فكرة للحوار ..  في ذكرى المولد النبوي الشريف

يحتفل العالمان العربي والإسلامي كل عام بميلاد الرسول الكريم الذي وُلد في وقت كان قومه على قدر الحاجة إليه. وفي لحظة تاريخية معينة مرتبطة بضرورات تاريخية، حولت مسيرة قومه تحولا ً زعزع الأساس الذي تقوم عليه بنيتهم الاجتماعية ، لتقوم عليها بنية اجتماعية جديدة ، في سياق حركة تطور التاريخ البشري نحو الأفضل فالأفضل أبدا ً.

وعلى هذا الحدث المتمثل بميلاد الرسول، ندرك العمق الثوري للإسلام الذي أوكل الله نشره للرسول الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ً، ليعلن الاستجابة التاريخية الضرورية لحاجة العرب في شبه الجزيرة العربية. وليصبح منطلقا ً لتحولات عالمية تمتد إلى خارج الجزيرة العربية بعد الهجرة الكبرى من مكة إلى المدينة المنورة.

إن سيرة صاحب الدعوة الإسلامية محمد قبل زمن الدعوة كانت تسجل أبرز العلامات الملموسة، التي تقول إن العرب في شبه الجزيرة العربية قادمون على أمر كبير قادم عليهم وهم ينتظرون وأن هذا الأمر الكبير الذي ينتظرونه سيكون اختراقا ً لأسس النظام القبلي البدائي الذي يمارسون العيش في ظله.

عمل الرسول الكريم منذ بدء تبشيره برسالة الإسلام السماوية على توحيد بني قومه الذين كانوا يعيشون في أجواء التشرذم والتجزؤ والتبعثر، ليتحولوا إلى زمن آخر جديد، أي إلى زمن يتأطر فيه عرب الجزيرة بإطار من التوحيد يجمعهم كنواة لشعب عربي وجنينا ً لأمة عربية جديدة سيكون لها دور عظيم في شعوب أخرى كثيرة في مختلف قارات الأرض.

ولم تكن مصادفة أن الدعوة الإسلامية ظهرت في مكة، وليس مصادفة كذلك أن ينهض بهذا الأمر الكبير المنتظر، رجل من أهل مكة ومن قريش نفسها. فإن صاحب الدعوة الإسلامية محمد بن عبد الله عاش عمره الأربعين قبل أن ينهض بالدعوة، وهو في وضع يتناقض اجتماعيا ً مع وضع الزعامة القرشية ذات السيطرة المطلقة على مجتمع شبه الجزيرة ، ويتجسد هذا التناقض بواقع النشأة التي نشأها محمد يتيما ً في كنف عمه أبي طالب الفقير هو أيضا ً، وبواقع الانتماء الاجتماعي إلى هذا الفرع الهاشمي غير الثري من قريش، وبواقع أن محمدا ً الفتى مارس العمل الذي لا يمارسه إلا فئة الفقراء الكادحين من نوعه. إن هذا الواقع الذي يحدد الطابع الاجتماعي لانتمائه يتناقض مع الواقع الآخر الذي يحدد الطابع الاجتماعي لانتماء الزعامة القرشية المسيطرة على مجتمع مكة، والمتحكمة بحركة أسواق الجزيرة ومواسمها المتعددة.

وعلى أساس من التعارض والتناقض بين موقف الإسلام الذي تحدد موقعه من حركة التغيير، والذي سيكون صاحب الفعل الأكبر لصالح التقدم، وموقف الزعامة القرشية التي كان لها موقع السيطرة الاقتصادية والاجتماعية والدينية. لهذا فقد كانت الصدمة الأولى التي لم تكن للزعامة القرشية أن ترى غيرها المتمثلة بخطر الإسلام الآتي والمستهدف مصالحها وامتيازاتها في المستقبل القريب. لا يمكن لمقالة أن تستوعب ما خلفه مجيء الرسول الكريم وحضوره المستمر على واقع الأمة، والآثار الاجتماعية والسياسية للإسلام في حياة الأمة العربية. والحركات الفكرية الإسلامية ومضمونها الديمقراطي والتقدمي المعادي لقوى الاستعمار. وفي الوقت نفسه ما تكشفه المحاولات الرجعية لاستخدام بعض الشعارات الإسلامية بمواجهة حركات التقدم الديمقراطية.

إن دراسة المفاهيم المحمدية ينبغي ألا تقتصر على الفهم المجرد للتعابير، وإنما ينبغي أن تمتد إلى تحليل ما صاحبها من ملابسات وممارسات اجتماعية، مما يستلزم تضافر الجهود من العلماء المسلمين بهدف التخلص من مأزق الدراسة الأيدلوجية المجردة للإسلام، على قاعدة أن الإسلام دين توحيد وقوة وعزة، ستبقى ذكرى المولد النبوي نبراسا ً خالدا ً في تاريخ أمتنا إلى أن يعاد لهذه الأمة ألقها ومجدها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى