لم فُوّز ترامب ؟

فاز دولاند ترامب بمنصب الرئيس ألـ 45 للولايات المتحدة الأمريكية ـ التي تعتبر إحدى الدول الأعظم  في العالم ، رغم تراجع أهميتها الملحوظ في الأعوام الأخيرة وصعود دول أخرى.

لكن ثمة أسئلة تستحق الإجابة ، من بينها،هل الرئيس الأمريكي هو من يرسم الإستراتيجيات الأمريكية، أم أن هذه الإستراتيجيات ترسمها  وتعمل على رسمها مؤسسات راسخة عميقة الجذور كمؤسسات رأس المال واللوبي الصهيوني والحركة الماسونية، حيث يستحيل تولي هذا المنصب دون دعمها أو على الأقل قبولها، وليس معنى ذلك أنّ من لا يفوز بهذا المنصب هو خارج هذه المعادلة، فمن يصل من المرشحين للمراحل النهائية إنتهاءً بوصول إثنين، هم ضمن هذه المعادلة ، وثمة ضمانات لبقائهم ضمنها .

الأمر الآخر،لا بد ان لكل مرشح للرئاسة رؤيته الخاصة التي تميزه عن سواه ،بل تميز كل رئيس أمريكي عن سابقه و لاحقه،ولكن هذه التمايزات،تنحصر في إطار تحقيق الإستراتيجيات

المرسومة وليس خارج معادلة تحقيقها، وفي إطار البدائل الحاكمة لها .

ومن هنا رأينا أن أول قرار يتخذه أوباما،هو قرار إغلاق معتقل غوانتينامو الرهيب، لكن المعتقل ما زال باقياً رغم مرور 8 سنوات (إلا شهرين)على توقيع قرار إغلاقه، ورأينا إدارته تتوصل إلى إتفاق مع روسيا بشأن سورية ،لكن إعتبارات أمريكية حاكمة حالت دون تنفيذه ، كما حالت دون إغلاق معتقل غوانتينامو .

ويحدث ان يبدو الرئيس الأمريكي متفردا وله قلب أسد، باتخاذه قرارات مخالفة لمجلسي الشيوخ والنواب كما صنع بوش الإبن،ولو دققنا في خلفية اتخاذ تلك القرارات لوجدنا انها  تحقق مصالح مؤسسات رأس المال ومطلوبة من قبلها .

وليس بالضرورة أن تحقق الإستراتيجيات المرسومة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، بمعنى الدولة .. وإنما مصالح وأطماع الجهات الحقيقية الحاكمة لها، من مؤسسات رأس مال عابرة للحدود والقارات، والحركتين العالميتين الصهيونية والماسونية.

ومن هنا رأينا حروباً وويلات شنتها وتشنها الولايات المتحدة، أضرت بها كدولة وكمجتمعات، لكنها أفادت شركاتها الإحتكارية الكبرى عابرة الحدود في مجالات الطاقة وصناعات السلاح والعتاد والطائرات والسيارات وحتى المخدرات والسينما وترويج ثقافة العنف والإستهلاك والإنفلات الأخلاقي والتفكك الأسري لدى المجتمعات الأخرى.

كما خدمت هذه الحروب الشركات الرأسمالية في مجال شراء ذمم حكام ومسؤولي دول أخرى،وإنشاء مليشيات وعصابات إرهابية (محلية) وعلى مستوى جهات الأرض الأربع، في بلدان تابعة أو(متمردة)عليها  لإثارة الفتن والانقسامات المذهبية والطائفية والإثنية ، فضلاً عن مليشيات أمنية أمريكية تعيث فسادا في البلدان التي تستقدمها، وإشغال الجيوش الأمريكية والأجهزة الأمنية في مهام تخدم المؤسسات والشركات الحاكمة الحقيقية للدولة الأمريكية .

ورغم هذه الضوابط، وكون الرئيس الأمريكي عملياً موظف كبير عند مؤسسات راس المال الأمريكية، ورغم تحكمها بالقرار، وصلتها الوثيقة بالحركتين الماسونية والصهيونية، فان للرئيس الأمريكي مواصفات ناظمة غالباً كمعظم الرؤساء الأمريكان ، وأحيانا لغايات مرحلية كـ ( أوباما ) لكنها في كل الأحوال تتطابق في الجوهر مع المواصفات الرئيسة ، وإن حادت عنها بعض الامور كقتل كنيدي ، ومن بعده قطعت الطريق امام شقيقية قبل أن يصلا.

بهذه المعاني، فلن يكون هناك اختلاف كبير، بين المهزومة هيلاري كلينتون ( فيما لو فازت) وبين دونالد ترامب الفائز بالمنصب.. ولكن لم فُوّز الأخير وأسقطت هيلاري..علماً بأن الإثنين خادمان نجيبان لمعادلة الحكم الحقيقية ، تلك هي لعبة التلهية الديمقراطية الأمريكية، التي تقف خلفها مؤسسات راس المال وتحالفيها.

فبعد فشل محاولات تطبيق الفوضى الخلاقة التي بشرت بها (الفاتنة) رايس، أواخر  عهد بوش الإبن، وفشل تنفيذ الاتفاق المنعقد مع مكتب الإرشاد الإخواني العالمي بإيصال الإسلام السياسي إلى الحكم في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، وإبقائه في السودان ـ وبعد  ثبوت فشل الأنظمة التابعة والإسلام السياسي في تحقيق حصتهم من إستراتيجية المؤسسات الأمريكية ، بات لا بد من مراجعةٍ إستراتيجيةٍ على الأقل في أساليب ووسائل تطبيق تلك الإستراتيجية ، ما يستدعي مجيء إدارة جديدة ، تحمل مبررات تبدو مقبولة، غايتها في نهاية الأمر تحقيق الإستراتيجية الأمريكية لمؤسسات رأس المال وحليفيها.

ومن هنا تأتي تصريحات ترامب مختلفة مع هيلاري وإدارة اوباما (وهي ليست خارج نص مؤسسات رأس المال على اي حال) تبدو عقلانية على صعيد السياسات الخارجية تجاه روسيا وسورية والخليج والتعاون الدولي .. وتكشف عن أن هذه المؤسسات ستنحو عبر البيت الأبيض والإدارة الأمريكية وترامب طريقا جديدة في تنفيذ استراتيجياتها ، وليس نقضا لها ، وإنما إعادة ترتيب للأولويات ، فمن الواضح أن هذه المؤسسات تتوجه لإيلاء أمريكا الجنوبية اهتمامها لجهة إسقاط أنظمة خرجت عن الطوق ولم تعد حديقة واشنطن الخلفية ، كما تود التفرغ للصين ، وتلك المنطقة من العالم التي تراجع فيها دورها ونمت اقتصاديا بشكل يريع مؤسسات رأس المال الأمريكية .

ليس منطقياً المراهنة على التغيير الإضطراري الأمريكي، أو المبالغة بأهميته، ولكن أيضاً ينبغي فهمه بدقة والإستعداد لتداعياته، وفي آن عدم تجاهل الحلفاء في أمريكا الجنوبية وأقصى شرق آسيا ، الذين ساندوا سورية ومحور المقاومة وحلفائهما .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى