مخيلة عربية بديلة !

في دوامات أزمتنا العربية الراهنة نخرج أحياناً واختياراً عن أطر المعقول إلى المتخيل, لعل في ذلك ما يدفعنا إلى التعبير عن القلق من اللامعقول السائد, ويسعفنا في استنبات مساحات جديدة متخيلة من الرؤى وقدر من راحة النفس والعقل يبقينا في المدارات المعقولة من العيش والاستمرار, ويحفزنا على الانتقال من المتخيل بصوره الطوباوية إلى الواقعي ومن المتاهة إلى الحضور والسعي الى الابتكار والتجاوز.

والتخيل والتخييل في حالتنا هذه ليس ضرباً من الهروب من الواقع والقفز في الهواء وإنما هو محاولة ونسق من انساق ابتكار آليات دفاع فكرية ممكنة وضرورية أمام الانسداد والانحسار والانكسار ، وهي آليات تبتكر في أوقات  المحن والأزمات لوقف تدهور وانهيار العقل واستقالته وخلق توازن داخل الذات المفكرة لتبقى في دائرة الانتهاض والحضور .

كما أن مثل هذا الضرب من التنويعات والايماءات المرتبطة بالعقل والوجدان يتغيا في مقاصده البعيدة المفترضة تبديد القتامة والغبرة والقترة التي ترهق العقل والنفس وتجعلهما في كبد دائم وانئسارٍ في دائرة الشؤم ، وهي بوقعها على الذات وما تضمره من ايحاءات بأن لابد مع العسر يسرا تنقل هذه الذات من المدارت الكئيبة والحزينة إلى المدارات والفضاءات المفتوحة والواعدة .

ولعل من أوضح ما يمكن قوله والتشديد عليه بهذا الصدد أننا لا ندعو إلى ميتافيزيقا مستحدثة لقراءة واقعنا العربي الراهن ومعالجته بالتخيلات والاستيهامات وإنما نسعى إلى الحديث عن الضفاف الخصبة الموحية الرابضة على اطراف الواقع  ، ذات الضفاف التي تعلّم أطراف البحر وفضاءاته وتحدد التقاء الماء باليابسة وتشكل مساحة للتأمل واشتقاق الرؤى والبدايات  ، ولكل واقع ضفاف ترى وتستحضر بالطبع عند هبوب العواصف والأعاصير لكي نبقى على ثبات في الرؤية وتماسك واشتعال في الوجدان وعيونا مفتوحة على الحدثان ، أو أننا بلغة أخرى نرسم علامات وإشارات على هامش المتن الذي أصبح في بعض جوانبه عصياً على الفهم والادراك وأصبح مؤرقا حتى العدم .

المخيلة العربية البديلة هي احتياج إلى مساحات معرفية – وجدانية موازية ممكنة تنصب فيها منصات للنقاش البديل وتجري فيها مجادلات الحوار المريح المتحرر من غبش الواقع وانسداد آفاقه والإحباط المخيم عليه ، ويتم من عليها  وفي مداراتها إحداث التهوية المطلوبة لاستواء وتوازن العقل وتوليد الاسئلة الجديدة والعروج إلى حالات من التفكير المختلف والأجوبة المختلفة .

وليس أشد بؤساً ومضاضة على النفس إذا ما اعتقدنا أن زمننا هو زمن الشطح والافراط فيه  فنسارع إلى الهذاءات والاستيهامات ونهدر فرصة نادرة بأن نحاول العودة من الهامش إلى المتن وأن نبادر دائماً إلى صياغة أجوبة ممكنة لحاضرنا وواقعنا العربي ولا مشاحة في أن نتنقل بين كل الممكنات من الأفكار والرؤى التي تبقينا في وضعية الحضور الايجابي وتمنع عنا الغياب والانطفاء .

لا بد وإن طالت الأزمة وعذاباتها واكراهاتها أن يكون لنا ويبقى حلمنا العربي في كل الأزمان والعصور إذ منه نستقي وجودنا ومستقبلنا ولذلك نسعى في هذا الزمن الخؤون الموحش  لأن نقترح ونستدعي  المخيلات البديلة ونتمسك بحلمنا وإبقاء روحنا ووجداننا نقياً مشتعلا لكي تتاح لنا فرصة رؤية البحر والضفاف والأفق المفتوح من حولهما ولكي لا نأسى ونحن نرى الفاضحات من ألوان المروق والعهر السياسي وبدع الهيمنة والانسياق والانسحاق واستدعاء وعودة الاستعمار, وليكن عنوان مخيلتنا العربية البديلة قولة عمر المختار الخالدة ( نحن شعب لا نستسلم .. نموت أو ننتصر ! )

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى