متقدمة هي الاشتراكية.

وهو يخالف هيغل ويربط مثل ماركس بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي.. فالكيان السياسي عنده يتألف من الناس ونطاق الكيان والنظام السياسي.

كما يقترب من التعريف الستاليني للامة في جوانب ويخالفه في جوانبه اخرى: يقترب منه في تحديده مقومات الامة باللغة والوطن والتكوين الثقافي- النفسي والبعد الاقتصادي- ويختلف معه في تحديد طبيعة العامل الاخير وموقعه ودوره في تحديد الامة المكتملة. فحيث يرى ستالين ان الامة لا تستكمل نفسها الا في السوق الرأسمالي, يرى الريماوي في ذلك طبعة اوروبية مستوردة لا تلائم حال الامة العربية التي استكملت وجودها مع الاسلام.

اما أهم مساهمة نظرية ميزت الريماوي عن الماركسية فهي قراءته للديموقراطية, بوصفها ليست مجرد شكل سياسي للحكم, بل التعبير الاجتماعي لسلطة الشعب سواء في مراحلها القديمة او في عصرنا الراهن حيث تتماهى مع السلطة الاشتراكية.

وقد اشتق الريماوي من هذه القراءة موقفا مناهضا لدكتاتورية البروليتاريا. فبديل الرأسمالية عنده هي سلطة الشعب الاشتراكية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى